الأبرتهايد ليس هو الرد على "الإرهاب"
المصدر
  • العمليات "الإرهابية" القاتلة التي وقعت في الأسابيع الأخيرة، دفعت أعضاء الحكومة الجديدة إلى الطقوس القديمة التي يرددون فيها، مرات ومرات، تهديدات ووعوداً أصبحت بالية من كثرة الاستخدام: سنردّ بيد من حديد، سنفرض حصاراً، سنغلق، ونهدم، ونرحّل، ونسحب الجنسية، سنوقف التحريض في وسائل التواصل الاجتماعي، وسنوقف المخيمات الصيفية في السجون، سنطبّق عقوبة الإعدام، ونسحب الامتيازات المعطاة لكبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية، وسنرد على كل هجوم بإقامة مستوطنة جديدة، وسنتساهل في تعليمات فتح النار، ولن نسمح للمحكمة العليا بتخريب حربنا ضد الإرهاب، إلخ إلخ..
  • إن تكرار هذه الكلمات السحرية يشبه في تأثيره حبة المهدىء التي لا تعالج مصدر الألم، وهي لا تتطرّق إلى واقع، في إطاره، يسيطر شعب على شعب آخر. هذا المرض الذي حاول اتفاق أوسلو معالجته، والذي أساسه اعتراف متبادل بحقوق الشعبين في أن يكون كلٌّ منهما سيد مصيره، والعيش بأمان والتعبير عن هويته الوطنية ضمن إطار أرض متفق على حدودها. هذا الهدف، الذي يضمن المحافظة على هوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، مرتبط فعلاً بتسوية مؤلمة تتضمن تقسيم البلد.
  • في مواجهة رؤيا أوسلو، هناك خيار الأبرتهايد الذي يجعل إسرائيل دولة ثنائية القومية تمتد من البحر حتى النهر، وينشىء واقعاً يعيش فيه شعب تحت سيطرة شعب آخر. علينا ألا نوهم أنفسنا: المساران المؤديان إلى هاتين الصورتين المستقبليتين محفوفان بالمطبات والعنف، لكن نهايتهما مختلفة للغاية. طريق الأبرتهايد يضمن القضاء على أي احتمال تسوية متفق عليها، وسيدفع بأغلبية الفلسطينيين إلى اليأس و"الإرهاب"، ويؤبّد سفك الدماء، ويؤدي إلى تدمير إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. في المقابل، طريق أوسلو يشعل ضوءاً في آخر النفق، ويحشد شركاء فلسطينيين في محاربة "الإرهاب"، ويعزز قوة المعسكر الذي يرى في التسوية مع إسرائيل مصلحة فلسطينية وطنية.
  • اختيار طريق أوسلو لا يضمن تهدئة فورية. لقد تعلمنا من التجربة ونعلم بأنه يوجد في الجانب الفلسطيني معسكر مهم سيسعى لنسف المصالحة بواسطة "الإرهاب". من أجل تآكل قوة هذا المعسكر، يجب الالتزام باستراتيجيا طويلة الأمد، تمزج بين خطوات أمنية صارمة، هدفها إلحاق الأذى الشديد بمن يقف ضدنا، وبين خطوات سياسية واقتصادية، الغرض منها رسم أفق موثوق به لدولة فلسطينية مزدهرة تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل. هذا الحل يمكن تحقيقه من خلال عملية حذرة وتدريجية، مشروطة بامتثال الفلسطينيين إلى مطالب أمنية صارمة.
  • يمكننا الغرق في مناقشات لا نهاية لها بشأن الأخطاء التي ارتكبها الطرفان في عملية أوسلو، لكن نظرة باردة وواقعية تشير إلى ميزة هذا الاتفاق، كاستراتيجيا بعيدة الأمد لمحاربة "الإرهاب". هذه الحجة لا تُطرح، طبعاً، بصورة جدية في نقاشات الحكومة الإسرائيلية التي تفضل أن تقودنا نحو طريق الأبرتهايد. وبعكس الحكومات السابقة، الحكومة الجديدة لا تحاول تقديم صورة دعائية بأن يدها ممدودة نحو السلام، وهي تصطدم بالرفض الفلسطيني. في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 2020، ذكر بنيامين نتنياهو كلمة "سلام" 19 مرة. وأعلن أنه عندما يقرر الزعماء الفلسطينيون تحقيق السلام مع الدولة اليهودية، فإنه "سيكون حاضراً ومستعداً للتفاوض، بالاستناد إلى خطة هدفها إنهاء النزاع مرة واحدة، وإلى الأبد."
  • لكن شركاءه الحاليين لن يسمحوا له بالعودة إلى هذه الوعود، حتى بشكل مناورة في العلاقات العامة. فهؤلاء يعلمون جيداً بأن خطة ترامب تعتمد على منطق أوسلو: تقسيم البلد، وقيام دولة فلسطينية، تبادُل أراضٍ (بصورة غير متساوية)، وإقامة معبر آمن بين الضفة وقطاع غزة. وليس عبثاً قول بتسلئيل سموتريتش حينها: "هذه الخطة ستقوم في نهايتها دولة فلسطينية، الأمر الذي لا يمكن أن يحدث في أي حال من الأحوال. أرض إسرائيل كلها لنا، ولن نتنازل عن أي سنتيمتر منها." وكان رد إيتمار بن غفير مشابهاً: "دُهشت أنه وراء هذا الاسم الرنان والمصاب بجنون العظمة "خطة القرن"، يختبىء الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني المخترع، وإعطاء أجزاء كبيرة من أرض إسرائيل، وتقسيم القدس وإقامة دولة فلسطين."
  • الخلاصة قاتمة. إذا كانت طريق الحكومة الإسرائيلية في الماضي مشوبة بالغموض، فإن هذه الطريق باتت الآن أوضح من أي وقت مضى: رؤيا أوسلو دُفنت، وجرى اختيار الأبرتهايد، وسيستمر الرد الإسرائيلي على "الإرهاب" الفلسطيني في تجاهُل جذور هذا "الإرهاب".