عن الاتفاق بين وزارتيْ الدفاع والمال، الإمكانات والمخاطر
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • عشية المصادقة على ميزانية الدولة، تم التوصل إلى اتفاق ما بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير المال بتسلئيل سموتريتش، ووزير الدفاع يوآف غالانت، بشأن قضيتين يبدو للوهلة الأولى أنهما غير مرتبطتين: إطار متعدد السنوات لميزانية الأمن، وتطبيق بنود الاتفاقيات الائتلافية التي بحسبها، يتم تعيين وزير المال سموتريتش في منصب وزير إضافي في وزارة الدفاع، ويحصل على صلاحيات لها علاقة بـ"الإدارة المدنية" في الضفة الغربية.
  • إن الاطلاع على الاتفاق بشأن الصلاحيات في الضفة الغربية ("ورقة التفاهمات وتوزيع الصلاحيات والمسؤولية بين وزير الدفاع والوزير الإضافي في وزارة الدفاع" 23.2.2023، وجميع الاقتباسات في هذه الورقة تستند إليها)، يطرح أسئلة كثيرة عن الإسقاطات العملية لهذا الاتفاق. للوهلة الأولى، يبدو أنه يعيد التشديد على مسؤولية القائد العسكري ووزير الدفاع المسؤول عنه عن الضفة الغربية، وذلك استناداً إلى قانون أساس: الجيش. إلا أنه ستكون لسموتريتش، الوزير الإضافي، صلاحيات واسعة إزاء ما يحدث يومياً هناك، حتى لو كان لدى وزير الدفاع "صلاحية شاملة"، من غير الواضح كيف سيفعّلها.
  • يعيّن سموتريتش "مدنياً" (تعيين سياسي) لمنصب نائب رئيس "الإدارة المدنية". هذا النائب سيكون مسؤولاً عن المجالات "المدنية" المتعلقة بالمستوطنات، ومن ضمنها تنظيم الاستيطان الشاب، أو توسيع المستوطنات القائمة. الحديث يدور حول تطبيق ما يسمى "إصلاحات مدنية متساوية"، وتحديث الوضع الأمني. هذا بالإضافة إلى أنه سيكون مسؤولاً عن "وحدة الضبط والمراقبة"، بشكل يسمح بتطبيق سياسة الوزير في وزارة الدفاع في هذا المجال. وفي المجالات المسؤول عنها سموتريتش، سيكون هناك مستشار قانوني في وزارة الدفاع، يعمل تحت سلطته فقط، وسيكون المسؤول عن تحضير موقف النيابة العامة للدولة من هذه القضايا. وهذا كله سيتم ضمانه عبر مسار تشريعي خاص، وبقرار حكومي.
  • بكلمات أبسط، في الوقت الذي سيكون وزير الدفاع هو المسؤول عن الجيش في الضفة، سيكون أيضاً هناك وزير لديه صلاحيات كاملة بشأن أغلبية القضايا المدنية. هذا تغيير في الإطار العام؛ وذلك لأن التعامل كان على أساس أن كل ما يحدث في الضفة الغربية له أبعاد أمنية. وكانت المنطقة خاضعة لصلاحية الرؤية العسكرية، ويديرها قائد المنطقة العسكرية الوسطى كمسؤول عن المنطقة. ففي الضفة، أيّ حدث يتعلق حتى بزراعة الأرض والسيطرة عليها، وترتيب الطرق، أو التعامل مع الإخلال بالنظام من جانب مواطنين [مستوطنين] إسرائيليين، له أبعاد أمنية واضحة.
  • إن كل هذا سيكون اليوم في يد وزير، ليس فقط لديه أيديولوجيا واضحة لها إسقاطات سياسية وأمنية عميقة وبعيدة المدى، بل لن يتحمل أيضاً المسؤولية عن هذه الأمور التي ستؤدي إلى التصعيد. لذلك، وكما كُتب، فإن تفعيل القوة بقي في يد قائد المنطقة الوسطى، لكن في حال عدم قيام القائد، أو المسؤول عنه، أي وزير الدفاع، بتخصيص الموارد المطلوبة لتطبيق سياسة الوزير في وزارة الدفاع، سيتم حسم القضية على طاولة رئيس الحكومة.
  • ثمة خطر مضاعف هنا: ارتفاع التوتر بين المستويين السياسي والأمني، بشكل يخلق توترات غير ضرورية في ظرف مركّب أصلاً؛ وبلبلة يمكن أن تؤدي إلى خسارة الوقت، وبالتالي الفاعلية، الأمر الذي يؤدي إلى التشويش على تطبيق القانون والنظام في الضفة.

التفاهمات بشأن سياسات الموارد البشرية

  • تتضمن التفاهمات ما بين وزارة الدفاع ووزارة المال بشأن الخطة المتعددة السنوات لميزانية وزارة الدفاع عدة تجديدات كبيرة، بالأساس في مجال الموارد البشرية. وهي شبيهة جداً بما طُرح في ورقة "نموذج الخدمة المتعددة الأبعاد- مقترح لتغيير طريقة توزيع القوى البشرية في الجيش"، والتي نُشرت في معهد أبحاث الأمن القومي.
  • بدايةً وبالأساس، الحديث يدور حول تغييرات في مركّبات الخدمة العسكرية المختلفة: الأهم هو منح القائد العسكري صلاحيات اتخاذ القرار بشأن مدة خدمة الجندي. والجيش يستطيع تقصير مدة الخدمة الإلزامية الأساسية للجنود حتى 24 شهراً. بذلك، يستطيع الجيش مثلاً تجنيد الجنود مسبقاً للوحدات المطلوبة (مقاتلون وتكنولوجيا) لمدة تصل إلى 32 شهراً، ومنح الجنود راتباً أكبر بكثير في أشهر الخدمة الثابتة التي ستزداد لأن معدل الخدمة في الجيش سيكون 28 شهراً؛ المساواة في مدة الخدمة العسكرية بين الذكور والإناث، وفرز الجنود بحسب الوظيفة، وليس الجنس؛ رفع المرتّب لمن يخدم خدمة ثابتة أولية، ونموذج في إطاره سيتم تحويل مسارات الخدمة في وحدات محددة، من خدمة تنتهي بدفع راتب تقاعدي، إلى خدمة يزداد خلالها الراتب سنوياً- وهو ما سيسمح بتحويل الميزانيات إلى الذين تقاعدوا، أو خلال الخدمة. هذه التغييرات ستساعد على التعامل مع أزمة بقاء المميزين المطلوبين للخدمة الثابتة في الجيش، وهو ما لا يتم الاعتراف به علناً في الجيش، لكنهم يعلمون بأنه يشكل أزمة.
  • هذه التغييرات تشير إلى أن قائد هيئة الأركان العامة الجديد الجنرال هرتسي هليفي يفهم عمق الأزمة التي تهدد نموذج القوى البشرية القائم في الجيش اليوم، ولا يتردد في التعامل معه بشكل جذري، وليس فقط عبر علاجات موضعية، كما جرى سابقاً، ولم يؤدّ إلّا إلى حوادث مخجلة.
  • هناك تخوف حقيقي بشأن مستقبل بنود الاتفاق الذي يتضمن ثورة فكرية- تعددية التجنيد والخدمة الثابتة. وخصوصاً أنه لم تتم الإشارة إلى أيّ تاريخ تبدأ فيه هذه التغييرات. ويجب التذكير بأن الجيش رفض سابقاً قبول فكرة تخفيض مدة الخدمة العسكرية إلى 30 شهراً، أو التخطيط لها، على الرغم من أن هذا كان جزءاً من اتفاق "كحلون - يعلون"، وحتى أن الكنيست شرّعه بقانون. في نهاية المطاف، ألغت الحكومة السابقة قانون تقصير مدة الخدمة العسكرية. نأمل هذه المرة بأن يلتزم الجيش بالاتفاق، وتلتزم المنظومة المدنية بتقصير مدة الخدمة بأسرع وقت ممكن - في منتصف العام المقبل على أبعد تقدير- وليس في تاريخ بعيد، معناه المماطلة.
  • الخطر الأكبر هو أن الجيش الثابت في حالة ضبابية. على الحكومة الجديدة أن تقترح قانون تجنيد جديداً (تقنياً، إصلاحات في قانون الخدمة القائم)، بعد أن قامت المحكمة العليا بإلغاء القانون السابق قبل نحو 7 أعوام. وبحسب الاتفاقيات الائتلافية التي أُلِّفت الحكومة الجديدة استناداً إليها، فإن قانون التجنيد الجديد سيشتق من قانون أساس "مكانة التوراة"، وسيوازي ما بين مكانة المعتكفين للتعاليم الدينية ومكانة مَن يخدم في الجيش. وبذلك، يعفي فئة كاملة داخل المجتمع اليهودي من الخدمة العسكرية - عبر مساواة مكانة مَن يخدم، بمكانة مَن لا يخدم.
  • من المؤكد أن قانوناً كهذا سيتحدى، قانونياً، جوهر فكرة التجنيد الإلزامي، وسيكون من الصعب تخيُّل أن يصادق النظام القضائي على هكذا قانون، استناداً إلى قراراته السابقة. الحكم بإلغاء القانون سيؤدي إلى أزمة دستورية كبيرة، وخصوصاً إذا تمت المصادقة على قوانين الانقلاب القضائي التي تناقَش الآن؛ وبالعودة إلى الخدمة العسكرية، فإن هذا المسار يمكن أن يزعزع كل الأساس الذي تقوم عليه الخدمة الإلزامية.
  • في هذه الحالة، ستؤدي التغييرات المهمة والإيجابية في الاتفاق بين وزارتيْ المال والدفاع، والتي تهدف إلى إنقاذ التجنيد الثابت وملاءمته الواقع الجديد، والاعتراف بـ"خدمة متساوية للجميع"، إلى نتائج عكسية: يمكن أن تزعزع أكثر التجنيد الإلزامي، ونموذج "جيش الشعب" برمته.
  • تضمّن "نموذج الخدمة المتعددة الأبعاد" إقامة خدمة أمنية - مدنية أيضاً، ضرورية للأمن في الجبهة الداخلية، وعليها أن توسّع من الخدمة عموماً، وضمنها الخدمة في فئات لا تتجند اليوم كلياً في الجيش. من دون إمكانية خدمة كهذه، وقوننة قانون الإعفاء من الخدمة لفئات واسعة (نحو 16% من كل دورة تجنيد، لا يتجندون اليوم بتبرير: التعاليم التوراتية)، يمكن أن يؤدي إلى تفكيك نموذج "جيش الشعب" كلياً. الخلاف الاجتماعي الداخلي الكبير، الذي يتم التعبير عنه من خلال عرائض يوقّعها الآلاف، وتهدد بعدم الالتزام بالخدمة العسكرية في جيش الاحتياط في حال تمرير الانقلاب القضائي، يمكن أن يساهم أيضاً في هذا الاتجاه.
  • في التحصيل الأخير، هناك دمج بين إدخال جهات سياسية لديها رؤية معروفة وصلاحيات في المجال الأمني من دون مسؤولية عن النتائج في الميدان، إلى جانب وعد بقانون تجنيد يزعزع نموذج التجنيد الإجباري، ويهدد نموذج "جيش الشعب"، ويمنع تحقيق وعود قائد هيئة الأركان. وفي المقابل، إن تم تطبيق هذه الوعود، فستكون لها إسقاطات إيجابية للحفاظ على التجنيد الإجباري، وتوزيع الموارد البشرية في الجيش عموماً.
  • على وزير الدفاع وقائد هيئة الأركان الجديد الاهتمام بالموضوع، وأيضاً معالجة خطر انهيار قوات الاحتياط بسبب معارضة خطوات الحكومة، بشكل فوري.

 الاتفاق على إطار موازنة متعددة السنوات

  • يتضمن الاتفاق بين وزارتيْ الدفاع والمال التزاماً أيضاً بموازنة متعددة السنوات، عليها منح أجهزة الأمن الاستقرار والقدرة على التخطيط للمدى البعيد في مجال بناء القوة. هذا الالتزام مبارك ومطلوب، وخصوصاً أن الجيش عمل من دون ميزانية متعددة الأعوام خلال السنوات الأربع الماضية. ولكن، هنا أيضاً، الأمور المخفية أكثر من الظاهرة للعيان، وهناك خطورة حقيقية من أن الإمكانات الإيجابية لن تُستنفد.
  • أولاً، من غير الواضح علامَ اتفق الطرفان، وبحسب ما وصلنا، فإنه لا يوجد إلا خطوط عامة للميزانية. في اقتراح الميزانية التي صادقت عليها الحكومة، يظهر إلى جانب بند الأمن كلمة "الصافي" (ولا يتضمن المساعدة من الولايات المتحدة والمصاريف المرتبطة بالعائدات)، بمبلغ 60 مليار شيكل، أي بارتفاع بقيمة مليار شيكل عن ميزانية 2022. وبحسب مصادر مطلعة، فإن هناك الكثير من المشاريع التي تكلف المليارات، في مراحل مختلفة من العمل، ستكتمل خلال العام المقبل، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الميزانية أكثر من ذلك. المصادقة مسبقاً على هذه الميزانيات دائماً ما تترك شعوراً في الكنيست والمجتمع بأن ميزانية الأمن هي بمثابة "نصب" متفّق عليه، إذ على عكس الوزارات الأخرى، ترتفع ميزانية الأمن كل عام من جديد- وهي أموال يتم اقتطاعها من وزارات أخرى، وتقلل من الخدمات الجماهيرية.
  • ثانياً، هذه الخطة أيضاً غير واضحة وتقررت من "أعلى إلى أسفل"، خلال مداولات سريعة بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزير المال الذي كان مشغولاً أيضاً بتعزيز مكانته كوزير في وزارة الدفاع. والمهم، لم يتم بناء الخطة بشكل يلبي حاجات واضحة تظهر في خطة متعددة الأعوام لبناء القوة العسكرية، ولا يزال قائد هيئة الأركان الجديد في مرحلة تجهيزها.
  • الحديث لا يدور حول قضية تقنية. على الخطة المتعددة الأعوام الجديدة أن تنبع من اعتبارات وسيناريوهات مستقبلية في جبهات تمتد من إيران حتى إسرائيل داخلياً، وعلى رأسها قرار المستوى السياسي والجيش بشأن مستقبل سلاح البر ومعنى الإنجاز المطلوب منه مستقبلاً. وهذا كله، حيث في الخلفية إيران دولة على عتبة نووية، وتصعيد في الضفة يصل إلى حد انتفاضة ثالثة، وحاجة المعركة بين الحروب وتخطيط المواجهة في جبهات أخرى. هذه القرارات كلها لم تُتخذ بعد، ومن غير الواضح ما إذا كان هناك مداولات بشأنها أصلاً في ظل الوضع الحالي. ومن دون قرار، فإن الميزانية تبدو كمن يسأل كم سيكلفني المنزل الجديد الذي نبنيه قبل معركة ماهيته واستعماله.
  • التخوف الأساسي هو الرغبة في تنفيذ مشاريع قائمة، حتى لو لم تنبع من قرارات ضرورية؛ إلى جانب رؤى متعارضة، ستدفع في نهاية الأمر إلى مصاريف ثقيلة لا تُترجم فعلاً إلى إنجازات ضرورية تتعامل مع التحديات، لا في الدائرة القريبة، ولا في تلك الدوائر الأبعد. ولا شك في أن الضعف البنيوي لدى المستوى السياسي، والفوضى السياسية، والقلق من انشقاقات على طول صفوف القوى البشرية، والسؤال عن شرعية الحكومة والجيش، كلها أمور تعزز جداً هذا التخوف.