· أدت جولات وزير الخارجية الأميركي جون كيري في منطقة الشرق الأوسط إلى مناقشة متجددة حول "المسألة اليهودية" في الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، كتب الأكاديمي اليهودي الليبرالي بيتر بينارت، الممثل الجديد لليسار الصهيوني في الولايات المتحدة، مقالة ادعى فيها أن كيري يوشك على أن يُمنى بالفشل. وبالنسبة إليه، فإن هذا الفشل هو تحصيل حاصل نزعة الرفض لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي اللذين يستندان إلى مظلة حماية المؤسسة اليهودية في الولايات المتحدة التي منعت الرئيس الأميركي باراك أوباما من ممارسة الضغط على إسرائيل بصورة فاعلة.
· بناء على ذلك، توقع بينارت أن يضطر كيري عاجلاً أو آجلاً إلى العودة إلى الولايات المتحدة من دون التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي- فلسطيني، وأن تقلص الإدارة الأميركية دورها في كل ما يتعلق بتسوية النزاع، كما توقع أن يجعل فشل كيري الولايات المتحدة ذات صلة أقل بمنطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي ستترتب عليه برأيه نتائج قاسية بالنسبة إلى اليهود عامة وإسرائيل خاصة.
· ومن هذه النتائج القاسية أشار الكاتب إلى أن المؤسسة اليهودية التقليدية الأميركية التي حظيت لأعوام طويلة بقدر كبير من التأثير في سياسة الولايات المتحدة الداخلية وفي علاقاتها الخارجية، ستضعف من حيث قدرتها على التأثير في الأحداث في واشنطن وفي الشرق الأوسط. فضلاً عن ذلك، ستكون الولايات المتحدة ضعيفة ومنهكة في الشرق الأوسط بسبب هذه المؤسسة اليهودية التي أفشلت تحقيق إنجاز في العملية السياسية، وبذا فإنها مست بصورة غير مباشرة بسلامة إسرائيل وأمنها.
· ووفقاً لبينارت، فإن وجود إدارة أميركية منهكة ومنقطعة عن المنطقة ومؤسسة يهودية ضعيفة من شأنه أن يسرّع موجة عداء أقوى لإسرائيل في الجامعات والكنائس ونقابات العمال وفي المؤسسات الدولية.
· إن نظرية بينارت هذه تبسيطية وخطرة، وهي تعيد إلى الأذهان مفاهيم تآمرية قديمة عن قوة اليهود الهدامة في العالم، وعن ميول اليهود الداخلية في المنفى للجلد الذاتي. وإذا كان مسموحاً لبينارت أن يتوقع ويتنبأ فمسموح لي أنا أيضاً أن أفعل ذلك.
· برأيي ثمة الآن عدة سيناريوات محتملة: أولاً، أن ينجح كيري في التوصل إلى اتفاق ولو كان جزئياً. ثانياً، أن تكون 2014 سنة انعطاف في السياسة الإسرائيلية والفلسطينية بسبب المساعي التي يبذلها كيري. ثالثاً، أن تؤدي انتخابات الكونغرس في نهاية سنة 2014 إلى تغيير اتجاهات التفكير في السياسة الأميركية وأوساط الرأي العام الأميركي إزاء النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني في ضوء إخفاقات أوباما في الداخل وفي الشرق الأوسط وأن تعزّز بالذات قوة المؤسسة اليهودية. رابعاً، ربما لن يسارع أوباما إلى الانسحاب من المنطقة حتى لو استمر النزاع مراوحاً مكانه.
· واضح أن اليهود الليبراليين في الولايات المتحدة شأنهم شأن كثيرين في إسرائيل، يشعرون بالإحباط من جراء انعدام حل النزاع وهم يتطلعون إلى السلام. لكن في الوقت عينه، يتعيّن عليهم أن يتحرروا من الميل إلى نشر فرية وجود مؤامرات يهودية، وعليهم ألا ينسوا أنه حتى حكومات اليسار في إسرائيل لم تتوصل إلى اتفاق برغم مساعيها الكبيرة. فهل نسوا فشل أوسلو، ووقائع الانتفاضة الثانية؟ وهل يوافقون عموماً على أن ثمة طرفاً آخر للنزاع يمكنه أيضاً أن يُفشل الحل؟.
· صحيح أن إسرائيل ساهمت في استمرار النزاع من خلال المشروع الاستيطاني في المناطق [المحتلة]، لكن علينا أن نتذكر دوماً أن جذور النزاع بيننا وبين الفلسطينيين عميقة ولا تبشر بالضرورة بإمكان إيجاد حل للنزاع. لذا، يجب أن تُوجّه الجهود في الوقت الحالي إلى مسار تخفيض حدّة التوتر بين الجانبين، وتحقيق مزيد من الانفصال، والتقدّم بالتدريج نحو حل الدولتين للشعبين من دون الوقوع في فخ النبوءات اليمينية المهووسة والنبوءات اليسارية السوداء التي تحمل اليهود وحدهم مسؤولية عدم حل النزاع.