التغييرات أحادية الجانب التي تبادر إليها الحكومة ستُغضب العالم كلّه
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • على مدار السنوات، تتم دراسة سلوك الدول وسياسات القيادات بالعمق، بهدف معرفة الأسباب التي أدت إلى ارتكاب أخطاء في اتخاذ القرارات أو في وجهات النظر، أو مشكلات في رؤية الواقع وتقدير النتائج - أو أدت إلى قراءة الواقع الناتج من هذه الخطوات بشكل مضلّل. لكن القيادات التي عليها أن تفهم هذه الدراسات بعمق، تميل عادة إلى تجاهلها لعدة أسباب: بدءاً من عدم الاعتراف، مروراً بالاستعلاء الفكري، وصولاً إلى مبرّرات سياسية.
  • لذلك سيكون من الصواب دراسة مجمل التداعيات المحتملة على إسرائيل في الساحتين الدولية والإقليمية، في حال قامت الحكومة بالدفع بالتغييرات والإصلاحات القضائية التي تنوي تطبيقها وأعلنت ذلك. ويبدو هذا أكثر أهمية في ضوء حقيقة أن رئيس الحكومة وضع المعركة ضد إيران والدفع بعملية التطبيع مع السعودية على رأس أولويات الحكومة الجديدة.
  • هناك شروط ضرورية للوصول إلى هذه الأهداف أهمها: تعميق الحلف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة؛ هدوء في العلاقات مع الفلسطينيين وعدم اتخاذ خطوات أحادية الجانب لتغيير الوضع القائم في حرم المسجد الأقصى. وقد أعلنت الحكومة، منذ تأليفها قبل نحو شهرين، نيّتها اتخاذ خطوات غير مسبوقة على المستوى الداخلي في عدة مجالات تتضمن احتمالات تغيير جذرية في شكل الدولة وطريقة الحكم فيها.
  • الخطوة الأولى تتطرّق إلى توزيع المسؤوليات السياسية على الجيش ومهماته - وقد اتُخذ قرار يقسّم الصلاحيات ما بين منسّق أعمال الحكومة والإدارة المدنية في الضفة بين وزيرين. هذا بالإضافة إلى قبول طلب وضع الحاخام الرئيسي للجيش تحت مسؤولية مجلس الحاخامات بدلاً من قائد هيئة الأركان. يبدو للوهلة الأولى أن لا علاقة مباشرة بين الخطوتين، لكن في الحقيقة فإنهما تؤثران بشكل مباشر في الطابع المؤسساتي للجيش واستمرار كونه "جيش الشعب" في إسرائيل، الموجود فوق السياسة، والذي يقوم بصهر مختلف الطبقات في المجتمع.
  • أمّا التداعيات الأكثر خطورة فهي ناجمة عن خضوع منسق نشاطات الحكومة في المناطق لطرف سياسي غير وزير الدفاع. والمغزى من ذلك هو المس بقدرة الجيش على إدارة شؤون السكان الفلسطينيين واليهود في مناطق الضفة الغربية التي تُعتبر أراضٍ محتلة موقتاً بحسب قرار الأمم المتحدة رقم 242. إن تغيير طريقة تعامل الجيش والدولة مع هذه المناطق يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي وقد يؤدي إلى اتهام إسرائيل وزعمائها بالضم والاحتلال الدائم. وهذا الأمر سيكون بمثابة دليل في يد الذين يتهمون إسرائيل بأنها ترتكب جرائم ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما سيؤدي إلى اتهام زعماء الدولة ورؤساء المؤسسة الأمنية بارتكاب جرائم حرب.
  • الخطوة الثانية تركّز على مجال الانقلاب القضائي المقرّر من جانب الحكومة - إذ تم خلال هذا الأسبوع التصويت بالقراءة الأولى على خطوات تشريعية الهدف منها إضعاف وحتى اغتيال قوة السلطة القضائية، وفي موازاة ذلك منح حرية عمل مطلقة للسلطة التنفيذية. لهذه الخطوات أيضاً تداعيات دراماتيكية على بنية النظام في إسرائيل، وعلى صورته دولياً وتجاه الجهات الاقتصادية الدولية. عموماً، يُحترم النظام القضائي الإسرائيلي في الساحة الدولية بسبب "مهنيته" و"استقلاليته" بشكل يسمح له أن يكون بمثابة جدار واقٍ في وجه مسارات قضائية ضد إسرائيل في العالم. والقرارات التي ستضر باستقلاليته يمكن أن تعود على إسرائيل وقياداتها وجنودها على شكل دعاوى قضائية في العالم بسبب ما يقومون به ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة.
  • هذا بالإضافة إلى أن هذه القرارات يمكنها أن تؤثر في الوضع الاقتصادي لإسرائيل في ظل التخوّف من الضرر الذي سيلحق بتقييم الائتمان الخاص بها وإمكانية تقليص الاستثمارات الأجنبية فيها.

العالم يرى كل شيء

  • الخطوة الثالثة تتعلق بعلاقات الدين والدولة في إسرائيل، فمنذ تأليف الحكومة بدأت بالدفع بتغييرات تشريعية في هذا المجال، منها: وضع الحاخام الرئيسي للجيش تحت سلطة مجلس الحاخامات الأعلى؛ تشريع قانون أساس "تعليم التوراة"؛ وقف تعليم العلوم في المؤسسات التعليمية الحريدية؛ منع إدخال الخميرة إلى المستشفيات في عيد الفصح؛ الفصل بين النساء والرجال؛ إقصاء فئات واسعة من العرب والمثليين عن أطر علاجية، وعن الوظائف ومجالات تربوية. هذا بالإضافة إلى توجهات لوقف المواصلات العامة أيام نهاية الأسبوع، الموجود أصلاً حالياً، بالإضافة إلى وقف أعمال بناء البنى التحتية خلال أيام نهاية الأسبوع.
  • هذه أمور لها تداعيات دراماتيكية على قدرة دولة إسرائيل وتطوّرها كدولة غربية حديثة. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى غضب في أوساط الإدارة الأميركية، التي وضعت نصب أعينها مهمة الدفع بالقيم الليبرالية، كما يمكن أن تُستخدم كسلاح من جانب المؤسسات التي تسعى لنزع الشرعية عن إسرائيل وتدّعي أن إسرائيل تتبنّى عمداً، سياسات عنصرية تجاه الأقليات.
  • الخطوة الرابعة تتعلق بسياسة الحكومة تجاه الحرم في المسجد الأقصى - هنا تسمح الحكومة لمسؤوليها بالقيام باستفزازات مثل التصريحات عن النية بتغيير الوضع القائم في الحرم، كما جرى خلال "زيارة" الوزير بن غفير. هذه الخطوات يمكن أن تستغلها "حماس" وجهات أُخرى "متطرّفة" بهدف الدفع بحرب دينية، تنعكس على "العرب في إسرائيل". وأبعد من ذلك، يمكن أن تلحق ضرراً جدّياً بعلاقات إسرائيل بالدول العربية، وخصوصاً الأردن. هذا بالإضافة إلى أنه يمكن أن تكون لهذه السياسة تداعيات بعيدة المدى على الأمن القومي.
  • كما أن الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل والأردن هي حلقة مركزية في المعركة الشاملة ضد إيران و"الإرهاب". وإن إلحاق الضرر بهذه الشراكة بين الدولتين يمكن أن يزعزع البنية الأمنية في إسرائيل، بشكل يرغمها على تحويل الاهتمام وموارد الدفاع إلى الحدود الشرقية. كما أن تطوراً كهذا يمكنه أن ينعكس على قدرة الجيش في التعامل مع التحديات التي تواجهه في جبهات أُخرى.
  • الخطوة الخامسة تتعلق بالإعلام في الدولة - هنا توجد عدة مسارات. فمن جهة تنوي الحكومة إغلاق هيئة البث العام، وتراجعت حتى الآن عن ذلك. ومن جهة أُخرى، تقوم الحكومة بمساعدة قناة تلفزيونية تدعم سياساتها. هذه الخطوات أيضاً غير خافية عن عيون العالم، الذي يرى فيها خطوات إضافية تضر بمبادئ الديمقراطية الحرة. على الحكومة أن تكون حذرة من النظر إليها كمن يكم الأفواه كما يجري في الأنظمة الدكتاتورية.

بين واشنطن والقدس

  • الخطوة السادسة تتعلق بالسياسة تجاه روسيا والحرب في أوكرانيا. بصورة عامة، تتبنّى إسرائيل منذ العام الماضي سياسة معقدة حيال الحرب الأوكرانية، في أساسها وقوف علني إلى جانب أوكرانيا وتقديم مساعدات إنسانية؛ وفي المقابل - حذر من تقديم مساعدات عسكرية أو أسلحة، وعلى رأسها منظومات دفاع جوي. وهذا، بسبب التحذيرات الروسية والتخوّف من قدرة روسيا على إلحاق الضرر بها، وخصوصاً بكل ما يتعلق بحرية العمل ضد أهداف إيرانية في المنطقة.
  • هذه السياسة تؤدي إلى شعور بعدم الراحة في الغرب. حتى الآن، وبسبب تفهّم التبريرات التي قدمتها إسرائيل، تمتنع الولايات المتحدة من تفعيل الضغط على إسرائيل لتغيير سياساتها. وكلما ازداد الخلاف في وجهات النظر بين "القدس" وواشنطن، كلما تراجعت جاهزية الولايات المتحدة عن غض النظر وتفهّم سياسات إسرائيل.
  • في نهاية المطاف، على حكومة إسرائيل أن تدرك الواقع الحالي حيث "كل شيء مرتبط بكل شيء". فالدفع بسياسات تتناقض مع القيم الليبرالية للإدارة الأميركية والدول الأوروبية، واتخاذ خطوات ستؤدي إلى واقع جديد تجاه الفلسطينيين على شكل ضم مناطق أو تغيير الوضع القائم في حرم المسجد الأقصى، سيلحق الضرر بقدرة إسرائيل على صوغ رد استراتيجي وشامل للتعامل مع التهديد المتصاعد من طرف إيران، وباستعداد الولايات المتحدة والدول السنّية على التعاون مع الحكومة والاستجابة لطلباتها. وأكثر من ذلك، فإن التصعيد في العلاقات مع الفلسطينيين سيضر بقدرة الحكومة على تعميق اتفاقيات التطبيع وضم دول جديدة، وعلى رأسها السعودية، التي صرّحت أن القضية الفلسطينية هي شرط لكل خطوة مقابل إسرائيل.
  • إن قوة إسرائيل الاستراتيجية تستند بالأساس إلى قدراتها العسكرية، وفهمها السياسي. لذلك، على رئيس الحكومة أن يتبنى سياسة أكثر وعياً، ورؤية استراتيجية واسعة، وأن يدفع بقرارات تطوّر الأمن القومي ولا تزعزعه بهدف الدفع بمصالح سياسية أو أمور أُخرى. لا خيار آخر لدينا، فثمن الأخطاء يمكن أن يكون كبيراً جداً. كما أن الدفع ببعض الخطوات، أو بجميعها، سيؤدي إلى إلحاق الضرر بعلاقتنا السياسية والأمنية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي والدول العربية، بشكل يضر بأمن إسرائيل القومي وقوتها الاستراتيجية.