هدف اللقاء الأمني في الأردن كان منع نتنياهو من إشعال المنطقة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- تم تعريف اللقاء الذي عُقد في العقبة في الأردن أول أمس، وشارك فيه ممثلون لإسرائيل ومصر والأردن والولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية، أنه لقاء أمني وليس سياسياً، الهدف منه البحث في سبل التعاون لوقف الانجرار إلى التصعيد الأمني في الضفة وقطاع غزة. ويبدو أن المقصود لقاء يجمع بين أطراف يهمها تحقيق هدف مشترك - ليس فقط منع اشتعال الضفة، بل وقف امتداد هذه النار إلى الدول المجاورة.
- في الأيام العادية، أي حتى قبل ثلاثة أشهر، كانت مثل هذه النقاشات يجري بصورة ثنائية. إسرائيل تبحث مع مصر في الشؤون الخاصة بغزة وإعادة الإعمار، وتبادُل الأسرى مع الجنود الإسرائيليين المختطفين؛ أما مع الأردن، فكانت اللقاءات تتطرق إلى الحرم في المسجد الأقصى، حيث للأردن مكانة خاصة؛ ومع السلطة الفلسطينية، حين كانت تجري لقاءات كهذه، كانت تتطرق إلى التعاون والتنسيق الأمني.
- لكن بعد بدء ولاية حكومة نتنياهو وتوزيع حقائب وزارية مركزية على اثنين من ممثلي الأحزاب اليهودية المتطرفة، والتصريحات النارية بخصوص تشريع 9 بؤر استيطانية وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية، ونقل صلاحيات الحكم في الضفة من الجيش إلى وزراء وموظفين "مدنيين"، كان من الواضح أن الحوار الأمني الثنائي بين إسرائيل وكل دولة من الدول منفردة - لا يكفي. التهديد السياسي - الأمني لنسيج العلاقات الحساسة أصلاً بين إسرائيل والأردن دفع برئيس الحكومة نتنياهو إلى زيارة عمّان بصورة طارئة والالتزام بعدم تغيير مكانة المملكة في حرم المسجد الأقصى.
- وعلى الرغم من ذلك، فإن زيارة نتنياهو لم تؤدّ إلى إزالة الشكوك. الجهود الإسرائيلية لحصر هذه العلاقة بالحرم في المسجد الأقصى فقط تتجاهل التطورات العنيفة التي تحدث في الضفة، إن كان في جنين أو جنوبي الخليل، والتي تؤدي مباشرة إلى ارتدادات في المملكة. ما يجري في الأردن بات معروفاً - في البداية تظاهرات ترفع شعارات ضد الاحتلال الإسرائيلي، تحصل مباشرة على الشرعية. بعد وقت قصير، تتحول إلى تظاهرات ضد السياسة الاقتصادية للحكومة التي تحاول مواجهة البطالة والفقر.
- أدوات الضغط التي يملكها الأردن للتأثير في السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية محدودة. الأردن ليس الإمارات التي منحت نتنياهو هدية ثمينة جداً، كاتفاقيات التطبيع والاتفاقيات التجارية بالمليارات. وعلى عكس أبو ظبي، عمّان ليست شريكة ممكنة في المعركة ضد إيران. لذلك، يحتاج الأردن إلى حزام أمان عربي أكثر اتساعاً كي يستطيع الدفاع عن نفسه من التهديد القادم من الغرب.
- وفي الوقت نفسه، قال مسؤولون مصريون لوسائل إعلام عربية إن النظام في القاهرة لا يعتمد على نتنياهو، ويعتقد أنه لا يستطيع الالتزام بالاتفاقيات التي تم توقيعها بين الدول. تتخوف مصر من ألا تسمح لها حكومة نتنياهو بالقيام بدورها الثابت كوسيط في مقابل "حماس"، وتقلّص الحركة التجارية ما بين إسرائيل وغزة، وتدفع إلى التصعيد في السجون، وهو ما يؤدي إلى تمرُّد الأسرى. التخوف الأساسي لدى المصريين هو من قيام الحكومة بدفع كلٍّ من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إلى زاوية يصعب فيها على النظام المصري مساعدتهما. مصر التي لم تدعِ نتنياهو بعد إلى زيارتها، تدير علاقاتها مع إسرائيل عبر المسؤولين في الجيش والشاباك، وتشكو من أنها لا تحصل على إجابات متواصلة من المستوى السياسي.
- أما الولايات المتحدة التي تملك بيدها كافة أدوات الضغط المهمة، السياسية والاقتصادية والأمنية، فإنها دانت خطة الانقلاب القضائي وحذّرت منها، وفي الوقت نفسه، تلقّت الكثير من الانتقادات من أغلبية الوزراء في الحكومة، الذين أشاروا إلى أن تدخّلها يُعد تدخّلاً وقحاً في الشؤون الداخلية الإسرائيلية. واشنطن تتفادى حالياً الدخول في مواجهة مع الحكومة في مجال "القيم المشتركة" للدولتين، وتكتفي حالياً بوضع خطوط حمراء بشأن موضوع المستوطنات والبؤر، وكأن لا علاقة بين المهزلة القضائية والنظامية التي تقوم بها الحكومة وبين الاستعراضات في الضفة. هذا الموقف المتهاون يضع الولايات المتحدة في الصف نفسه مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية والسعودية والإمارات، إذ لا تهتم هذه الدول كثيراً بما يجري في نظام الحكم في إسرائيل، بشرط ألا يؤثر ذلك في فتيل النار الذي بدأ يشتعل في الضفة والقدس وقد يمتد إلى عواصمها.
- هنا تحديداً، تكمن أهمية اللقاء في العقبة. كان رؤساء أجهزة الاستخبارات الأردنية والإسرائيلية والمصرية اللاعبين المركزيين في اللقاء، أما اللاعبون الثانويون فهم الجهات السياسية التي شاركت فيه. الافتراض الأساسي الذي تأسس عليه اللقاء كان أن رؤساء أجهزة الاستخبارات للدول الثلاث والسلطة الفلسطينية يمكنهم التعاون بفاعلية أكثر، وأكثر قرباً من المستويات السياسية. هناك تأكيد لهذا الافتراض في الميدان - العلاقات التي يقيمها "الشاباك" مع نظرائه في السلطة والأردن.
- وما لا يقل أهمية هو الاعتراف المبطن في اللقاء بأن المستوى السياسي الإسرائيلي ومَن يقف على رأسه "جسم مشبوه"، من غير الواضح بعد كيف سيتصرف تحت ضغوط من داخل الحكومة. ومن هنا، يمكن الاستنتاج أن اللقاء الذي جرى في العقبة، ومن المتوقع أن يجري مرة أُخرى في آذار/ مارس في شرم الشيخ، يطمح إلى صناعة "حزام أمان" يضع قيوداً على قدرة الحكومة على إشعال الميدان والدفع بانتفاضة إقليمية.
- مَن بادر إلى اللقاء لا يزال يأمل بأن تكون لـ"الشاباك" قدرة التأثير العالية نفسها في نتنياهو - على الأقل إزاء كل ما يخص الضفة. الردود الغاضبة التي صدرت عن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وآخرين ضد مجرد عقد اللقاء والبيانات الصادرة عنهما بشأن عدم الدفع ببناء استيطاني جديد في الضفة، وكذلك إنكار نتنياهو، الذي علِم ومنح موافقته أيضاً على البيان الختامي، أمور كلها تشير إلى أن مخاوف الذين اجتمعوا في العقبة لها أساس. السؤال المركزي الآن بعد التطورات "العنيفة" في الضفة والقدس، سيكون بشأن ما إذا كان هناك حاجة للقاء آخر لهذه المجموعة، وهل سيكون لدى "حزام الأمان" هذا القدرة فعلاً على القيام بدوره ووقف الانفجار القادم؟