معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· إن المواجهة الإعلامية التي دارت بين وزير الدفاع ورئيس الأركان، والضجة التي ثارت بشأن تعيين خلف لرئيس الأركان، صرفتا الانتباه عن مسألة مهمة هي وضع الجيش اليوم مقارنة بما كان عليه قبل أربعة أعوام.
· وتجدر الإشارة إلى خمسة موضوعات أساسية في هذا السياق هي: أولاً، إن الأعوام الأربعة الأخيرة كانت من أكثر الأعوام التي عرفناها هدوءاً. فالحدود الشمالية، ويهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وكل حدود الدولة - حتى منطقة قطاع غزة منذ عملية "الرصاص المسبوك" - كانت مناطق هادئة، ولم تشهد إلا حوادث قليلة. ربما يكون لهذا الهدوء تفسيرات "خارجية"، لكن مما لا شك فيه أن العمليات النوعية للجيش الإسرائيلي، والانضباط العملاني، ساهما في هذا الهدوء.
· ثانياً، التحسن الكبير الذي طرأ على جهوزية الجيش، وهذا ينطبق على المجالات كافة. فالاحتياطيون تدربوا أكثر وتدريباتهم من نوعية أفضل، وتمت عمليات إعداد كبيرة، وارتفعت وتيرة التدريبات إلى مستويات أعلى، وأعيد العمل على الخطط العسكرية التي أُهمل جزء منها عشية حرب لبنان الثانية، وذلك بعد تحديثها وجعلها أكثر ملاءمة للاستخدام.
· ثالثاً، دخلت خطة العمل الخماسية للجيش الإسرائيلي عامها الرابع، وبعكس ما كان يجري سابقاً، فإنها تُنفذ وفقاً للمخطط، وللميزانية الموضوعة لها.
· رابعاً، كانت العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي ناجحة. فعملية "الرصاص المسبوك" عملية عسكرية ناجحة، وقصف المفاعل السوري ـ في حال كان الجيش الإسرائيلي هو من قام به ـ ترك وقعاً شديداً، كما أن عملية السيطرة على الأسطول التركي لم تكن سيئة مقارنة بنتائجها العسكرية والاستراتيجية، فلم تقع فيها حوادث عملانية كثيرة، ولم تؤد إلى وقوع عدد كبير من الإصابات ـ على الرغم من الضررين السياسي والإعلامي الكبيرين ـ لكن منذ ذلك الحين لم تتعرض إسرائيل لتحدٍّ من أي أسطول آخر.
· خامساً، ارتفاع المعنويات والشعور بالأمن في أوساط الجمهور عامة والجيش الإسرائيلي خاصة، وظهر ذلك في ارتفاع مستوى التطوع في الوحدات القتالية للجيش.
· لكن ينبغي لنا موازنة هذه الإنجازات المهمة بموضوعين أساسيين:
· الموضوع الأول، هو أن درجة تأهب الجيش الإسرائيلي لا تزال غير معروفة، فهذه الدرجة تُقاس عادة، في أثناء سير الحروب، وهي ليست مصطلحاً موضوعياً ويقاس كمياً، وإنما هو مرتبط بأمور أخرى. فلا يوجد في العقيدة العسكرية بند يتحدث عن القوة "المحضة" التي نملكها، وإنما هناك بند يسمى "ميزان القوى"، الذي يقدّر قوتنا مقارنة بعدو محتمل ضمن سيناريو محتمل.
· في أعقاب حرب لبنان الثانية، والتقصيرات التي برزت بصورة خاصة في القتال البري، قرر رئيس الأركان غابي أشكنازي "العودة إلى الأصل"، وإيلاء تحسين القدرة على المناورة لدى أطر كبيرة في سلاح البر، مزيداً من الاهتمام. لكن مَن يقول إن هذا هو المهم؟ فحتى لو أخذنا الجبهة اللبنانية، فمن الصحيح أننا لو نفّذنا في الأيام الأولى لحرب لبنان الثانية عملية تقدم سريعة في اتجاه خط الليطاني يشارك فيها عدة ألوية ـ لكنا استطعنا ضرب القوة الأساسية لحزب الله. لكن في المقابل، إذا نفّذنا في المواجهة المقبلة ضد حزب الله مثل هذه العملية، فليس من الضروري أن تكون مفيدة، ولا سيما أن أغلبية منصات إطلاق الصواريخ موجودة شمالي الليطاني. إن الاختبار ليس في مستوى الجهوزية بحد ذاته، وإنما في كيفية انعكاس هذه الجهوزية في أثناء الأحداث، وهذا أمر لا نستطيع تقديره مسبقاً.
· الموضوع الثاني، الأجواء السائدة لدى الجيش، وبصورة خاصة على المستويات العليا. صحيح أن الثقة زادت والمعنويات ارتفعت، لكن الأجواء السائدة على المستويات العليا لا تشجع على الانتقاد وطرح الشكوك. لقد أحسن رئيس الأركان صنعاً في العامين الأولين من توليه منصبه، لأنه عمل خلالهما على ترميم الجيش الإسرائيلي مشدداً على الانضباط، ولم يفسح المجال أمام الاختلاف في الآراء. لكن يبدو أنه كان هناك مجال في العامين الأخيرين لإبداء مزيد من الانفتاح، لكن هذا لم يحدث.
· في الخلاصة، لقد طرأ على الجيش الإسرائيلي تغيير مهم نحو الأفضل خلال الأعوام الأربعة الأخيرة. إن حضور الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، حفل وداع أشكنازي، قدم نموذجاً عن العلاقات الاستثنائية التي أقامها أشكنازي مع العديد من قادة الجيوش في المنطقة (مصر والأردن) وفي أوروبا. ولهذه العلاقات أهمية كبيرة في الأزمات. وبذلك يكون رئيس الأركان قد أثبت أنه ليس "جندياً" فحسب، بل صاحب قدرة كبيرة في المجال السياسي أيضاً.