من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
· أدت الاضطرابات التي يمر بها الشرق الأوسط في إثر "الربيع العربي" إلى إحداث تغييرات جيوسياسية عميقة في منطقتنا. فهي من جهة، تسببت بإلحاق ضرر معين في التوازن الاستراتيجي لإسرائيل، وزادت في هشاشة الاتفاقات الموقّعة مع مصر والفلسطينيين والأردن، لكنها من ناحية ثانية، فتحت أمام إسرائيل فرصاً جديدة جرّاء ضعف مفهوم الدولة القومية، والانهيار المحتمل للدول المصطنعة التي أُنشئت في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
· ويمثل العراق أبرز نموذج للدولة القومية التي تمر بمرحلة الانهيار، فهو لم ينجح، منذ نشوئه، في بلورة هوية وطنية عراقية جامعة يمكن أن تشكل جسراً يربط بين القومية العربية وبين القومية الكردية التي تتطلع إلى الهوية المستقلة. لقد بدأت هذه التطلعات الكردية تتحقق مع نشوء "إقليم كردستان" في أعقاب حرب الخليج في سنة 1991، وتسارعت وتيرة هذه العملية في إثر الغزو الأميركي للعراق في سنة 2003، والانسحاب الأميركي منه في سنة 2011. كما أدى ضعف الحكومة المركزية في بغداد، وتأثير "الربيع العربي"، إلى نشوء دولة أمر واقع كردية تعمل بصورة مستقلة، مع المحافظة الشفهية على وحدة الأراضي العراقية. فقد أدرك الأكراد أن إعلان الدولة المستقلة سيضعهم في مواجهة مع الدول المجاورة، وسيلحق الضرر بهم على المدى البعيد، ولذا، امتنعوا رسمياً من ذلك.
· وتشهد اليوم ثلاث دول يعيش فيها الأكراد، وحيث يفوق عددهم معاً 30 مليون نسمة، "ربيعاً كردياً" مشابهاً لـ "الربيع العربي". فقد استغل الأكراد الأحداث في سورية من أجل إقامة حكم ذاتي في منطقتهم الكردية، وهم يقيمون علاقات وطيدة مع أكراد إقليم كردستان في العراق حيث يوجد تواصل جغرافي فيما بينهم. وقد أدى ذلك إلى زيادة الضغوط التي يمارسها الأكراد الأتراك من أجل إقامة حكم ذاتي في تركيا، كما أن الأكراد في إيران لا يقفون هادئين. ويبدو أن الربيع الكردي يدفع عملية الدمقرطة قدماً [في المناطق الكردية]، وبوتيرة أسرع ممّا يجري داخل الأنظمة الجديدة في المنطقة التي تستند إلى الإسلام السياسي. إن هذه التطورات تغيّر الخريطة الجيوسياسية التي كانت قائمة حتى اليوم. والسؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو: كيف تستعد إسرائيل لمواجهة ذلك؟
· على إسرائيل دراسة النقاط التالية: هل في استطاعتها الخروج من "الصندوق" وإقامة علاقات مع القوى الصاعدة في المنطقة، أي الأكراد؟ وهل يرغب الأكراد أنفسهم بقيام مثل هذه العلاقات؟ وماذا سيكون تأثير هذه العلاقات مع الأكراد في العلاقات الإسرائيلية - التركية؟
· إن قيام كيان كردي مستقل مستقر وقوي في العراق من شأنه أن يشكل رصيداً استراتيجياً لإسرائيل، وخصوصاً في حال كان هذا الكيان على تواصل مع الأكراد في سورية وتركيا وإيران، وهو يمثل وجوداً إثنياً مهماً، ويتمتع بتواصل جغرافي. إن الأكراد ينظرون إلى إسرائيل بصفتها نموذجاً يُقتدى به، وهناك تعاطف شعبي مع اليهود ومع إسرائيل، بسبب ما يعتبره الأكراد وحدة مصير بين شعبين ترفض الدول المحيطة بهما الاعتراف بحقهما في دولتيهما. وسبق أن صرّح زعماء الأكراد في الإقليم الكردي في العراق أكثر من مرة أن لا مانع لديهم من إقامة علاقات مع إسرائيل عندما يجد الحكم المركزي ذلك أمراً صائباً. وهم يلمّحون، بعيداً عن الأضواء، عن استعدادهم لإقامة علاقات من نوع ما مع إسرائيل التي يعتبرونها حليفاً طبيعياً لهم وسط البيئة المعادية للأكراد. لكن على الرغم من ذلك، فإن ثمة مخاوف كبيرة في الإقليم الكردي من ردات فعل العالم العربي، ومن ردة فعل إيران، على إقامة علاقات مع إسرائيل.
· إن وجهة النظر السائدة اليوم في إسرائيل هي أن العلاقات مع الأكراد ستلحق ضرراً جسيماً بالعلاقات مع أنقرة. بيد أن وجهة النظر هذه تتجاهل التغييرات التي لحقت بعلاقة تركيا بالأكراد وبإسرائيل. فقد تحولت تركيا نفسها إلى شريان الحياة الأساسي بالنسبة إلى إقليم كردستان في العراق، وهي في الوقت عينه تسعى جاهدة لحلّ مشكلتها الكردية. وبناء على ذلك، يجب ألاّ نتخوف بعد الآن من العلاقات مع الأكراد.
· علاوة على ذلك، فإن العلاقات الإسرائيلية ـ التركية تشهد تراجعاً لم يسبق له مثيل، ولا يظهر في الأفق أي تغيير بعيد المدى. وفي الواقع، فإن الدعم الذي تقدمه أنقرة إلى حركة "حماس" الإرهابية، وتهجماتها التي لا تنتهي على إسرائيل، والإساءة إليها في المؤتمرات الدولية، بات يتطلب وضع قاعدة جديدة للعلاقات تقوم على التكافؤ والمعاملة بالمثل. وحتى في حال جرت تسوية العلاقات بيننا وبين تركيا، فإن على إسرائيل المحافظة على حقها في إقامة علاقات مع الأكراد، مثلما تقيم تركيا علاقات وطيدة مع الفلسطينيين وتظهر كحليف لحركة "حماس".
· من المرغوب فيه جداً تحسين العلاقات مع تركيا، لكن يجب أن ندرك أن التغيرات الكبيرة التي حدثت في تركيا ستجعل من الصعب القيام بذلك، وأن الأكراد ليسوا هم الذين سيشكلون العائق في وجه تحسين العلاقات، ولذا، ينبغي لإسرائيل التخلص من هذا القيد الذي فرضته على نفسها رغبة منها في علاقات جيدة مع الأتراك.
· ويتعين على إسرائيل انتهاج سياسة فاعلة تنظر إلى الكيان الكردي في شمال العراق، وكذلك في سورية، بصفتهما حليفين لها، ويقتضي ذلك تقديم المساعدة الإنسانية والاقتصادية والسياسية. أمّا فيما يتعلق بأكراد تركيا، فإن على إسرائيل أن تبحث عن موقف أخلاقي كي لا تبدو كأنها تتدخل في الشؤون التركية الداخلية، ولا شيء يمنع من أن تسعى لإقامة علاقات مع أكراد إيران، الذين هم في مواجهة مع النظام الإسلامي. إن تقديم المساعدة الإسرائيلية في هذه المرحلة المبكرة سيكون له أهمية على المدى البعيد، هذا طبعاً، في حال وجود رغبة كردية في هذه المساعدة.