اتفاق غالانت وسموتريتش ليس تغييراً رمزياً، بل مرحلة أخرى على طريق إزالة الخط الأخضر
تاريخ المقال
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي
من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.
- الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بشأن نشاط وحدة منسق أعمال الحكومة في المناطق، بما في ذلك الإدارة المدنية في الضفة الغربية، ليس تغييراً تنظيمياً - بيروقراطياً. إنه خطوة تتيح فعلياً تحقيق رؤيا حزب الصهيونية الدينية فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني. وهو في جوهره بداية تدريجية لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية (في المرحلة الأولى على المنطقة ج)، وذلك من خلال المساواة بين ظروف وأوضاع المستوطنات اليهودية في هذه المنطقة وبين سائر المستوطنات الموجودة في دولة إسرائيل ضمن حدود 1967، وفي الخلفية، العمل على تكثيف الاستيطان الإسرائيلي في المناطق، وإبقاء الغموض حيال وجود السلطة الفلسطينية في المستقبل. يجب التشديد على أن سموتريتش أيّد في الأعوام الأخيرة إلغاء الإدارة المدنية عموماً (حتى أنه طرح قانوناً يتعلق بالموضوع)، وذلك ضمن منطق إزالة الخط الأخضر والدفع قدماً إلى مزج إداري وقانوني، وفي البنى التحتية، بين المستوطنات وسائر أراضي إسرائيل.
- ما يجري هو تغيير دراماتيكي فيما يتعلق بعمل منسق أنشطة الحكومة في المناطق، وهو هيئة غامضة المحتوى، تعتمد على العسكريين وخاضعة لوزير الدفاع، لكنها تعالج قضايا مدنية. ويكشف هذا الوضع عدم رغبة مزمنة في حسم الموضوع الفلسطيني منذ سنة 1967 وحتى اليوم. صحيح أن سموتريتش لن يكون مخوّلاً تعيين منسق الأنشطة ورئيس الإدارة المدنية (الأمر الذي بقي ضمن صلاحيات وزير الدفاع)، لكنه نجح في تعيين نائب جديد من طرفه في رئاسة الإدارة المدنية (شخص مدني) سيكون مسؤولاً عن عمل ضباط القيادة الذين يعملون من قِبل وزارات الحكومة في المناطق، وعن نشاطات البناء والتطوير وإنفاذ القانون في الضفة الغربية.
- جرى الدفع قدماً بالاتفاق في وقت حساس، وبصورة خاصة مع غليان أمني في المنظومة الفلسطينية، بينما تواجه إسرائيل انتقادات حادة بسبب خطواتها في المناطق [المحتلة]، وفي طليعتها تشريع 9 بؤر استيطانية غير قانونية في الضفة. وكل مَن يسعى للتوصل إلى تهدئة قبل شهر رمضان، الذي سيبدأ في 22 آذار/مارس، يجب أن يفهم أن هذه الخطوة السياسية تكشف سعياً لتغيير الواقع في الضفة الغربية، من المتوقع أن يكون له تأثير عكسي ويؤدي إلى زيادة التوتر الأمني، ويعمّق القطيعة بين إسرائيل والفلسطينيين، ويُضعف السلطة الفلسطينية، ويُدهور العلاقة بالمجتمع الدولي.
- علاوةً على ذلك، يؤكد الاتفاق أن الحكومة القائمة حالياً لديها أجندتان تتنافسان مع بعضهما البعض ومتناقضتان إزاء الموضوع الفلسطيني. من جهة، هناك أجندة الأقلية (سموتريتش وبن غفير) الغرض منها خلق واقع جديد من دون إعلانه؛ ومن جهة ثانية، هناك سياسة مترددة وغامضة للأكثرية (الليكود) التي تسعى فعلاً للمحافظة على ما هو قائم – بما فيه المحافظة على وجود السلطة الفلسطينية - لكنها أيضاً تخاف من زعزعة الاستقرار الحكومي. ومن المتوقع أن يؤدي التسريع الكبير في البناء في المستوطنات في الضفة إلى إثارة ردات فعل خارجية حادة، ويعرّض إسرائيل لضغوط كبيرة، ونتيجة ذلك، من المعقول أن تولد أيضاً توترات داخل الحكومة بين الجهات الأمنية وبين عدد من قادة "الخط الانقلابي" في موضوع المناطق [المحتلة].
- الاتفاق الجديد يديم معضلات صعبة برزت بعد التوصل إلى الاتفاقات الائتلافية، وتحولت إلى حجر خلاف أساسي بين الليكود وحزب الصهيونية الدينية، وفي طليعتها مسألة الجهة التي يخضع لها منسق أنشطة الحكومة في المناطق والإدارة المدنية. في الاحتكاكات التي برزت حتى اليوم – إخلاء بؤرة أور حاييم وكيرم في بنيامين - وزير الدفاع هو الذي فرض سياسته، الأمر الذي أثار استياءً كبيراً من جانب سموتريتش وبن غفير. ومن المعقول أن تعود المواجهة بشأن الصلاحيات قريباً، وأن تُحدث أصداء أقوى من السابق - داخل الحكومة، وفي الحديث بين المستويين السياسي والأمني.
- والأهم من هذا كله، من المنتظر أن يكون للاتفاق الذي وُقّع تأثير عميق في مجموعة البدائل الاستراتيجية المطروحة على إسرائيل بشأن الموضوع الفلسطيني. التوسيع السريع للمستوطنات وتطوير البنى التحتية المدنية في الضفة الغربية، معناه الفعلي ترسيخ واقع الدولة الواحدة وتقليص احتمالات الفصل المادي بين المجتمعين. والمقصود خياران وحيدان متاحان اليوم لإسرائيل في الموضوع الفلسطيني، بينما رؤيا الدولتين، انطلاقاً من روحية أوسلو وأيضاً أفكار موقتة، مثل تقليص النزاع، أو إقامة كونفدرالية من دون حدود، لم تعد ممكنة التحقيق.
- نعم، إسرائيل تقف اليوم أمام خيار بين بديل الانفصال المعقد وكثير التحديات (حتى لو جرى بصورة أحادية الجانب)، وبين خيار أكثر خطراً وتهديداً، هو خيار الدولة الواحدة - سيناريو ازدادت معقوليته بعد توقيع الاتفاق الأخير. أغلبية الجمهور الإسرائيلي تسير نحو الدولة الواحدة، من دون أن تعرف، ورغم إرادتها، لذلك، يجب طرح الموضوع على النقاش الجماعي بصورة عميقة، على غرار النقاش الدائر بشأن الموضوع القضائي.