مسار قرار إدراج حزب الله على لائحة التنظيمات الإرهابية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- إن قرار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إدراج الجناح العسكري لحزب الله على لائحة التنظيمات الإرهابية حصيلة حملة سياسية وقانونية واستخباراتية خاضتها إسرائيل مع بريطانيا والولايات المتحدة وهولندا وكندا خلال العام الأخير.
- وشكلت العبوات الناسفة التي عُثر عليها في الناصرة وربطت بهجوم بورغاس، والوثيقة المؤلفة من 150 صفحة، الأساس القانوني من أجل وضع حزب الله ضمن قائمة التنظيمات الارهابية بما يتلاءم مع القانون الأوروبي. يضاف إلى ذلك العشرات من اللقاءات السرية والأحاديث الهاتفية بين الزعماء، الأمر الذي أسهم في إنضاج قرار الأمس.
- وذكر مسؤولون كبار في وزارة الخارجية الإسرائيلية أنه في أعقاب الهجوم الذي وقع في بورغاس في تموز/يوليو 2012 وقُتل جراءه خمسة مواطنين إسرائيليين ومواطن بلغاري، وبعد توافر المعلومات الاستخباراتية التي ربطت حزب الله بالهجوم، بدأت وزارة الخارجية الإسرائيلية العمل بكل قوتها من أجل إدراج حزب الله على قائمة التنظيمات الإرهابية للاتحاد الأوروبي.
- ومن أجل هذه الغاية شُكل طاقم خاص برئاسة المدير العام للشعبة الاستراتيجية في الوزارة جيريمي يسخروف، ومدير دائرة محاربة الإرهاب شاي كاهن. وعمل هذا الطاقم بالتنسيق مع طاقمين آخرين للمهمات الخاصة أحدهما تابع لوزارة الخارجية البريطانية، والآخر لوزارة الخارجية الأميركية.
- وكانت إحدى المهمات الأساسية للطاقم الإسرائيلي نقل المعلومات الاستخباراتية الكثيرة التي في حوزة إسرائيل إلى دول الاتحاد. وهذه المعلومات لا تتعلق فقط بتورط حزب الله في هجوم بورغاس، بل تتناول أيضاً تورطه في الحرب الأهلية في سورية، وفي تبييض الأموال، وتهريب المخدرات وإقامة خلايا نائمة في بعض دول الاتحاد.
- وأشار موظف كبير في وزارة الخارجية إلى أنه في مطلع العام 2013 نقلت إسرائيل إلى فرنسا وألمانيا ودول أخرى جميع المعلومات التي لديها في ما يتعلق بقتال حزب الله إلى جانب جيش الأسد في سورية وتورطه بقتل مواطنين سوريين. كما نقلت إسرائيل إلى ألمانيا معلومات تتعلق بحسابات مصرفية لأكثر من 950 شخصية لبنانية شيعية مقيمة في ألمانيا تعتبر من "الناشطين النائمين" الذين يقومون بنقل الأموال والأعمال اللوجستية لحزب الله. وقد جرى نقل معلومات مشابهة إلى كل من إسبانيا وفرنسا وإيطاليا.
- في المقابل، شاركت إسرائيل في التحقيق في هجوم بورغاس إلى جانب محققين من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، حتى من كندا وأستراليا، البلدين اللذين كان اثنان من المجموعة التي نفذت الهجوم يحملان جوازات سفر صادرة عنهما. وتوصل التحقيق المشترك إلى نتائج مذهلة أثبتت أن ثلاثة من أعضاء المجموعة التي شاركت في الهجوم أُرسلوا وجرى تمويلهم من جانب مسؤولين كبار في الجناح العسكري لحزب الله.
- ومن بين الأدلة الأساسية التي كشفها التحقيق، العدد الكبير من المكالمات الهاتفية بين بورغاس وأهداف مختلفة في لبنان مرتبطة بحزب الله. كما وجد المحققون في موقع الهجوم رخصاً أميركية مزورة لقيادة السيارات من صنع مطبعة في بيروت يملكها عضو من الحزب.
- لكن الدليل القاطع كان المواد الناسفة التي استخدمت في تركيب العبوة في هجوم بورغاس، فقد كشف جهاز الشَباك بعد شهر على هجوم بورغاس، عن شبكة تجار مخدرات في الناصرة تعمل لحساب حزب الله قامت بتهريب 24 عبوة ناسفة إلى داخل إسرائيل لتنفيذ هجمات. واكتشف خبراء المتفجرات أن طريقة تركيب هذه العبوات والمواد الناسفة المستخدمة تتطابق تماماً مع العبوة المستخدمة في هجوم بورغاس. كذلك أظهر التحقيق أن المواد المتفجرة التي عثر عليها في الناصرة تتطابق مع تلك التي عثرت عليها قوات الأمن في تايلند في مخزن يملكه أحد أنصار حزب الله ألقي القبض عليه في بانكوك في كانون الثاني/يناير 2012.
- وقد عثر خلال التحقيق على بطاقتي هوية حقيقيتين لعضوين شاركا في الهجوم ونجحا في الفرار، بالاضافة إلى هوية عضو آخر قتل جراء الانفجار. لكن بلغاريا وسائر الدول المشاركة في التحقيق قررت عدم نشر أسمائهم لأسباب عملياتية. وأشار الموظف الكبير في وزارة الخارجية إلى أن الشخصين اللذين فرا يختبئان اليوم في جنوب لبنان، ويعرفان أنهما ملاحقان.
- وبعد أن جرى جمع المواد القانونية التي تدين حزب الله، بدأ الضغط السياسي على 28 دولة عضو في الاتحاد. وقبل نحو شهر ونصف الشهر، استدعت الخارجية الإسرائيلية سفراء هذه الدول وأطلعتهم على تفاصيل الموضوع. كما طُلب من سفراء إسرائيل في هذه الدول نقل رسائل إلى المراجع العليا تتعلق بذلك.
- وفي الأسابيع الأخيرة، كثفت الإدارة الأميركية ضغوطها على دول الاتحاد الأوروبي كلها، وأجرى وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونائبته ويندي شيرمان محادثات هاتفية مع عشرات الوزراء والمسؤولين في أوروبا. في المقابل أجرى رئيس الدولة شمعون بيرس ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عشرات الاتصالات مع دول الاتحاد التي كانت لا تزال مترددة، ولا سيما النمسا التي عارضت الخطوة خوفاً من أن يزيد ذلك في عدم الاستقرار في لبنان ويؤدي إلى زيادة تطرف حزب الله. وذكر الموظف الكبير في وزارة الخارجية الإسرائيلية أن إسرائيل ردت على هذه المخاوف بالقول إن حزب الله هو الذي يهدد الاستقرار في لبنان من خلال تورطه في القتال في سورية، ومن خلال علاقاته بإيران وتسلحه بعشرات آلاف الصواريخ، وأن إدراج الحزب على قائمة التنظيمات الإرهابية سيساهم في التضييق عليه وإضعاف قوته داخل لبنان. وأعلنت النمسا بعد ذلك أنها لن تقف في وجه اتخاذ القرار، الذي يجب أن يحظى بإجماع وزراء خارجية دول الاتحاد الـ28.
- من المنتظر أن يكون لقرار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي انعكاسات كبيرة على الجناح العسكري لحزب الله، إذ سيصبح في الامكان تجميد كل الأموال العائدة له في الاتحاد وفرض حظر على أي علاقة اقتصادية أو تجارية معه. كما سيؤدي القرار إلى منع اعطاء تأشيرات سفر ومنع دخول عناصر الحزب إلى دول الاتحاد. لكن الصعوبة التي سيلاقيها الاتحاد لدى تنفيذ القرار هي في التمييز بين الجناح العسكري والجناح السياسي للحزب، والتمييز بين أموالهما وممتلكاتهما.
- فعلى عكس إسرائيل والولايات المتحدة، تميز دول الاتحاد بين الأجهزة المختلفة للحزب وتدعي ان الحزب ليس تنظيماً إرهابياً بل هو حزب سياسي لبناني ولديه أعضاء في البرلمان ووزراء في الحكومة. ولا تقاطع الدول الأوروبية ممثلي الحزب في الحكومة وهي تقيم حواراً معهم. وفي رأي هذه الدول أن التعامل مع الحزب بوصفه تنظيماً واحداً سيوقف الحوار معه، وسيصبح من الصعب نقل رسائل إليه تتعلق بالتوترات الداخلية في لبنان أو بشأن التوتر في مواجهة إسرائيل.
- طوال سنوات، عارضت دول عدة في الاتحاد الأوروبي إدارج الحزب على لائحة الإرهاب بحجة أن ذلك سيؤدي إلى تطرفه وزعزعة استقرار لبنان وزيادة خطر الهجمات ضد أهداف أوروبية أو إلى هجمات في أوروبا نفسها. لكن تورط الحزب في الحرب الأهلية في سورية، والهجوم في بلغاريا ومحاولة الهجوم في قبرص أقنعت هذه الدول بخطورة عملياته.