هل الأردن هو التالي؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       في الأسبوع الماضي قام ملك الأردن عبد الله الثاني باستبعاد رئيس الحكومة السابق سمير الرفاعي وتعيين معروف البخيت مكانه، في خطوة لا تشكل حكماً على أداء الرفاعي بقدر ما تهدف إلى حماية النظام الهاشمي وتحصينه.

·       إن المملكة الهاشمية من أقدم الممالك في الشرق الأوسط، وقد واجهت منذ تحولها إلى كيان سياسي مستقل تحديات ضخمة استطاعت تخطيها بتصميم كبير وبقدرة كبيرة على المناورة السياسية. لكن التحدي الأكبر الذي يهدد الاستقرار في الأردن هو التحدي الديموغرافي. فقد أدت الحرب ضد إسرائيل في سنة 1948 إلى وجود 725.000 لاجىء فلسطيني في الأردن، الأمر الذي حوّل سكان المملكة الأصليين إلى أقلية.

·       في أعقاب حرب الأيام الستة في سنة 1967، انتقل أيضاً نحو 300.000 لاجىء فلسطيني من الضفة الغربية لنهر الأردن إلى الضفة الشرقية. وباستثناء الأحداث التي وقعت في سنة 1970 عندما قام الأردن بعملية عسكرية للتخلص من منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تشكل يومها دولة داخل دولة، فإن الملك حسين وابنه عبد الله تمكّنا من الحفاظ على الاستقرار والأمن في الأردن، على الرغم من التظاهرات والتوترات التي كان يشهدها من وقت إلى آخر لأسباب اقتصادية لا سياسية.

·       ويبدو أن الاضطرابات التي بدأت في حزيران/ يونيو 2009 في إيران، وانتقلت إلى تونس، ثم مصر واليمن، ستواصل امتدادها إلى الأردن، وقد شهدت شوارع عمّان تظاهرات أيضاً. لكن الأردن يختلف عن مصر، وأي محاولة لتغيير النظام هناك سيكون لها أهمية مختلفة. فثلثا السكان تقريباً في الأردن هما من أصل فلسطيني، ويحملون الجنسية الأردنية ولهم الحق في الاقتراع وفي الترشح للبرلمان وللحكومة. لكن نسبة تمثيل الفلسطينيين في مجلس النواب لا تتعدى 20% بسبب النظام الانتخابي المعتمد، كما أن هناك نوعاً من الاتفاق الضمني بين الحكومة والمعارضة بشأن حدود حرية التعبير عن الرأي والعمل السياسي، وذلك على نحو يضمن نوعاً من التوازن.

·       إن رياح التغيير التي تهب على المنطقة تهدد نموذج التعايش القائم بين عشائر البدو والمكونات الدينية والفلسطينية التي يتألف منها المجتمع الأردني. وهنا تجب الإشارة إلى أن عتبة التساهل في النظام الأردني أدنى كثيراً مما هي عليه في النظام المصري. فالجيش الأردني المؤلف من 100.000 جندي هو من البدو الذين يدينون بالولاء المطلق للملك عبد الله الذي يملك هو أيضاً خبرة عسكرية. والنظام الأردني لن يتردد، إذا ما دعت الحاجة، في استدعاء 1250 دبابة و2300 حاملة مدرعات من أجل القضاء على أي ثورة في مهدها، بصرف النظر عن ردات الفعل الدولية. فعندما ثارت مدن البدو في الجنوب مثل معان والكرك وذهبان قبل بضعة أعوام احتجاجاً على الفقر والبطالة، قامت الحكومة باستخدام القوة العسكرية لقمع التحرك، وهي لن تتردد في استخدام هذه القوة مرة أخرى ضد المواطنين من أصل فلسطيني. إن تعيين البخيت رئيساً للحكومة هو رسالة واضحة موجهة إلى المتظاهرين المحتملين.

·       تستطيع الولايات المتحدة أن تسمح لنفسها بالتلهي بالمطالبة بالتطبيق الكامل للديمقراطية في مصر، لكن مخاطر تبنيها لسياسة مشابهة في الأردن كبيرة جداً. ففي ظل الوضع المعقد الناتج من عدم حل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، والوضع المترنح في العراق، والتحالف السوري - الإيراني، يتعين على الولايات المتحدة أن تتوقف عن إرسال رسائل التشجيع إلى المعارضة الأردنية. فبعض الدول المجاورة للأردن يسعى لتشجيع عدم الاستقرار هناك، ويرغب في إذكاء سلسلة من ردات الفعل التي من شأنها أن تُدخِل المنطقة بأسرها في نزاع مسلح، وإيران المتشجعة من نجاحها الأخير في لبنان، ومن انهيار نظام حسني مبارك - الذي كان من كبار منتقديها - هي المرشح الأبرز، بمشاركة مع سورية، للتدخل في الأردن، وربما ينضم إليها بعض الفصائل الفلسطينية مثل حماس، التي ترغب في استغلال الاضطرابات التي تمر بها المنطقة من أجل تعزيز قوتها في الأردن.

·       وقد يلجأ بعض المجموعات السياسية في إسرائيل إلى إحياء حلم "الأردن هو فلسطين"، لكن هذا اقتراح خطر، إذ إن من مصلحة إسرائيل بقاء الأردن موحداً، وكذلك استمرار النظام السياسي الحالي، وأي بديل آخر إنما يتعارض مع المصالح الإسرائيلية البعيدة المدى.