هل يشكل تبني مشعل استراتيجيا النضال الشعبي انقلاباً على مواقف "حماس"؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

·       في ختام اجتماع "منتدى القيادة الفلسطينية الموقتة" في القاهرة الذي شارك فيه محمود عباس، ورمضان شلح زعيم حركة الجهاد الإسلامي، وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، قال هذا الأخير إن على حركتي "حماس" و"فتح" بدء صفحة جديدة والاعتراف بأخطاء الماضي، وأضاف أن "حماس" تنوي تبني استراتيجيا المقاومة الشعبية كما ظهرت في عدد من الدول العربية خلال العام المنصرم.·       أثار هذا الكلام الآمال بأن التغيير المنتظر قد حدث، وأن "حماس" بصدد تغيير نهجها التاريخي، والتخلي عن استخدام الإرهاب واستراتيجيا الكفاح المسلح. وأتت تصريحات مشعل هذه إلى جانب تصريحات سابقة له أعلن فيها تأييد الحركة قيام دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية. ومع ذلك، فقد أدلى مشعل في عدة مقابلات بمواقف متناقضة شبيهة بتلك الصادرة عن إسماعيل هنية، رئيس حكومة "حماس"، يشدد فيها على حق الشعب الفلسطيني في مواصلة كفاحه المسلح ضد الاحتلال.·       ونظراً إلى الأهمية الكبيرة التي أعطيت للتغيير الجذري الذي طرأ على النظرة السياسية لـ "حماس" ولاستراتيجيتها النضالية، علينا أن ندرس بإمعان كلام خالد مشعل لأن ذلك من شأنه أن يساعدنا في فهم السياق الذي قيل فيه، وفي فهم الآراء المختلفة للحركة من موضوع الكفاح المسلح، وكي نستطيع في النهاية تقدير قدرة مختلف اللاعبين على التأثير في مواقف الحركة مستقبلاً.·       جاء كلام مشعل في القاهرة في ختام المرحلة المتقدمة من محادثات المصالحة بين زعيمي الحركتين الفلسطينيتين الأساسيتين، والتي جرت بوساطة مصر. وفي الواقع، أعاد مشعل التأكيد على الاتفاقات التي تم التوصل إليها مع عباس في الجولة السابقة للمصالحة التي جرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، إذ قدّم يومها التنازل الأساسي الذي سمح بمواصلة مسار المصالحة، أي الموافقة على البرنامج السياسي لحركة "فتح"، والذي ضمن بنوده الأساسية: وقف شامل لإطلاق النار مع إسرائيل، وتبني وسائل الكفاح الشعبي كوسيلة أساسية لمقاومة الاحتلال والمستوطنات، والتفاوض على قيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967 عاصمتها القدس، إلى جانب الشرط الذي وضعه عباس وهو اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية وتجميد الاستيطان.·       وكان الهدف من هذا الاتفاق مساعدة محمود عباس في الحصول على اعتراف دولي واسع بشرعية حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية العتيدة، وإضعاف محاولات إسرائيل الطعن بشرعيتها في حال ضمت أطرافاً ترفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. إن الجديد في كلام مشعل ليس في مضمونه، وإنما في استعداد مشعل على قول هذا الكلام علناً. والجديد أيضاً هو استعداده دعم الاتفاق مع عباس على الرغم من معرفته بمعارضة بعض أفراد من حركته لهذا الاتفاق. ولقد فسر مشعل سبب تبنيه لاستراتيجيا الكفاح الشعبي بالقول إن هذا الأسلوب أثبت نجاعته في أحداث "الربيع العربي"، إذ استطاعت حركات الاحتجاج الشعبي الواسعة أن تمهد الطريق أمام تحقيق الأهداف السياسية.·       كذلك جاء كلام مشعل في ظل حماية النظام المصري الحالي في القاهرة، وفي إثر الانتخابات البرلمانية هناك التي أظهرت تصاعداً في قوة حركة الإخوان المسلمين، الأمر الذي منح "حماس" شعوراً بالثقة، وبأن مصر ستدعم خطواتها مستقبلاً...·       ويمكن أن نضيف إلى ذلك كله أن تمسك مشعل بالحق الشرعي للشعب الفلسطيني في مواصلة كفاحه المسلح ضد الاحتلال أبقى الباب مفتوحاً أمام تجدد العمليات الإرهابية في المستقبل، وطمأن أخصامه في الداخل والخارج...·       على الرغم من هذا كله، يجب الانتظار لمعرفة كيف سينعكس كلام مشعل على سلوك القيادة العسكرية لـ "حماس" في غزة برئاسة أحمد الجعبري الذي ينتهج إلى حد ما سياسة مستقلة. صحيح أن الذراع العسكرية لـ "حماس" تحترم وقف إطلاق النار ولا تبادر إلى إطلاق الصواريخ على إسرائيل بل ترد فقط على الهجمات التي تتعرض لها، إلاّ إنها لا تزال تخطط لخطف إسرائيليين، ولا سيما بعد صفقة شاليط، وتحاول استغلال الفوضى في سيناء، ولا تبذل جهداً كافياً لمنع التنظيمات الأخرى من القيام بعمليات ضد إسرائيل.·       يدل هذا التناقض في مواقف زعماء الحركة البارزين على حال التخبط الذي تشهده حركة "حماس" التي انتقلت، قبل خمسة أعوام، من حركة مقاومة من خارج السلطة إلى عنصر قوي ومهم وأساسي في المؤسسة السياسية الفلسطينية، وإلى قوة تسيطر على جزء من الشعب الفلسطيني. ويبدو أن تطلع "حماس" إلى قيادة الشعب الفلسطيني، والحصول على الشرعية الدولية من خلال فوزها في الانتخابات الديمقراطية المقبلة، هما السببان الأساسيان لتصريحات مشعل الأخيرة. ويمكن أيضاً أن تكون هذه التصريحات انعكاساً للرأي السائد بين الفلسطينيين أن في استطاعة المقاومة الشعبية أن تحرج إسرائيل وتنزع عنها الشرعية وسط عدد من الدول الأساسية في العالم، وأن تحثها على الإسراع في الدخول في العملية السياسية التي ستؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967.·       يثير هذا كله جدلاً في إسرائيل بين الذين يرون في كلام مشعل بداية تغيير جذري في مواقف "حماس" يؤشر إلى توجهها نحو الانضمام إلى العملية السياسية مع إسرائيل، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى اعترافها بها، وبين من يرى في هذه التصريحات خطوات تكتيكية تهدف فقط إلى خدمة وضع سياسي موقت ولا تحمل أي تغيير جذري.·       يبدو ألاّ مجال لحسم هذا الجدل الآن، لأن مثل هذا التغيير العميق لا يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها، وإنما هو ثمرة مسار يتضمن خطوات تكتيكية كثيرة. ومن المرجح أن زعماء "حماس" أنفسهم لا يعلمون إلى أين سيؤدي بهم هذا المسار. كذلك فإن تطور الأحداث هو رهن لاعبين آخرين وعلى رأسهم إسرائيل التي تستطيع أن تؤدي دوراً أساسياً.إن في مصلحة إسرائيل التأثير في هذا المسار الذي تمر به "حماس". وفي حال تبنت إسرائيل هذه المقاربة، فإن كلام مشعل قد يتحول إلى محرك للحوار بينها وبين "حماس"، وليس ضرورياً أن يكون هذا الحوار مباشراً، إذ يمكنه أن يتم بواسطة الأفعال (مثل الاستجابة إلى حاجات السكان في غزة) أو من خلال تصريحات الزعماء الإسرائيليين عندنا.