المصريون ما زالوا ينتظرون الثورة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·       قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر أن يكون يوم 25 كانون الثاني/ يناير يوماً للاحتفال بذكرى الثورة في مصر. بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: هل ثمة ما يدعو إلى الاحتفال في هذا اليوم؟ والجواب هو لا، لأن أغلبية أهداف الثورة لم تتحقق بعد. صحيح أن مبارك وكبار المسؤولين في نظامه باتوا وراء القضبان، لكن فضح فسادهم وإصدار الحكم بحقهم لن يتحققا في وقت قريب. وقد حلت محل هؤلاء نخبة عسكرية ترفض التخلي عن السلطة قبل أن تضمن لنفسها مكانة خاصة في الدستور الجديد، وقبل أن تؤمن مصالحها الاقتصادية. في هذه الأثناء يواصل المجلس العسكري قمع التظاهرات بالقوة وإحالة المدنيين على المحاكم العسكرية ومعاقبة الإعلاميين الذين يوجهون إليه الانتقادات. وهناك دلائل تشير إلى تورط عسكريين في عمليات فحص البكارة للنساء اللواتي شاركن في اعتصامات ميدان التحرير، وإلى مشاركتهم في التحريض ضد الأقباط في مصر وقتلهم.

·       شهد العام الفائت تشكيل أربع حكومات مصرية، بيد أنها فشلت جميعها في معالجة المشكلات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تفاقمت بعد الثورة. فالفوضى تعم الشارع، وإلى جانب التظاهرات والصدامات مع القوى الأمنية ارتفع معدل الجريمة بصورة كبيرة. وتتحدث وسائل الإعلام عن عمليات فرار للمساجين، وعن حدوث أعمال خطف ونزاعات مسلحة بين العائلات، وعن سيطرة أصحاب السوابق على عمليات توزيع الغاز والوقود، وعن بيع السلاح والمخدرات وتجارة بيع الأعضاء.

·       وقد ألحقت هذه الفوضى السائدة في الشوارع الضرر بالقدرة الانتاجية، وأدت إلى ارتفاع معدل البطالة وإلى تدهور كبير في قطاع السياحة وفي الاستثمارات الأجنبية، وساهمت في زيادة التضخم. ولم تحصل مصر بعد على المساعدات الخارجية التي وعدتها بها الدول العربية والغربية، ولا على القروض من صندوق النقد الدولي، وعلى الرغم من العجز في ميزانية الدولة، والذي يقدر بعشرة مليارات دولار، قدّم وزير المال زيادات معيشة إلى المواطنين رداً على الضغوط التي تعرض لها. كما أن من شأن الأزمة في العلاقات التي نشأت بين الولايات المتحدة ومصر نتيجة قيام السلطات المصرية بالتحقيق مع جمعيات حقوق الإنسان التي تحصل على تمويل خارجي، أن تلحق الضرر أيضاً بالمساعدة الأميركية.

·       على الصعيد السياسي، فقد أدت نتائج الانتخابات التي جرت في مصر إلى تحويل الإخوان المسلمين (والسلفيين) إلى أطراف أساسية على الساحة السياسية، بينما جرى تهميش دور العلمانيين والليبراليين واليسار والنساء والأقباط وممثلي الشباب الذين قادوا الثورة في ميدان التحرير. وحتى الآن لم يجر إقرار الدستور، بيد أن الجدل بشأنه أدى إلى نشوب العنف وإلى تعميق حدة الاستقطاب.

·       لم تستطع الثورة تحقيق أهدافها على صعيد العلاقات الخارجية، نظراً إلى انشغال مصر بمسائلها الداخلية. فوزير الخارجية المصرية نبيل العربي الذي عُيّن بعد الثورة انتهج دبلوماسية ثورية عندما قرر فتح معبر رفح والتقرب من حركة "حماس"، وعندما أعلن استعداده استئناف العلاقات مع إيران، لكن بعد مغاردته منصبه [في إثر تعيينه أميناً عاماً للجامعة العربية] عادت السياسة الخارجية المصرية إلى حالة الجمود التي تميزت بها في العهد السابق. وعلى الرغم من زيادة حدة العداء لإسرائيل، فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة صمد في وجه الضغط الشعبي، كما سارعت الأحزاب الإسلامية إلى تمرير رسائل طمأنت فيها بأنها ستحترم اتفاق السلام مع إسرائيل ولن تحاول إدخال تعديلات عليه، ولا سيما على البنود المتعلقة بعدد القوات في سيناء وبصفقة الغاز.

·       وإذا ما حاولنا أن نقيس الثورة بالنتائج التي أسفرت عنها لوجدنا أن مصر لم تعرف بعد ثورة حقيقية، وإنما ما تشهده هو تغييرات تتطلب وقتاً، وأي استنتاج بشأن حجم "ثورية" هذه التغيرات هو أمر سابق لأوانه.

وعلى ما يبدو، لا يمكننا تقدير حجم التغيير إلا بعد الانتهاء من صياغة الدستور، وفي جميع الأحوال، سوف يمر وقت طويل قبل أن يشعر المواطنون المصريون بثماره. فهل سيصبر هؤلاء إلى حين حدوث ذلك، أم سيخرجون في جولة جديدة إلى ميدان التحرير؟