الإصلاح القضائي يمكن أن ينهي نموذج جيش الشعب، وإسرائيل لا تستطيع تحمُّل ذلك
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • الموضوع المهم جداً الذي لم يأخذه قادة الانقلاب القانوني في الحسبان هو حجم تأثيره الدراماتيكي في صورة الدولة، في نظر الجمهور، ونتيجةً لذلك، مدى استعداد جزء كبير من المجتمع للاستمرار في الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي النظامي والاحتياطي.
  • منذ قيامه وحتى اليوم، المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع يتجمع حول العلم، مجتمع معبّأ، مجتمع محارب، ومجتمع تطوعي، مجتمع موحد في مواجهة التهديد ومحاولة إلحاق الأذى به من الخارج. الجيش الإسرائيلي هو الدعامة الأساسية التي تمثل المجتمع، وهو بوتقة الصهر التي صاغت على مدار الأجيال الصورة الاجتماعية لدولة إسرائيل وروحها الوطنية. وعلى مدار الأعوام، تحول الجيش إلى نموذج يُحتذى في نظر العالم كله؛ والمؤشر الأهم إلى قياس حصانة دولة إسرائيل، هو الالتزامات الاجتماعية المتبادلة، المستندة إلى التعاطف والاستعداد للخدمة في الجيش الإسرائيلي النظامي والاحتياطي.
  • في العالم، وبدءاً من منتصف القرن العشرين، أخذ نموذج الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي، الذي تبنّته أغلبية الدول، يتراجع كثيراً. والسبب الأساسي لذلك هو تراجُع الرغبة والحافز الشخصي لدى المواطن في تكريس سنوات مهمة من عمره من أجل الدولة. عبء الخدمة العسكرية الذي وقع بصورة غير متساوية على قسم من السكان، وعدم وجود تهديد وجودي لهذه الدول، ألحق ضرراً كبيراً باستعداد المجتمع للاستمرار في القيام بالخدمة العسكرية.
  • الولايات المتحدة ألغت قانون الخدمة العسكرية الإجبارية بعد حرب فيتنام، على خلفية الاحتجاج الشعبي وعدم الرغبة في التجنُّد؛ في أوروبا، نصف الدول غيّرت قانون الخدمة العسكرية الإلزامية بعد نهاية الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي في التسعينيات، وبعد أن تحولت جيوش حلف شمال الأطلسي من الدفاع عن الوطن إلى قوة لحفظ السلام والمهمات الإنسانية.
  • الانتقال من الخدمة الجماعية إلى الخدمة التطوعية في كل هذه الدول، أدى إلى تغيير كبير جداً في الطابع الوطني الاجتماعي لهذه الدول، وخفّض من قدرتها على الدفاع عن نفسها، باستثناء الولايات المتحدة وإنكلترا. مع بداية الحرب في أوكرانيا، أُصيبت الدول الأوروبية بالذعر، وبدأت سباقاً مجنوناً على التسلح، لكن بناء جيش مقاتل يتطلب أعواماً كثيرة.
  • دولة إسرائيل، التي تعيش في ظل تحديات أمنية كبيرة ومعقدة، لا تستطيع التخلي عن الروحية التطوعية والخدمة الإلزامية، وهي بحاجة إلى أن يكون لديها جيش قوي لعشرات الأعوام. ومن أجل المحافظة على الأمن الجاري في المناطق وغزة؛ وعلى الحدود، يحتفظ الجيش بعشرات الكتائب من الجنود النظاميين وعشرات الكتائب من الاحتياطيين على مدار السنة. وفي حال نشوب حرب على عدة جبهات، سيكون الجيش بحاجة إلى أكثر من عشرة ألوية. ومن دون جيش نظامي قوي، ومن دون جيش من الاحتياطيين متماسك بفضل حوافز غير عادية، فإن السور الأمني لإسرائيل يمكن أن يُخترق، ولن ينجح الجيش في الدفاع عن الدولة وتحقيق أهدافه.
  • الخطوات الأخيرة التي تقوم بها الحكومة تصدّع المجتمع كضربات الفأس. ويبدو أن الحقبة التي كانت تتصرف فيها الحكومة المنتخبة، بصفتها حكومة الجميع، قد انتهت. للمرة الأولى في إسرائيل تأتي حكومة مثيرة للجدل، ليست بحاجة إلى إرضاء الجميع، ولديها صلاحيات واسعة، مثل شن الحرب، أو ضم مناطق من أجل تحقيق سياستها، لكنها لا تملك الشرعية كي تغيّر بصورة جذرية الأساس القضائي والقانوني والقيمي الذي أقيمت الدولة عليه، من دون الحصول على موافقة واسعة جداً.
  • يبدو أن هذه الحكومة وضعت هدفاً لها، هو تغيير البنية التحتية الأساسية لإسرائيل، من خلال تفكيك الوحدة الإسرائيلية وتحطيم القيم الوطنية وتقويض الأساس الديمقراطي الذين نعيش فيه. المشكلة في هذه الخطوات هي أنها لن تنتهي فقط بتظاهرات، وبإلحاق الضرر بالاقتصاد. التصدّع الذي نشهده في الأيام الأخيرة يثير إحساساً عميقاً لدى شرائح كبيرة من المجتمع، بأنهم تعرّضوا لخيانة كبرى، من هنا، تزداد الأصوات التي تعبّر عن عدم استعدادها للقيام بالتزاماتها الوطنية، وعدم استعدادها للخدمة في الجيش، ورفضها التعاون مع ما تمثله هذه الحكومة البشعة. هذه الأصوات التي تصدر عن المئات والآلاف في إسرائيل من الذين يرون أن الانقلاب السياسي لا يأخذهم في الاعتبار، ويقضي على أسس الدولة التي حاربوا من أجلها، ويشكل "قطيعة" معهم. يرى كثيرون أن الوضع الحالي ينهي التزاماتهم الوطنية، وهذا يشكل بُعداً للأزمة الوطنية شديد الخطورة.
  • عدم استعداد كثيرين للاستمرار في القيام بواجبهم في الدفاع عن إسرائيل، من خلال الخدمة في الجيش والاحتياطيين، يمكن أن يتحول إلى فوضى وفقدان السيطرة من جانب الدولة، ومثل هذا الوضع لا رجعة عنه، ولم يسبق أن واجهناه من قبل.
  • إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تريد الاستمرار في طريق الفتنة والشرذمة، فعليها أن تأخذ في الحسبان أن التصدّع الاجتماعي التي تخلقه سيُلحق ضرراً وطنياً كبيراً، وستضطر إسرائيل إلى مواجهة واقع سيشهد تغييراً دراماتيكياً في عقيدتها الأمنية، بما في ذلك نموذج جيش الشعب الذي سيتحول إلى جيش من المتطوعين. بيْد أن مثل هذا الجيش لا يمكنه، من الناحيتين الاقتصادية والعملية، النجاح في مواجهة جزء من التحديات التي تواجهها المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي اليوم.
  • الوزير ليفين خدم في سلاح الاستخبارات، ومن المفترض أنه يفهم جيداً هذه الأمور. إن نجاح الإصلاحات قد يتبين أنه "انتصار بيروسي" [انتصار يخلّف دماراً كبيراً]، وانتصار آخر كهذا سيؤدي إلى خسارتنا.

 

 

المزيد ضمن العدد