مع انسحاب إسرائيل من "قيَمها الليبرالية"؛ العلاقات مع أميركا تقترب من نقطة تحوُّل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في حال تنازلنا مسبقاً عن العناوين التاريخية والتمنيات وسيناريوهات الرعب في كل ما يخص العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، ونظرنا إلى مسار وديناميكية هذه العلاقات خلال الأعوام الماضية، فسنصل إلى استنتاج مفاده بأنها تقترب من نقطة تحوُّل. وهذا لا يحدث بسبب إيران، ولا السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، إنما بسبب حجر الأساس الذي حافظ على العلاقات منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وهو - "القيم المشتركة ذاتها".
  • تاريخ علاقات الولايات المتحدة وإسرائيل، كما تحالُف الـ50 عاماً بينهما، هو إلى حدّ ما قصة هندسة عكسية. في البداية، جرى تحديد الإطار الاستراتيجي للعلاقات ووضعت المضامين فيه في الفترة ما بين أواخر الستينيات إلى ما بعد "حرب الغفران" [حرب أكتوبر/تشرين 1973]، فيما يتعلق بالحرب الباردة، وكبح الاتحاد السوفياتي، وإقامة علاقات أمنية أشبه بالعلاقات بين رب العمل والزبون بعدها فقط، وبمفعول رجعي، تم صوغ سردية كاملة للبنية القيَمية والأيديولوجية.
  • الرئيسان هاري ترومان ودوايت آيزنهاور، اللذان كانا في المنصب منذ "إقامة الدولة" حتى سنة 1961، رفضا لقاء رئيس حكومة إسرائيلي. اللقاء الأول ما بين جون كينيدي ودافيد بن غوريون في أيار/مايو 1961، عُقد في فندق في نيويورك، وليس في البيت الأبيض في واشنطن. وفقط خلال ولاية ليندون جونسون (1963-1969)، بدأت العلاقات بالاستقرار، وسلكت مساراً سيؤدي إلى حلف.
  • بعد حرب "الأيام الستة"، وبصورة خاصة مع تثبيت المساعدات العسكرية لإسرائيل التي بدأها ريتشارد نيكسون بعد "حرب الغفران"، تمت كتابة الفصل التمهيدي الأول. الولايات المتحدة وإسرائيل هما ديمقراطيتان - شقيقتان. دولتان قامتا بتحدي التاريخ وضد مساره. مجتمعان كان طموحهما أن يكونا نموذجاً لمجتمع جديد: الولايات المتحدة هي "المدينة المشرقة على التلة"، وإسرائيل هي "الضوء للأغيار". مجتمعان من المهاجرين أقاما دولتين بهدف تصحيح "الغبن التاريخي"، واستندا إلى قيَم توراتية مشتركة. وفي مقابل الاستقطاب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط، بدأ يهود الولايات المتحدة في السبعينيات بالاقتراب من إسرائيل والتدخل في السياسة الأميركية. هذه المسارات التي اندمجت على المحور الزمني صاغت الحلف الأميركي - الإسرائيلي.
  • وبهدف تعميق وتقوية الحلف، تطورت رؤية "القيم المشتركة" بالتدريج. من المؤكد أن هناك مصالح جيوسياسية مشتركة، وتعاوناً استخباراتياً وتكنولوجياً ضد "الإرهاب"، والتزاماً أميركياً صلباً بأمن إسرائيل، ومنع أي تهديد وجودي لها. ولكن هذا كله ليس مجرد حلف، إنما بناء رائع يستند إلى أساسات قيَمية قوية.
  • قضية الأراضي المحتلة ومسألة الدين والدولة شكلتا التصدعات الأولى في العلاقة، لكن الولايات المتحدة وإسرائيل استطاعتا إغلاقهما حتى بعد أن توسعتا. الوضع تغيّر بعد قيام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بسلسلة من الخطوات المقصودة خرج فيها عن المبدأ القائل إن "دعم إسرائيل هو مكان إجماع بين الحزبين"، وإن إسرائيل لن تكون أبداً مكان خلاف سياسي. بدأ هذا من خلال غزله مع الإنجيليين أثناء ولاية كلينتون، واستمر في ابتعاده الوقح عن الحزب الديمقراطي في الوقت الذي يصوّت له نحو 75% من يهود أميركا، وسجّل رقماً قياسياً إضافياً خلال خطابه في سنة 2015 أمام الكونغرس ضد الاتفاق النووي مع إيران، خطاب تم ترتيبه من دون عِلم الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن، ووصل ختاماً إلى تصريحات الحب لدونالد ترامب. وعلى الرغم من التهذيب الذي تبديه الإدارة منذ تأليف الحكومة الجديدة، فإن تركيبتها وتوجهاتها تُقلق الولايات المتحدة كثيراً.
  • في نظر واشنطن، إسرائيل الآن هي في مسار الانسحاب من ديمقراطية ليبرالية إلى نظام سلطوي يتم فيه خرق - وليس إصلاح - مبدأ الفصل ما بين السلطات. ففي الوقت الذي تحاول أميركا تصحيح المسار بعد سنوات حُكم ترامب و"الترامبية" - إسرائيل اختارت المسار العكسي. القصة ليست قصة "فقرة التغلب"، أو مسار تعيين القضاة، أو توازناً جديداً ما بين المؤسسات. ففي هذه الأمور أميركا لم ولن تتدخل. الحديث يدور عن مسار كامل تنظر إليه واشنطن مصدومة، ويتضمن تركيبة الائتلاف لحكومة نتنياهو، والخطوط العريضة للحكومة، والتصريحات بخصوص السياسة الاستيطانية والتفوق الإثني اليهودي، إلى جانب تقليص الرقابة القضائية للمحكمة العليا بشكل كبير. "الديمقراطية الإسرائيلية لن تنجو من حكومة نتنياهو"، هذا ما بشّر به عنوان الصحيفة الأسبوعية "التايم"، قبل أسبوعين.
  • وبافتتاحية غريبة من شدة إهمالها، تساءلت صحيفة "وول ستريت جورنال": مَن يهدد الديمقراطية الإسرائيلية؟ وأجابت بنفسها بأن أحكام المحكمة العليا في إسرائيل بحد ذاتها تبرر "الإصلاحات"، وذلك لأنها "تلغي قوانين غير معقولة". وهذا أمر غير صحيح، وفي كل الأحوال، لم تكلّف الصحيفة نفسها الفحص، أو التشاور مع خبراء قانونيين إسرائيليين، قبل نشر هذه التفاهة. المهم أنه بالنسبة إلى أحدهم، ومن دون أهمية لموقعه من المحيط، كان من المهم أن يحاول تبرير خطة ليفين وخطة نتنياهو لتغيير النظام في نظر الأميركيين، لدرجة أنه أقنع "الوول ستريت جورنال" بنشر افتتاحية كهذه.
  • هذا المقال جاء بالأساس في أعقاب مقال نقدي حادّ كتبه توماس فريدمان في "نيويورك تايمز" قبل ذلك بثلاثة أيام. وبحسب فريدمان، فإن الرئيس بايدن هو "الوحيد القادر على إيقاف نتنياهو وحكومته المتطرفة عن تحويل إسرائيل إلى قلعة حاقدة غير ليبرالية"، حيث "وزراء كثُر في الحكومة يعادون قيَم الولايات المتحدة."
  • إسرائيل ليست موضوعاً تريد إدارة بايدن الانشغال به. بالنسبة إليهم الوضع المثالي هو ألّا يسمعوا عن إسرائيل حتى الانتخابات المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، إلاّ إن حكومة نتنياهو تفرض نفسها على جدول أعمالهم، إن كان في الساحة الدبلوماسية القضائية الدولية، أو في سيناريوهات التصعيد في الضفة، وحتى مع إيران. السؤال الآن هو هل ستستمر أميركا في التجاهل، أم ستضع إشارات حمراء واضحة لنتنياهو.

 

 

 

المزيد ضمن العدد