· قبل 20 عاماً، عندما خاض زعماء إسرائيل مغامرة أوسلو، تحدثوا عن "شرق أوسط جديد". كانت اللهجة تفاؤلية، ولا سيما بعد زوال الاتحاد السوفياتي، إذ اعتقدوا أن شرق أوسط جديداً سينشأ تحت المظلة الأميركية القوية، وسيكون أكثر انفتاحاً على التغيير، وسيعترف بإسرائيل ويعيش بسلام إلى جوراها.
· لقد ارتكب هؤلاء الزعماء خطأً فادحاً، فالذي يقود الشرق الأوسط اليوم هو من جهة آيات الله في طهران، ومن جهة أخرى القاعدة. وهم يسيرون به نحو عصر مختلف، إسلامي، متشدد، منغلق على الغرب، يحتقر العالم الليبرالي.
· إن التغيير الكبير الذي شهدته تركيا يعتبر مؤشراً على التغيير الحاصل في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير، ومرده إلى الضعف الداخلي للدول الإسلامية العلمانية، وإلى تنامي التوجه الإسلامي وسط جماهير المنطقة. وما نشهده هو مسار تاريخي لا يقوم على حادثة معينة، ومصدره ليس النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وإنما تيارات عميقة نضجت اليوم، وستبقى معنا لأعوام عدة.
· عندما وصل الرئيس الأميركي الجديد إلى واشنطن حاول تغيير التوجهات الأميركية نحو دول المنطقة والإسلام، لكنه لم ينجح في مسعاه. وقد اتضح مرة أخرى أن الخطابات البليغة لا تغير التاريخ، وأن تقديم التنازلات للمتطرفين لا يجعلهم أقل تطرفاً، والأهم أن من يتنازل يُعتبر ضعيفاً، ويفقد نفوذه.
· ويجب فهم الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط في ضوء ذلك كله. ففي تونس أدت الانتفاضة الشعبية إلى الإطاحة برئيس فاسد حكم بيد من حديد زمناً طويلاً، إلاّ إن الصراع على الحكم لم ينته بعد، وثمة أطراف كثيرة تتصارع فيما بينها من دون اللجوء حتى الآن الى السلاح. ومن المرجح أنه لن تنشأ سلطة ديمقراطية في تونس، على الأقل في الفترة القريبة.
· والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل ما جرى في تونس يهدد أنظمة أخرى في المنطقة؟ من البديهي أن التحذير الذي وصل إلى أنظمة المنطقة من شوراع تونس ساعدها في الاستعداد بصورة أفضل لمواجهة محاولات استنساخ النموذج التونسي في أماكن أخرى. وصحيح أن هناك تظاهرات تجري في مدن مهمة في الشرق الأوسط، لكن حتى الآن لا يبدو أن ذلك سيشكل موجة تؤدي إلى إغراق هذه الأنظمة.
· إن الصورة القاسية والمعقدة للشرق الأوسط كله، ستكون أقسى وأكثر تعقيداً إذا لم يتحرك الغرب ليوقف المشروع النووي الإيراني. فتحت المظلة النووية، ستصبح إيران أكثر قوة وفاعلية، وسيصبح وكلاؤها في المنطقة أكثر حرية في دفع وجهة نظرهم الراديكالية قدماً، الأمر الذي سيشكل كارثة على العالم الذي يعتمد على مصادر الطاقة من الشرق الأوسط، والمرتبط اقتصادياً بالحفاظ على الاستقرار في دول المنطقة. إن إسرائيل مستعدة لمواجهة هذا الوضع الصعب والمعقد أكثر من غيرها، لكن خطورة الوضع تفرض عليها مزيداً من الاستعداد.