· تكشف الوثائق التي كشفتها شبكة الجزيرة هذه الأيام تفصيلات كثيرة بشأن مفاوضات الحل النهائي [بين الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة إيهود أولمرت والسلطة الفلسطينية]، ويمكن أن يتسبب جزء منها بالحرج لدى الجانبين، ومع ذلك فإنها لا تنطوي على أي كشف جديد يتعلق بجوهر "المعضلة" الكامنة في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.
· والمقصود هو "المعضلة" التي تعود إلى وجود تناقض كبير بين وجود رغبة كبيرة لدى معظم دول العالم في إيجاد حل لهذا النزاع على أساس مفهوم "الدولتين" الذي بات مقبولاً من كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والرباعية الدولية والجامعة العربية وكذلك من الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية الحالية (بعد خطاب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في جامعة بار إيلان)، وبين حقيقة أن مثل هذا الحل غير مرغوب فيه لدى الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. وإذا ما توخينا الدقة فإنه لا بُد من قول ما يلي: إن الحد الأقصى الذي يمكن لأي حكومة إسرائيلية أن تقترحه على الفلسطينيين وأن تحافظ على بقائها السياسي في الوقت نفسه، هو أقل بكثير من الحد الأدنى الذي يمكن أن توافق عليه أي سلطة فلسطينية وأن تحافظ على بقائها السياسي.
· في ظل هذا الواقع المستمر منذ 18 عاماً، أي منذ توقيع اتفاق أوسلو، فإننا نشهد عمليتين متوازيتين: الأولى، عملية أميركية تستند إلى مقاربة أميركية فحواها أنه لا بُد من إيجاد حل للنزاع، وأنه إذا لم يتم التوصل إلى حل حتى الآن فإن ذلك يعود إلى عدم قيام الولايات المتحدة بجهود كافية من أجل التوصل إليه؛ والثانية، عملية شرق أوسطية تستند إلى مقاربة كل من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، فكل طرف يعتقد أن لديه مصلحة في الانخراط في عملية سياسية، لكن من دون أن يسفر هذا عن اتفاق دائم من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً به.
· بناء على ذلك فإن المشكلة ليست كامنة في تفصيلات الحل النهائي، أو في إيجاد حلول إبداعية لمشكلة معينة في القدس أو لمستوطنة محددة في الضفة الغربية، بل إنها كامنة في المفهوم القائل إنه يمكن إقامة دولتين بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.
· إن هذا الأمر بات يستلزم إعادة النظر في مفهوم "الدولتين" باعتباره أساساً للحل، ومحاولة إيجاد حلول أخرى، مثل إقامة دولة فيدرالية أردنية- فلسطينية (أي إقامة دولة فلسطينية تحظى بمكانة ولاية كما في الولايات المتحدة)، أو القيام بعملية تبادل مناطق متعددة الأطراف تشمل كلاً من إسرائيل ومصر والأردن وفلسطين.