معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· شهد الأسبوع الأخير تصعيداً في إطلاق الصواريخ من قطاع غزة وفي الردود الإسرائيلية على ذلك، وثمة تخوف من أن تؤدي هذه الدينامية التصعيدية إلى قرار إسرائيلي بالمبادرة إلى شن عملية عسكرية واسعة ضد القطاع بحجم عمليتي "الرصاص المسبوك" و"عمود سحاب".
· إن هدف هذا المقال هو تحليل أسباب التصعيد والمخاطر الناتجة عنه، والسياسة التي يتعين على إسرائيل أن تنتهجها حيال ذلك.
· والسؤال الأساسي المطروح هو التصعيد مقصود ومخطط له، أم أن مصلحة الطرفين لا تزال تقتضي المحافظة على الهدوء، على الرغم من أنهما قد يفقدان السيطرة على دينامية التصعيد؟
· في الجانب الإسرائيلي تبدو الصورة واضحة: ليس من مصلحة إسرائيل خرق الهدوء، فمن وجهة نظر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إن الانخفاض الكبير في عمليات إطلاق الصواريخ من غزة منذ عملية "عمود سحاب" إلى ما يقارب الصفر إنجاز كبير، وليس هناك سبب يدفعه لخسارته.
· يسود العالم العربي حديث عن مؤامرات بأن إسرائيل تريد تفجير المفاوضات مع الفلسطينيين من خلال التصعيد في غزة، لكن لا صحة لهذا الادعاء لأن من مصلحة إسرائيل مواصلة المفاوضات الى ما بعد نيسان/أبريل 2014.
· في الجانب الفلسطيني في غزة، تبدو الصورة أقل وضوحاً. لا شك في أن هناك أطرافاً في غزة تريد تفجير المفاوضات مع إسرائيل وتصعيد المواجهة العنفية معها، ومن بينها التنظيمات المسلحة في القطاع مثل الجهاد الإسلامي أو المجموعات السلفية- الجهادية التي هي على ما يبدو وراء إطلاق الصواريخ من غزة من دون موافقة "حماس" التي تسيطر على القطاع، وكما يبدو، من دون موافقة قادة الجهاد الإسلامي، التنظيم الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد "حماس" من حيث الحجم.
· حتى الفترة الأخيرة كانت "حماس" تعرف كيف تتصرف بحزم ضد هذه التنظيمات وتعرف كيف تردعها. ومن هنا يطرح السؤال: هل غيرّت "حماس" سياستها؟ أم أنها فشلت في كبح هذه المجموعات، مما يدل على تراجع سيطرتها على قطاع غزة؟
· تمر حركة "حماس" بمرحلة صعبة جداً وتعاني من ضعف سياسي وعسكري، فقد أجبرتها الحرب الأهلية في سورية على قطع علاقاتها مع حليفين مهمين: سورية وحزب الله، كما تسببت هذه الحرب بانقطاع علاقاتها بصورة كاملة مع أهم دولة داعمة لها، إيران، التي شكلت مصدراً أساسياً لدعم الحركة بالمال والسلاح. واعتمدت "حماس" على العلاقات الوثيقة التي بنتها مع اللاعبين الجدد الذين برزوا في أعقاب الثورات في العالم العربي: الحركات الإسلامية. وقد خُيل للحركة أن بناء العلاقات الوثيقة مع مصر تحت حكم الإخوان المسلمين، ومع قطر الغنية التي تملك نفوذاً، ومع تركيا في ظل حكم أردوغان، سيعوّضها عن خسارتها حلفاءها التقليديين. لكن الأمور ما لبثت أن انقلبت رأساً على عقب.
· ففي مصر عُزل الرئيس محمد مرسي [مرشح الإخوان] وحلّ مكانه حكم عسكري يكنّ العداء الشديد "لحماس" ويعتبرها تهديداً نظراً إلى كونها تملك قدرة عسكرية لا بأس بها وكونها فرعاً من الحركة الأم للإخوان المسلمين في مصر. وقد قامت مصر بإغلاق أنفاق التهريب على الحدود بين غزة وسيناء التي تعتبر شريان الحياة بالنسبة إلى غزة. وتعزو مصر الهجمات التي تقوم بها المجموعات البدوية- الجهادية في سيناء ضد الشرطة المصرية وقواتها الأمنية إلى توجيهات "حماس" ومساعدتها. أما قطر، فقد تنازل الأمير القطري [حمد بن خليفة آل ثاني] عن منصبه لابنه الشاب [تميم] الذي يبدو أقل حماسة لسياسة خارجية نشطة للإمارة الصغيرة ولعلاقة مع حماس. أما أردوغان فيواجه أزمات تشغله. وكانت النتيجة تغيّر وضع "حماس".
· وعلى عكس الوضع الذي نشأ بعد عملية "الرصاص المسبوك" حين نجحت الحركة بسرعة في ملء مخازن سلاحها والحصول على صواريخ أكثر تطوراً، فإنها اليوم تواجه صعوبات في تهريب منتظم للسلاح منذ عملية "عمود سحاب". وهي تحاول التعويض عن ذلك من خلال عمليات تطوير وتصنيع ذاتية للصواريخ البعيدة المدى. لكن ثمة فارق كبير بين دقة وقوة التدمير لهذه الصواريخ المحلية الصنع وتلك التي كانت تصل من إيران. من هنا يمكن القول إن "حماس" ليست مستعدة اليوم لجولة جديدة من القتال الواسع النطاق في ظل وضعها السياسي الصعب.
· تحاول "حماس" انقاذ وضعها الصعب على مسارين، فهي من جهة تحاول استرجاع علاقاتها مع إيران، ولكن نجاحها هنا جزئي فقط، فالرئيس الإيراني الجديد روحاني يحاول التصالح مع الغرب، وليس من مصلحته اظهار علاقته مع "حماس"، لذا رفضت إيران طلب خالد مشعل زيارتها. ومن المحتمل أيضاً أن سلوك "حماس" [حيال سوريا] جعل إيران تنظر إليها كطرف خائن لا يمكن الاعتماد عليه، وأصبحت تحذر من معاودة العلاقات معها.
· من جهة أخرى، تنتهج "حماس" سياسة تصالحية حيال مصر وقيادة السلطة الفلسطينية في رام الله، كما تحاول عدم استفزاز مصر إدراكاً منها لاعتمادها عليها، واعتقاداً منها بأن تحريك عملية المصالحة مع حركة "فتح" سيخرجها من العزلة السياسية. ولهذا السبب لا تبذل الحركة جهداً خاصاً لمهاجمة المفاوضات السياسية التي تجريها إسرائيل مع السلطة.
· من الممكن الإدعاء أن استمرار تدهور وضع "حماس" قد يحشرها في الزاوية، ويدفعها إلى التفكير بأن ليس لديها ما تخسره وأن السبيل الوحيد للخروج من أزمتها هو من خلال تفجير الوضع. فد تصل "حماس" إلى هذا الاستنتاج. لكنها لم تصل إلى ذلك في هذه المرحلة، هي تحاول التخفيف من الضغط عليها من خلال خطوات سياسية. استناداً إلى ذلك، يمكن القول إن التصعيد الأخير لا ينبع من سياسة مقصودة من جانب "حماس"، بل هو نتيجة فقدان السيطرة على الوضع.
· إذا كان هذا التحليل صحيحاً، فيجب أن يكون هدف إسرائيل الأساسي منع تدهور الوضع نحو مواجهة واسعة لا يرغب بها الطرفان، من دون أن يلحق ذلك الضرر بقدرة إسرائيل على ردع "حماس" واللاعبين الآخرين في قطاع غزة. ليس في إمكان إسرائيل تغيير السياسة التي انتهجتها بعد عملية "عمود سحاب" وتقوم على ضرورة الرد على إطلاق الصواريخ من غزة بهجمات مؤلمة على أهداف تابعة "لحماس" والتنظيمات الأخرى هناك، خوفاً من تأكل القدرة على الردع التي استردتها بعد العمليتين الكبيرتين السابقتين. بيد أن هذه الهجمات يجب أن تكون محسوبة، وأن تجري متابعة حثيثة لسلوك "حماس" التي لا تزال تسيطر على غزة، والتي هي في نظر إسرائيل المسؤولة عما يجري هناك، حتى لو كان إطلاق الصواريخ مصدره مجموعات أخرى.
وإذا وصلت إسرائيل إلى استنتاج أن "حماس" تبذل جهداً حقيقياً لمنع هذه المجموعات من مهاجمة إسرائيل، فإنه يتعين عليها كسر حلقة الردود والردود على الردود من خلال التأجيل التكتيكي لها. وسيكون في استطاعتها دائماً معاودة هجماتها إذا اتضح أن هذا لم ينفع.