يجب إعادة البحث في نظرية دفاع إسرائيل عن نفسها من داخل حدودها
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·       زار رئيس الحكومة في الأسبوع الماضي، الموقع الذي يجري فيه تشييد الجدار على طول الحدود الإسرائيلية ـ المصرية في سيناء وذلك قبل انتهاء الأعمال فيه، وأشاد بأهمية هذا الجدار وبفائدته في الدفاع عن الدولة. وفي الواقع فإن الفضل في بناء الجدار يعود إلى إصرار رئيس الحكومة على المضي قدماً في تنفيذ هذا المشروع الحيوي.·       ويشكل هذا الأمر مناسبة جيدة لإعادة درس النظرية القائلة إن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها من داخل حدودها سواء ضد الدول الأُخرى، أو ضد التنظيمات الإرهابية التي تسيطر على المناطق، وذلك من خلال الجمع بين القدرة على الردع ومنظومة دفاعية ناجعة.·       اليمين يرفض هذه النظرية رفضاً مطلقاً، ويدّعي أن الانسحاب الأحادي الجانب من لبنان في سنة 2000 كان فاشلاً، وكذلك الانفصال عن غزة في سنة 2005. فالانسحاب من لبنان جرّ علينا صواريخ الكاتيوشا وخطف الجنود، والانسحاب من غزة أدى إلى سقوط صواريخ القسّام والغراد. وعلى الرغم من إعلان إسرائيل أنها سترد بعنف على كل صاروخ يسقط عليها بعد الانسحاب، فإنه عملياً لم يحدث شيء. وتبدو هذه الحجج مقنعة جداً، والدليل هو أن جزءاً كبيراً من الجمهور الإسرائيلي يصدقها. لكن إذا وضعنا جانباً الديماغوجية والدعاية والأفكار المسبقة، فإن نظرة ثانية إلى الأمور أكثر عمقاً، وبصورة خاصة في ضوء نتائج عملية "عمود سحاب"، تُظهر أن النظرية القائلة إن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها من داخل حدودها بالقوة المطلوبة، قد أثبتت نفسها.·       وبالنسبة إلى تحقيق الهدوء والمحافظة عليه، فبين جميع الحروب التي خاضتها إسرائيل، باستثناء عملية سيناء في سنة 1956، فإن حرب لبنان الثانية [حرب تموز / يوليو 2006] تبدو هي التي حققت أهم النتائج في مقابل ثمن منخفض نسبياً: فقد مرت ستة أعوام ونصف عام من دون أن يطلق حزب الله صاروخاً واحداً أو طلقة واحدة، كما أن منطقة الجليل تبدو مزدهرة ومن أكثر المناطق هدوءاً في الشرق الأوسط. وقد اضطر حزب الله، بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية، إلى الموافقة على انتشار الجيش اللبناني في الجنوب ونشر قوات دولية، وهو لم يعد موجوداً على الحدود، على الأقل ليس بصورة علنية واستفزازية كما كان في الماضي. وهكذا يبدو أن الردع يؤثر أيضاً في مواجهة تنظيم إرهابي.·       لقد مر شهران على عملية "عمود سحاب"، وقد يكون من المبكر استخلاص النتائج، لكن على الرغم من ذلك، لا يمكن تجاهل حقيقة قيام واقع جديد على الحدود مع غزة لم نعرفه من قبل: فالهدوء الكامل يسود في جنوب إسرائيل، كما أن إطلاق الصواريخ والقذائف على إسرائيل توقف، وكذلك توقفت بالكامل محاولات الهجوم على قوات الجيش الإسرائيلي التي تقوم بالدوريات بالقرب من السياج الحدودي، ولم يعد هناك عبوات ناسفة مزروعة على الطريق ولا إطلاق للنار، فضلاً عن أن الهدوء يسود حالياً الحدود الطويلة والإشكالية في سيناء. وفي الواقع فإن "حماس" لم تتوقف عن إطلاق النار فحسب، بل إنها تقوم في الوقت الحالي، وبمساعدة مصر، بفرض ذلك أيضاً على التنظيمات الأُخرى. ويبدو هنا أن الردع قد نجح، وخصوصاً بعدما تصرفت الحكومة الإسرائيلية بحكمة وقدمت إلى "حماس" حوافز إيجابية متمثلة في تخفيف حدة الحصار المفروض على القطاع، من دون رفعه، وذلك من أجل المحافظة على الهدوء. ·       إن إسرائيل تعرف كيف تقيم جدراناً وعوائق من الصعب جداً تخطيها، وقد وجدنا حلاً لمحاولات تخطي هذه الجدران والعوائق من الجو (عبر إطلاق الصواريخ) ومحاولات تخطّيها من تحت الأرض [والمقصود الأنفاق]. وإذا أضفنا إلى ذلك القدرة على ردع قوي وعنيف، فإن نظرية الدفاع عن الدولة من داخل حدودها هي حتماً نظرية قابلة للتنفيذ، وهي لا تقل جودة، وإنما قد تكون أفضل بكثير من السيطرة على المناطق.