رفع علم فلسطين في التظاهرات؟ ألم يحن الوقت كي يفهم المتظاهرون أن لا ديمقراطية مع الاحتلال؟
تاريخ المقال
- في سنة 1988 كتب البرفسور يشعياهو ليبوفيتش [محرر الموسوعة العبرية وناقد للمجتمع الإسرائيلي]: "إذا استمر الوضع الراهن، فإن البلطجة والإسفاف وسط الشعب والمجتمع في إسرائيل يصبحان أمراً لا مفر منه". اليوم بعد مرور 35 عاماً، وصلت البلطجة إلى ذروتها: التنمر يتفشى في كل مكان والعنف يصل إلى ذروته حيال الفلسطينيين، وبالمقارنة مع عدد القتلى الإسرائيليين نتيجة الهجمات "الإرهابية" منذ بداية العام هناك عشرات القتلى من الفلسطينيين الأبرياء، وعنف المستوطنين واعتداءاتهم على الفلسطينيين أصبحا من الأمور اليومية.
- من جهة أُخرى، يصل التنمر السياسي إلى ذروته في داخل إسرائيل، والائتلاف يسير بسرعة نحو "تحييد" الديمقراطية الإسرائيلية. ويظهر هذا التنمر في صورة مقترحات تشريعية شخصية هدفها إعطاء الشرعية لمتهمين جنائيين من نواب الشعب وهم من أصحاب السوابق. هناك صلة مباشرة بين احتلال مستمر منذ عشرات السنوات وبين ما يجري في إسرائيل في هذه الأيام، فالاحتلال عوّد الإسرائيليين على أن هناك جمهوراً كبيراً ليس جديراً بالاستماع إليه أو أخذه في الاعتبار أو المحافظة على حقوقه. ليس من المستغرب والحال هذه أن ترفض الحكومة فعلاً الإصغاء إلى منتقدي الانقلاب القضائي، وتتجاهل حقوقهم. وكما في العلاقة مع الفلسطينيين، من السهل المطالبة باستخدام القوة ضد المتظاهرين، لأن معارضي الانقلاب القضائي تحولوا بمعنى ما بالنسبة إليها إلى أعداء.
- وكما قال البرفسور ليبوفيتش، الاحتلال تخطى الخط الأخضر ويتفشى في المجتمع الإسرائيلي، أساليبه هناك تنتقل إلى هنا، والقمع ينتقل من هناك إلى هنا، وسيأتي يوم نصل فيه إلى الاستخفاف بحياة الإنسان هنا. لكن على الرغم من كل هذه الظلمة هناك بارقة أمل.
- تشهد الجماهير الإسرائيلية كيف تتخلص الدولة من آخر الضوابط الديمقراطية، وهم يشعرون بأنها تريد أن تسلبهم حرية التعبير والتظاهر والحق في محاكمة عادلة ووجود طرف يكبح السلطة. ويدرك الكثيرون منهم أن هذا لا يجري في فراغ، وأن الأساليب التي جرى تعلمها في المناطق [المحتلة] لأكثر من خمسين عاماً بدأت تُستخدم أيضاَ هنا ضدهم.
- من المحتمل أن يكون قد بدأ تكوّن الإدراك حالياً بأنه لا يمكن وجود ديمقراطية في الداخل وديكتاتورية حيال الخارج، ففي نهاية الأمر سيتغلب أحدهما على الآخر، فإمّا تنتصر الديمقراطية عندما تتوقف السيطرة على شعب آخر، وإمّا تنتصر الديكتاتورية عندما يتم استخدام الأدوات الديكتاتورية التي طبقت في المناطق ضد المواطنين في إسرائيل أيضاً. حالياً، تمتد يد الدكتاتورية إلى عنق الديمقراطية في إسرائيل، وكثير من المواطنين الذين اعتقدوا أن الفصل بين هنا وهناك كامل ومحكم، سيدركون أنهم هم أيضاً يدفعون ثمن الاحتلال.
- من المحتمل أن هذا الواقع سيدفع أخيراً ملايين الإسرائيليين إلى إدراك أن استمرار الاحتلال لا يكبّد فقط الفلسطينيين ثمناً باهظاً، بل الإسرائيليين أيضاَ؛ وأن السبيل إلى ترميم الديمقراطية الإسرائيلية لا يكون فقط بوقف أو تغيير إجراءات الحكومة الحالية، بل يجب أن يمر أيضاً بإنهاء الاحتلال ووقف عملية البلطجة التي تنتقل إلى المجتمع الإسرائيلي.
- في هذه الأثناء يحاذر المتظاهرون إقامة هذا الربط ويتخوفون من الذين يحاولون الربط بين الخطر الحقيقي على الديمقراطية وبين احتلال المناطق، أو من رفع العلم الفلسطيني في التظاهرات. ربما حان الوقت كي يعوا ويدركوا أن لا ديمقراطية مع الاحتلال. وعندما يحدث هذا يمكننا أن نعترف بأن "التاريخ" هو الذي دفع الأغلبية الصامتة كي تنتفض وتقف ضد الواقع الزاحف من المناطق إلى إسرائيل كي تتمكن دولتنا من استعادة رؤيتها الأصلية.
الكلمات المفتاحية