بعد عام على الحرب في أوكرانيا، الجاهزية الإسرائيلية في مواجهة التهديد الجوي المتغير
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • مرّ نحو عام على الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وبدء الحرب بين الدولتين. الحديث يدور عن حرب بين دول، يقاتل فيها طرفان متقدمان على الصعيد التكنولوجي. لذلك، هناك مَن يتعامل مع هذه الحرب كنموذج مما يسمى "ساحة القتال المستقبلية". هذا التقدير نابع بالأساس من استخدام الطرفين الواسع للمسيّرات والطائرات من شتى الأنواع. بالإضافة إلى أن المواجهة توضح التغييرات الكبيرة التي جرت في مجال التهديد الجوي اليوم في العالم.
  • الحرب في أوكرانيا تشكل فرصة للتعلم والتحضير بالنسبة إلى الكثير من الدول التي يمكن أن تتعامل، مستقبلاً، مع سيناريوهات مشابهة. بالنسبة إلى إسرائيل، هذه فرصة استثنائية، وبصورة خاصة بعد تدخُّل إيران في الحرب الأوروبية، وهو ما يسمح لها بدراسة قدرات ونقاط ضعف التهديد الإيراني، الذي يُعتبر الأكبر بالنسبة إليها.
  • التدخل الإيراني في الحرب ينعكس على العلاقات الخاصة بين إيران وروسيا، التي في إطارها، تزود إيران القوات الروسية بالتكنولوجيا العسكرية، وبالأساس بالمسيّرات المسلحة، إلى جانب المعرفة العملياتية التي يقدمها الخبراء، وبعضهم يعمل من الأراضي الروسية. وفي هذا الإطار، استخدم الروس بشكل واسع "مسيّرات انتحارية" إيرانية من نموذج "شاهد- 136"، التي تعمل بشكل ذاتي نسبياً، ويمكنها الهجوم بنحو 40 كيلوغراماً من المواد المتفجرة على نقطة هدف محددة تطير إليها عبر نظام الـGPS.
  • الحديث يدور عن أدوات بسيطة نسبياً، تكلفتها قليلة وتشغيلها بسيط، وحتى أن جزءاً منها تم خفض تطويره بهدف إتاحة المجال لتصديره وإعادة تركيبه في الميدان. وعلى الرغم من قلة دقة هذه المسيّرات نسبةً إلى المسيّرات الغربية، فإنها تشكل حلاً بالنسبة إلى الروس من أجل استنفاد قدرة المجتمع الأوكراني على الصمود، عبر استهداف البنى التحتية والكهرباء والماء، إلى جانب قدرتها على قتل المواطنين وإلحاق الأضرار. لم يؤدّ استعمال هذه الأسلحة بشكل واسع إلى أي إنجاز استراتيجي يريده الروس في أوكرانيا. وعلى الرغم من ذلك، فإن المعركة في أوكرانيا تشكل نموذجاً مما يمكن أن تتعامل معه إسرائيل من قدرات قتالية، ويجب الاستعداد لها. بالأساس، يتم في أوكرانيا استعمال مسيّرات من أنواع مختلفة، تشكل بديلاً (أقل جودة) من "سلاح الجو"، تلجأ إليها دول من دون موارد، أو تلك الدول التي فُرضت عليها عقوبات، وهي مسيّرات صالحة للاستعمال في مجالات عدة خلال المواجهة: بدءاً من "الإرهاب"، مروراً بمواجهة محدودة، وصولاً إلى حرب بين دول. بالنسبة إلى إسرائيل، هذا عرض شامل لجودة التكنولوجيا المحدودة للسلاح الإيراني المصدّر، وقدراته في ساحة المعركة، وضمنها قدرته على إلحاق الضرر بالبنى المدنية والقوات في الميدان والمواطنين.
  • على إسرائيل أن تكون قلقة من قوة ووتيرة الإنتاج الإيراني، على الرغم من العقوبات الدولية على الدولة. وهو ما يُضاف إليه أيضاً معرفة قدرات التصدير الخاصة بإيران والتداعيات المستقبلية للمعرفة التي تكسبها والتعاون الذي تطوره. عملياً، يستفيد الإيرانيون من استخدام روسيا الأسلحة الإيرانية بحصولهم على معرفة عملياتية، تساعدهم على فهم قيود ونقاط قوة التكنولوجيا الخاصة بهم. وأكثر ما يثير القلق فعلاً هو حقيقة أن الحديث يدور عن أدوات قتالية يمكنها أن تُلحق الضرر بإسرائيل، وبعضها يتم تشغيله ضدها منذ الآن بطرق مختلفة، إما من إيران بشكل مباشر، وإما على يد أذرعتها في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، ومنها "حماس" و"حزب الله"، الموجودان على "حدودها". وما يُقلق أكثر أيضاً، هو الافتراض أن المسيّرات الانتحارية هي مرحلة في الطريق إلى الصواريخ الموجهة، التي ضررها ودقتها أكبر.
  • القتال في أوكرانيا يمنح فرصة لدراسة استخدام الجهات غير الغربية التكنولوجيا الموجهة عن بُعد، وهو عكس استخدام الديمقراطيات الغربية لهذه التكنولوجيا، إذ يكون الهدف من استخدامها، عادةً، هو تقليل الضرر بالمواطنين، عبر زيادة دقة المنظومات. الروس يستخدمون هذه التكنولوجيا بشكل لا يحترم القانون الدولي خصوصاً، وحياة الإنسان عموماً، وهو ما تثبته الهجمات القاتلة العشوائية على الجبهة الداخلية الأوكرانية. وكما أشرنا سابقاً، حتى كتابة هذه السطور، لم تؤدّ هذه الأسلحة إلى أي إنجاز استراتيجي. وفي الوقت نفسه، من وجهة نظر إسرائيلية، فإن استعمال مئات المسيّرات، مستقبلاً، إلى جانب إطلاق كثيف للقذائف خلال الأيام الأولى للمعركة، من الممكن أن يشكل مشكلة كبيرة لمنظومات الدفاع الإسرائيلية.
  • بالنظر إلى ما يحدث في أوكرانيا، هناك عدة مواضيع يجب معالجتها بصورة عاجلة في إسرائيل، وخاصة في مجال تحسين قدرات الكشف والاعتراض والدفاع، إلى جانب عدة فرص يمكنها استغلالها. على سبيل المثال، على الجيش الاستمرار في منع انتقال التكنولوجيا الإيرانية إلى الحدود الإسرائيلية، من خلال "المعركة بين الحروب". وفي المقابل، فإن معرفة أنه لا يمكن منع الطرف الآخر من التزود بالسلاح كلياً، يجب أن تدفع إسرائيل إلى تحسين قدراتها الاعتراضية بشكل جدي - وهذا من خلال التعامل مع المسيّرات والحوامات كطبقة جديدة تحتاج إلى معالجة خاصة داخل منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية الشاملة. ومن هنا، تنبع أهمية صناعة "صورة جوية" واضحة واستغلال كافة الموارد المخصصة للكشف عن المسيّرات. وهذا بالإضافة إلى أنه يجب تغيير طريقة التفكير القائمة حتى اليوم، وفيها يتم التعامل مع هدف واحد ومنفرد: على المؤسسة الأمنية أن تستعد للتعامل مع تهديد متعدد وأسراب كبيرة من المسيّرات، أو الحوامات الصغيرة، التي ستُطلق في اتجاهها، إلى جانب القذائف والأسلحة الأُخرى، وبصورة خاصة في الأيام الأولى للحرب.
  • وفي ضوء الصعوبة في تخصيص موارد لتطوير منظومات تتعامل مع كل تهديد بصورة منفردة، هناك حاجة إلى منظومات اعتراضية قادرة على التعامل مع عدة تهديدات في الوقت ذاته، يكون لديها قدرات، ويمكنها أن تتلاءم بسرعة مع نوع الهدف. لذلك، على وزارة الدفاع رفع ميزانية الشراء ووتيرة دمج منظومات جديدة في المنظومات القائمة. هناك حاجة أيضاً إلى التشديد على دمج المنظومات، الواحدة في الأُخرى، ودمج "ذكاء اصطناعي" يساعد في التشخيص واتخاذ القرار بشأن التصدي للتهديد. تغيير طريقة التفكير والدمج يمكن أن يؤديا إلى قيمة مضافة مبتكرة.
  • على إسرائيل أن تستمر في دراسة وتيرة الإنتاج الإيرانية، وأن تلائم ذاتها وقدراتها الاعتراضية، وضمن هذه القدرات منظومة الليزر المستقبلية، وأيضاً القدرة على تجديد مخزون الصواريخ الاعتراضية. يجب منح هذا البعد أولوية خاصة في ظل ما كُشف مؤخراً، ويشير إلى نية روسيا وإيران إقامة مصنع مشترك في روسيا، يساعد على إنتاج نحو 6000 طائرة مسيّرة في العام الواحد. في مقابل الحاجة إلى رد سريع، في الوضع الطبيعي وحالات الطوارئ، على إسرائيل أن تعمل على تكييف مستوى اتخاذ القرارات الذي يصادق على "فتح النار"، أو الاعتراض.
  • أما إزاء كل ما يخص الجبهة الداخلية، فعلى إسرائيل العمل على تكييف منظومات الإنذار الخاصة بها بحسب شكل التهديد. ففي الوضع الحالي، إذ من المتوقع أن يكون مختلفاً بالنسبة إلى جولات القتال مقابل "حماس"، والتي تعودت إسرائيل عليها، على إسرائيل أن توضح للجهات ذات الصلة، بالأساس للمواطنين، أن قدرة التصدي لن تكون كاملة (في إطارها، لن يكون هناك رد على كل هدف يتم إطلاقه، إما للتوفير، وإما بسبب نقص في الصواريخ الاعتراضية)، كما يجب توضيح معنى عدم وجود القدرة على التصدي المطلق للأهداف الكثيفة التي سيتم إطلاقها بالتوازي في حال مواجهة واسعة على الجبهة الشمالية مثلاً. وفي المقابل، على المنظومات الأمنية وتلك المدنية تحسين قدراتها فوراً في مجال الدفاع والقدرة على النهوض من جديد في الجبهة الداخلية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى البنى الضرورية. وإلى جانب هذا كله، على المؤسسة الأمنية أن توسّع أبحاثها، بهدف تشخيص التهديدات مسبقاً، وهو ما يسمح بتقليل وقت رد المنظومات الأمنية على هذه التهديدات.
  • إلى جانب هذه الواجبات المكلفة جميعها، هناك فرص أيضاً بالنسبة إلى إسرائيل، وبينها فرصة نادرة لتحسين الجهوزية الإسرائيلية، ليس بالاستناد إلى "تحقيق في الحادث"، أو "لجنة تحقيق"، بل من خلال أخذ العبر من حروب الآخرين في مواجهة تكنولوجيا أعداء إسرائيل أنفسهم. لدى إسرائيل أيضاً فرصة في العمل على زرع مقولة إن إيران ليست مشكلة نووية فقط ومصدر عدم استقرار إقليمي، بل مصدِّرة سلاح خطِرة ومؤثرة في الساحة الدولية، وتملك تكنولوجيا متطورة وقادرة على التهديد، يمكنها أن تصل إلى عدة دول، وكذلك إلى منظمات "إرهابية". التشديد على هذا البعد من التهديد الإيراني، يمكنه أن يعزز العقوبات التي ستجعل عمل إيران أصعب، ولو بقليل. وهو مهم في هذا الوقت خاصة، وهو وقت انتهاء حظر بيع الأسلحة الذي فرضته لجنة الأمن التابعة للأمم المتحدة عليها.
  • هناك فرصة أُخرى لإسرائيل مشتقة من الاعتراف الدولي بالتهديد الذي تشكله المسيّرات الإيرانية بشكل خاص، والمسيّرات بشكل عام، كتهديد غير محصور في الشرق الأوسط. وهو ما يمكن أن يسمح لإسرائيل بالتعاون مع دول أُخرى، ويشكل فرصة أيضاً للتصدير والتطوير. فمثلاً، أحد التحديات المشتركة لإسرائيل ودول غربية أُخرى، هو الحاجة إلى وجود منظومات وعقيدة دفاع عن القوات البرية المناورة من المسيّرات. الحديث هنا يدور عن فرصة للتعاون مع الحلفاء، وبناء القوة بشكل جماعي، وصولاً إلى التعاون.
  • التهديدات في أوكرانيا تشير أيضاً إلى أهمية قيام إسرائيل بتعزيز التعاون الإقليمي المطلوب، وخصوصاً في مجال التعاون الاستخباراتي. وهذا بسبب الصعوبة الكامنة في اكتشاف المسيّرات مسبقاً، بما يُمكّنها من الاستعداد للتعامل مع التهديدات في الأوقات العادية، وليس فقط خلال الحرب.
  • في الخلاصة، إن الحرب في أوكرانيا، والتي تُستخدَم في إطارها المسيّرات الإيرانية على نطاق واسع، تشير إلى أن التهديد القائم قد توسّع. العالم يشهد تغيراً في حجم ومدى التهديد، وكذلك طرق استعماله وإمكانية وصوله إلى أطراف لا تحترم القانون الدولي المتعلق باستخدام هذه التكنولوجيا - بشكل قاتل. الحديث يدور عن تحدٍّ حقيقي لإسرائيل ودول أُخرى، لكنه في الوقت نفسه يتضمن فرصاً؛ وفي جميع الأحوال، يجب فهم التغييرات بشكل عميق وتكييف الاستعدادات لمواجهتها بسرعة ونجاعة، بهدف تحسين جهوزية إسرائيل حيال أي مواجهة مستقبلية.

 

 

المزيد ضمن العدد