معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· شهدت الفترة الأخيرة سلسلة من اللقاءات الدولية المكثفة تناولت الأزمة في سورية. فقد جرت لقاءات بين أطراف دولية والمعارضة السورية، واتصالات روسية مع النظام السوري (شملت زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى روسيا)، وكذلك مع زعماء المعارضة السورية، إلى جانب سلسة اتصالات أميركية - روسية رفيعة المستوى، بما في ذلك الاجتماع بين وزير الخارجية الروسي لافروف ووزير الخارجية الأميركي الجديد كيري، واللقاء المنتظر بين الرئيسين بوتين وأوباما اللذين تحادثا هاتفياً في الفترة الأخيرة، وبعثا برسائل فحواها أن الطرفين يعملان على إيجاد تسوية في سورية، إلى جانب القرارات الأميركية الجديدة المتعلقة بالتعاون المنضبط مع المعارضة السورية.
· وعلى الرغم من الضربات المتبادلة بين طرفَي النزاع، فإن الوضع على الأرض في سورية لم يشهد تبدلاً واضحاً، وما زال في حالة من الجمود. وقد أدى ذلك إلى حدوث تغييرات معينة في الأجواء، وإلى زيادة تطلّع الطرفين في هذا النزاع إلى تدخّل خارجي أكبر يساهم في إيجاد حل.
· في هذه الأثناء، تواصل روسيا سياستها المعروفة بتقديم المساعدة السياسية والعسكرية إلى نظام الأسد. وخلال الأسابيع الأخيرة أضيف إلى هذه السياسة الوجود الكبير للأسطول الروسي في مقابل الشواطىء السورية، والذي حمل رسائل فحواها أن الانتشار الروسي في المنطقة هو انتشار دائم، ويهدف إلى حماية أهداف روسيا البعيدة الأمد في الشرق الأوسط. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا لا تقف فقط إلى جانب النظام السوري، بل تحمي أيضاً المحور الشيعي المكوّن من إيران وسورية وحزب الله. وبهذه الطريقة تتصدى روسيا للتحدي السنّي المدعوم في رأيها من جانب الغرب، والداخل في مواجهة مع المنظومة الشيعية، والذي يشكل خطراً على مكانة روسيا الإقليمية وعلى أمنها القومي. ويمكن القول إن السياسة الإقليمية التي تطبّقها روسيا منذ نحو عام ونصف عام تقوم على استغلال الأزمة السورية من أجل تحقيق عدد من الأهداف هي:
أ- أهداف إقليمية، وترمي إلى التصدي للمساعي التي تستهدف إخراج روسيا من منطقة الشرق الأوسط بواسطة المحور السنّي – الغربي.
ب- أهداف دولية، من خلال السعي لتحويل الأزمة السورية إلى أداة ضغط على الولايات المتحدة للمساهمة في حل مشكلات جوهرية بالنسبة إلى روسيا. وتجدر الإشارة هنا إلى توتر العلاقات بين الدولتين في الأعوام الأخيرة، جرّاء تبدد التفاهمات التي كانت قائمة سابقاً ضمن إطار سياسة (RESET)، وإلى الاستفزاز الذي تشعر به روسيا إزاء سياسة حلف شمال الأطلسي في مناطق لديها فيها مصالح شديدة الأهمية بالنسبة إليها.
· بيد أن استغلال الأزمة السورية على الرغم من فائدته في إطالة حياة نظام الأسد لم ينجح، على الأقل حتى الفترة الأخيرة، في إحداث التأثير الذي ترغب فيه روسيا، في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ويبدو أن هذه الاعتبارات وغيرها هي وراء تجدّد التحرك الروسي المكثف على الساحة الدولية والشرق الأوسطية بصورة خاصة من أجل التوصل إلى حلول جديدة متفق عليها للوضع الآخذ في التدهور في سورية.
· من جهة أُخرى، يمكننا في الفترة الأخيرة ملاحظة تغييرات معينة في السياسة الخارجية الأميركية فيما يتعلق بسورية. ونتج هذا الأمر من تراكم عدد من العوامل المؤثرة، والمتصل بعضه ببعضه الآخر، ومنها: إعادة النظر في توجهات السياسة الخارجية خلال الولاية الرئاسية الثانية للرئيس أوباما؛ خيبة الأمل من التطورات السلبية في سورية، سواء على الصعيد المباشر لانعكاسات الحرب التي استمرت أكثر ممّا هو متوقع، أو على صعيد التأثير المدمر للتدخل الروسي في الشأن السوري والشيعي؛ التغير في طبيعة المعارضة السورية التي بدأت تأخذ طابعاً إسلامياً.
· ومن المحتمل أن تكون هذه الاعتبارات وغيرها من الاعتبارات التي ما زالت غير واضحة حتى الآن هي وراء تجدّد الاتصالات بين الولايات المتحدة وروسيا. ويأتي ضمن هذا الإطار سلسلة اللقاءات الرفيعة المستوى التي ذكرناها سابقاً. وليس من المستبعد أن يكون ما يجري دليلاً على توجّه حقيقي من أجل التوصل إلى تفاهم بين الروس والأميركيين بشأن مستقبل النظام السوري. ولكن ليس هناك حتى الآن ما يدل على توصّل الأفرقاء إلى تفاهم نهائي، لكن اللهجة المستخدمة في تناول الموضوع، والتحركات التي تجري على الأرض (مثل القرارات الأميركية الأخيرة بشأن تقديم مساعدة معينة إلى المعارضة السورية، واحتمال أن يكون ذلك قد تم بالتنسيق مع الروس)، تعكس تغييرات في توجّه الطرفين.
· وفي جميع الأحوال، لا يستبعد الروس الآن إمكاناً سبق أن رفضوه بشدة حتى الفترة الأخيرة، وهو التوصل إلى صيغة تقضي برحيل الأسد وتأليف حكومة جديدة تضم أطرافاً من المعارضة، وأُخرى معتدلة من النظام الحالي.
· لكن من الواضح أن تنازلات روسيا في سورية للأميركيين ستكون مرتبطة بالحصول على مقابل لها منهم يتصل بمشكلات أُخرى مهمة بالنسبة إلى الروس. ويمكننا الإشارة إلى قائمة طويلة من الموضوعات، بينها الانتشار الأميركي الجديد في المنطقة الأورو – آسيوية، والذي له انعكاسات جيوسياسية على الروس، وموضوع نشر المنظومة الدفاعية المضادة للصواريخ في أوروبا الشرقية (BMD).
· وفي مقابل التحرك الروسي في الموضوع السوري، يحاول الروس تفعيل نشاطهم في قنوات أُخرى في الشرق الأوسط. ويمكن أن نذكر في هذا الإطار المشكلة النووية الإيرانية، واستمرار الخلاف الأميركي – الروسي في هذا الشأن وازدواجية الموقف الروسي من الموضوع، كما تبرز الاتصالات الروسية مع دول المنطقة مثل قطر والبحرين. وفي الفترة الأخيرة ظهر تجدّد الاهتمام الروسي بإحياء قناة التفاوض الإسرائيلية - الفلسطينية.
· ختامأ، على الرغم من عدم وجود ما يؤكد التوصل إلى اتفاق بشأن مستقبل سورية، فإنه يبدو أن هناك بداية يقظة ورغبة في بدء الحوار في هذا الشأن بين الدول الكبرى المعنية بالموضوع. وطبعاً، من المبكر التنبؤ بالتطورات التي قد تحدث في سورية. لكن ثمة انطباع أن الموضوع بات ناضجاً، وأن اللاعبين الخارجيين، وخصوصاً روسيا والولايات المتحدة، باتوا مستعدين للتعاون من أجل إيجاد حل للخروج من المأزق.
· لذا يمكن القول إنه في حال لم تخرج الأحداث في سورية عن السيطرة، فإن هذا سيكون إنجازاً مهماً لروسيا التي أحسنت استغلال الأزمة السورية من خلال إدارة لعبة معقدة يمكن أن يكون الفوز فيها حلاً يضمن بقاءها في المنطقة بعد تغيّر النظام السوري، بالإضافة إلى مقابل في الساحة الدولية.