· في مطلع القرن الماضي، وخلال زيارة أريئيل شارون إلى الولايات المتحدة الأميركية، نشب خلاف بينه وبين عدد من أعضاء الكونغرس بشأن ديون الولايات المتحدة لإسرائيل. فكان في اعتقاد البعض أن الولايات المتحدة مدينة لإسرائيل بنحو 50 مليار دولار، لكونها حليفة لها ورصيداً استراتيجياً ومزوداً بالمعلومات الاستخباراتية، وحقل تجارب قتالية، في حين اعتقد البعض الآخر أن المبلغ يصل إلى 80 مليار دولار.
· مرت الأعوام، ولم تعد إسرائيل رصيداً استراتيجياً نتيجة أفعالها وتباهيها منذ اتفاقات أوسلو. صحيح أن قوة إسرائيل الردعية تحسنت بصورة كبيرة، وأن عمليات وقائية وهجومية تجري من وقت إلى آخر وراء خطوط العدو- استناداً إلى تقارير أجنبية- لكن سلوك الجهات المؤثرة في إسرائيل يعطي صورة عنها بأنها دولة واقعة تحت الوصاية أكثر مما هي دولة حليفة.
· في الفترة الأخيرة، اتضح أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتصرف كمواطن أميركي حريص على مصالح بلده وبصورة خاصة على مصلحتها المالية. فصفقة السلاح الكبيرة الموقعة بين شركة رفائيل الإسرائيلية والهند [التي بمقتضاها ستبيع الشركة نحو 262 صاروخ أرض- جو من طراز سبايك الى وزارة الدفاع الهندية]، وتقدر بمليارات الشيكلات، قد تُلغى الآن جراء الضغط الكبير الذي يمارسه كيري ومؤيدوه.
· يقولون لنا ليل نهار إن الولايات المتحدة هي أكبر صديقة لإسرائيل. قد يكون هذا الوصف صحيحاً في الميزان التاريخي، ومن المحتمل في ميزان الربح والخسارة أن تخرج إسرائيل رابحة من علاقاتها الخاصة بالولايات المتحدة. لكن البحث العميق يظهر أن وزارة الخارجية الأميركية لها علاقة بكل عملية سياسية واقتصادية اتضح في نهاية الأمر أنها كانت خطأ خطيراً. فهل كيري يتصرف من تلقاء نفسه؟ وهل هناك خلاف في وجهات النظر بينه وبين أوباما؟ بالطبع الجواب: لا.
· إن تصرف كيري هو استمرار للضغوط التي تفرضها سياسة واضحة مفادها أنه لا وجود لما يسمى "الأخوة بين الشعوب" بل مصالح أنانية واضحة. إن سلوك الرئيس أوباما قاد الولايات المتحدة إلى دين خارجي كبير، وإلى تراجع عن المبادئ الأساسية لدور "شرطي العالم"، وأدى ذلك إلى تراجع كبير في تصنيع السلاح الأميركي، ومن هنا يأتي قلق كيري.
· من المعروف أن لا علاقة بين الضغط على الهند والمطالبة بثمن سياسي يتوجب على إسرائيل أن تدفعه في المفاوضات مع الفلسطينيين. لكن من ناحية أخرى هناك علاقة مباشرة بينهما.
يقول كيري بصورة واضحة إن مصلحة الولايات المتحدة الاقتصادية تأتي قبل التحالف الطبيعي مع أصدقائها. وبناء على ذلك، ثمة فرصة لأن نطرح على الطاولة ما ينبغي أن يكون واضحاً، أي أن المساعدة الأميركية لإسرائيل هي بند في ميزانية الحكومة في مجال العلاقات الخارجية وهي تأتي ثمناً لكون إسرائيل مصدراً للمعلومات الاستخباراتية الثمينة في الوقت الحقيقي، وحقل تجارب لمنظومات السلاح الأميركي، وبصورة خاصة من أجل تعزيز بيع الطائرات الحربية. إن الاعتماد على المساعدة العسكرية الأميركية يكبل يد إسرائيل في مجالات كثيرة وفي طليعتها السعي من أجل الوصول إلى الأسواق في شتى أنحاء العالم، حيث الولايات المتحدة تتدخل في كل صفقة وصفقة.