كيف يمكن إبادة "الإرهاب" في القدس من دون ضرر دبلوماسي
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • العمليات القاتلة التي جرت مؤخراً - في "النبي يعقوب"، و"راموت"، وشعفاط، عادت لتؤكد مرة أُخرى التحدي المعقد لوقف "الإرهاب" الفلسطيني. هذا إلى جانب الحاجة إلى رد استراتيجي واسع يكون بديلاً من الشعارات التي تتعلق بتنفيذ "السور الواقي 2"، أو تشريع بؤر استيطانية تؤدي إلى ضرر استراتيجي بعلاقتنا بالولايات المتحدة، حليفتنا الأساسية، وبدول المنطقة.
  • العمليات التي جرت في القدس هي جزء من مسار تصعيد في الصراع مع الفلسطينيين. الرد الموضعي والمحدد ضد منفّذي العمليات لم يثبت فعاليته كحلّ للمشكلة. المطلوب رد شامل مستمر على جبهات متعددة، ودمج أجهزة الأمن المختلفة، إلى جانب جهود دبلوماسية، وبصورة خاصة عشية الامتحان الأكبر في فترة الأعياد المقبلة.
  • زيادة الجهود الاستخباراتية وتواجُد أجهزة الأمن في الميدان، إلى جانب خطوات ردع محسوبة، يمكنها أن تحسّن درجة الأمن، وتمنح المستوى السياسي الوقت والهامش اللازمين. ولكن، في غياب استراتيجيا بعيدة المدى، والأسوأ من ذلك أيضاً خطوات أحادية الجانب ومستفزة، كتشريع 9 بؤر استيطانية (خطوة دانتها السعودية سريعاً)، سيتعزز مسار التصعيد في الساحة الفلسطينية ويسيطر على الجو السياسي - الأمني العام في إسرائيل، بصورة ستضر بمعالجة التهديد النووي الإيراني والدفع قدماً بالتطبيع ودمج إسرائيل في المنطقة.
  • ويجب على حكومة مسؤولة، وضع المواجهة مع موجة "الإرهاب" المتصاعدة والتحديات الأمنية على رأس سلّم أولوياتها، ووقف الاندفاع غير المسبوق لهدم النظام القضائي، ورأب الشرخ الداخلي الذي يُضعف أمننا وحصانتنا القومية، ويفسَّر بأنه ضعف من جانب الأعداء، يرفع لديهم الرغبة في تحدّينا.

"السور الواقي 2"؛ ضد من؟

  • بسبب القرب الجغرافي والتضامن القومي والديني، يؤثر ارتفاع نسبة "الإرهاب" في الضفة خلال العام الماضي في الجو العام في شرقي القدس، حيث تعيش قرابة 370 ألف فلسطيني في حالة فراغ سياسي، وفي ظل تهميش وفجوات عميقة، مقارنةً بسكان غربي المدينة، على صعيد العمل والبنى التحتية ونسبة الفقر. وأكثر من هذا كله، هناك التوتر الدائم بسبب الحساسية المتطرفة إزاء الأماكن المقدسة والمسجد الأقصى.
  • من المتوقع أن يزداد الاحتقان عشية شهر نيسان/أبريل، حين تلتقي عدة مواعيد حساسة: شهر رمضان وعيد الفصح (تزور الحرم القدسي مئات آلاف المسلمين ومئات اليهود)؛ ذكرى المحرقة ويوم "الاستقلال"؛ وبعدها ذكرى النكبة والنكسة ويوم القدس. هذا المزيج سريع الانفجار يتم استغلاله، عادةً، من طرف التنظيمات "الإرهابية" وجِهات متطرفة تشجعها الأزمة الداخلية المتصاعدة أيضاً في إسرائيل والأحداث "العنيفة" في الضفة الغربية.
  • في هذه الظروف، فإن احتمال الانجرار إلى التصعيد واضح، ويمكن رسم مساره أيضاً: المسلمون "يخلّون بالنظام" في الحرم القدسي، ويمكن أن يكون رداً على دخول اليهود، أو مسيرة الأعلام في البلدة القديمة؛ ينعكس هذا على الضفة الغربية، وحتى على "المدن المختلطة" في إسرائيل؛ "إرهاب"، في ظل "إخلال بالنظام" وتجدُّد موجة العمليات؛ عمليات تصدٍّ واسعة يقاومها المسلحون وتخلّف قتلى؛ إطلاق قذائف من قطاع غزة، ضربات رد، وبعدها تصعيد حقيقي.
  • في ضوء الارتباط المقلق واحتمالات التأثير بين كل الساحات - القدس، الضفة الغربية، قطاع غزة وداخل إسرائيل والسجون وتوحّدها- على الحكومة تبنّي طريقة عمل شاملة ومحسوبة ومخططة، الهدف منها فك الارتباط بين الجبهات المختلفة، ومنع انتشار "العنف" بين الجبهات، وتفريغ الضغط، من خلال توزيع الجهود المبذولة بالتدريج، وخصوصاً عشية الأعياد، موعد نشوب الاضطرابات.
  • الردود الموضعية، كإغلاق بيوت منفّذي العمليات، ووقف مخصصات "التأمين الوطني" لسكان شرقي القدس، والحكم بالإعدام على مَن يفترضون أصلاً أنهم لن يعودوا أحياء من العمليات (التي نفّذها مؤخراً أبناء الـ13 عاماً) - لن تغيّر الظروف الاستراتيجية، ولن توقف "الإرهاب"، وهو ما ثبت خلال الأعوام الماضية. وأكثر من ذلك، فإن مقترحات، مثل "السور الواقي 2" في القدس، ليست أكثر من شعارات شعبوية يتم طرحها من دون تفكير، ويمكنها فقط أن ترفع احتمالات الانفجار، وتربط ما بين القدس وجبهة الضفة، على عكس المصلحة الإسرائيلية في فصلهما. وعموماً، ضد مَن ستعمل هذه القوات داخل "عاصمة" إسرائيل؟ ضد منفّذي عمليات فردية محتمَلين من سكان المدينة الذين يحملون بطاقة الهوية الزرقاء؟ أم بنية "إرهاب" غير منظمة، لا إدارة لها، ولا قائد، ولا معامل متفجرات؟
  • لخلق استقرار طويل المدى في الساحة الفلسطينية، على الحكومة العمل بشكل يمزج بين الجبهات كافة في الوقت نفسه، وذلك يبدأ، إما فورياً، وإما في المدى المتوسط - البعيد.
  • فوراً، وعلى المستوى التكتيكي – العملياتي - سيكون على الجيش وحرس الحدود والشاباك الحفاظ على مستوى وجود مرتفع، ويمكن أيضاً تعزيز القوات في الضفة، وزيادة الجهود الاستخباراتية لإحباط العمليات ومنعها، إلى جانب إغلاق الفتحات في خط التماس والتجهز لفرض إغلاق خلال فترة الأعياد. من المهم تركيز العمل في مجال "بنى الإرهاب الموقوتة"، استناداً إلى معلومات استخباراتية دقيقة، في محاولة لكسر دائرة "قتل- مصابين - تصعيد"، والدخول إلى فترة الأعياد بعد تحقيق أكبر قدر ممكن من الهدوء. وفي الوقت نفسه، كما تعتقد كافة الجهات الأمنية، يجب ترك هامش عمل لأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وتفضيل إحباط العمليات على يدها كلما سمحت الظروف. واستغلال الضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية على أبو مازن، بهدف عودة السلطة إلى نشاطها الأمني المستمر في منطقة نابلس وجنين.
  • أما في شرقي القدس، فالمطلوب تعزيز قوات الشرطة و"حرس الحدود" وإعادة الأمن إلى الشوارع، بالإضافة إلى الحذر والتنسيق مع الأردن في كل ما يخص إدارة الحرم القدسي.
  • وفي المقابل، من المهم تخصيص موارد لزيادة الرصد في المجال الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي، بهدف إيقاف "المحرضين" الذين قد يكون أحدهم منفّذ عملية قبل خروجه إلى التنفيذ.

المواجهة الداخلية تؤثر في الأمن القومي

  • لمنع توسُّع دائرة "الإرهاب" في الميدان، على إسرائيل تطبيق مقولة "لا تفعل"، والامتناع من:
  • تغيير السياسة المتبعة بالفصل بين المجتمع الفلسطيني و"الإرهاب". إلحاق الضرر بروتين الحياة، وتفعيل قوة مبالَغ فيها، إلى جانب عقاب جماعي (حصار، وتقليص حاد لعدد العمال في إسرائيل)، وإلحاق الضرر بالاقتصاد الفلسطيني، أمور كلها ستؤدي إلى نتائج عكسية وتوسيع دائرة "الإرهاب".
  • تغيير حاد في نشر القوات في الضفة. تحريك كاسح وسريع لقوات كبيرة من الضفة إلى النقب والجليل، مثلما يخطط وزير الأمن القومي، سيؤدي إلى ضغط كبير على الجيش، ويدفعه إلى تفعيل قوات الاحتياط بشكل واسع في أماكن ستكون عرضة لنشوب أعمال شغب.
  • تدخُّل سياسي في الحسابات الأمنية للجيش والإدارة المدنية والشرطة هو وصفة لإضعاف هذه الأجهزة، وإلحاق الضرر بفعاليتها، والتصعيد في الميدان.
  • في المدى المتوسط - الطويل، وعلى الصعيد الاستراتيجي - على الحكومة أن تقرر ما إذا كانت ستركز على كبح التهديد الإيراني والدفع بالتطبيع، مع التشديد على السلام مع السعودية، كما صرّح نتنياهو يوم تأليف الحكومة؛ أم تريد الدفع الآن بخطوات الضم الأحادية الجانب، كما يريد سموتريتش وبن غفير، وبذلك تكون في حالة اندفاع نحو التصعيد وسيطرة الساحة الفلسطينية كلياً على الوضع العام، الأمني- الاستراتيجي والسياسي الإسرائيلي.
  • لحفظ الاستقرار على الساحة الفلسطينية وعدم الانجرار إلى داخلها، على الحكومة المحافظة على الوضع القائم في الحرم القدسي، والذي يمكن أن يؤدي تغييره إلى تصعيد في غزة وداخل إسرائيل، كما جرى في حملة "حارس الأسوار"؛ والامتناع من القيام بخطوات ضمّ فعلية، وتشريع بؤر استيطانية وفرض السيادة، وهي خطوات تتم إدانتها في المنطقة والعالم، ويجب العمل على استقرار السلطة الفلسطينية، بدلاً من إضعافها.
  • السلطة الفلسطينية تعيش أصلاً حالة تراجُع كمؤسسة حُكم، وتراجُع مكانتها في نهاية حُكم عباس يمكن أن يدفع بإسرائيل إلى تخصيص قوات عسكرية لملء الفراغ الأمني، في الوقت الذي ستنتقل المسؤوليات المدنية، بالتدريج، إلى إسرائيل، وتقع على عاتق دافع الضرائب الإسرائيلي. هذا الاتجاه العام، إذا ما أضيف إليه الضم وفرض السيادة، يمكن أن يقضي على مبدأ "الدولتين" كلياً، ويدفع في اتجاه مبدأ "الدولة الواحدة" الذي يتحدى جوهر إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية وعادلة. الواقع في القدس يشكل نموذجاً يجسّد خطورة الدولة الواحدة، التي سيكون نصف سكانها أعداء محتملين.
  • في الختام، إن الحالة الفلسطينية في اتجاه تصعيد واضح، واستقرارها هو المهمة الأولى والأهم المطروحة على الحكومة. خطوات غير حذرة، أو تدفع بالتصعيد، يمكنها أن "تسحب" إسرائيل إلى داخل الدوامة الفلسطينية وتُثقل قدرتها على التركيز على التحديات الأمنية الاستراتيجية الأُخرى في هذه المرحلة المهمة، وعلى رأسها تقدُّم إيران نحو قدرات نووية.
  • حالياً، ينظر أعداء إسرائيل إلى المواجهة الداخلية التي تمزق المجتمع الإسرائيلي من الداخل، وينتظرون الوقت الملائم، بهدف استغلال الأزمة الداخلية والضرر الذي تُلحقه بالحصانة القومية والأمنية. وفي أعقاب موجة "الإرهاب" المتصاعدة، سيكون من المهم تفضيل التعامل مع التحديات الأمنية بشعب موحد. على الحكومة المسؤولة، أن توقف الانقلاب على النظام وتفكيك المنظومة القضائية، وأن تركز على صوغ ردّ على اندفاع إيران نحو النووي، وعلى جهود أعدائنا، بربط جميع الجبهات وإشعالها، وإعادة الشرعية إلى إسرائيل، وكذلك المبادئ المشتركة بينها وبين حلفائها في الغرب.