أعادت مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين أمس (الأحد) إنشاء عدد من المباني الموقتة على أراضي قرية جوريش الفلسطينية في شمال الضفة الغربية، في محاولة جديدة لإقامة البؤرة الاستيطانية "أور حاييم" ["ضوء الحياة"] التي كان الجيش الإسرائيلي فكّكها يوم الجمعة الماضي، بعد أقل من 24 ساعة على إقامتها، وذلك بناءً على أوامر صادرة عن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت [الليكود]، وبدعم من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وسط معارضة قوية من مندوبي تيار "الصهيونية الدينية" في الحكومة، ولا سيما من الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
وذكر بيان صادر عن الناطق بلسان الشرطة الإسرائيلية أن قوة من حرس الحدود هرعت إلى المكان واعتقلت 7 من المستوطنين على ذمة التحقيق.
وكان وزير المال الإسرائيلي سموتريتش وجّه اتهامات إلى وزير الدفاع غالانت ادّعى فيها أن هذا الأخير أصدر أوامر بتفكيك تلك البؤرة الاستيطانية غداة إقامتها، على الرغم من أن "الإدارة المدنية" في الضفة تقع ضمن مسؤوليات سموتريتش، وفقاً للاتفاقية الائتلافية مع الليكود.
ويشغل سموتريتش منصب وزير المال إلى جانب منصب وزير في مكتب وزير الدفاع يكون مسؤولاً، بموجب الاتفاقيات التي قادت إلى تشكيل الائتلاف، عن "الإدارة المدنية" التي كانت تابعة للجيش في السابق، وهو ما يمنحه سلطات واسعة على المستوطنات الإسرائيلية وأعمال البناء الفلسطينية في الضفة الغربية.
وقاطع وزراء حزب "الصهيونية الدينية"، الذي يترأسه سموتريتش، الاجتماع الأسبوعي للحكومة أمس، احتجاجاً على تفكيك هذه البؤرة الاستيطانية العشوائية.
وبالإضافة إلى سموتريتش، لدى حزب "الصهيونية الدينية" وزيران آخران في الحكومة هما أوفير سوفير وزير الهجرة والاستيعاب، وأوريت ستروك وزيرة الاستيطان والمهمات القومية.
وقالت مصادر مسؤولة في حزب "الصهيونية الدينية" إن غالانت يؤخر إقامة الإدارة التي من المفترض أن تسيطر على "الإدارة المدنية" ونقل الصلاحيات الجديدة من الجيش إلى سموتريتش. وأضافت هذه المصادر أنه إذا لم تُحل الأزمة، أو لم يكن هناك تقدُّم على الأقل، فإن احتمال تغيُّب نواب الحزب عن التصويت في الكنيست سيكون قائماً.
ودعت وزيرة الاستيطان والمهمات القومية ستروك إلى التحرك لتطبيق القانون بشكل متساوٍ، عبر هدم مئات البيوت الفلسطينية التي تم تشييدها في الأعوام الأخيرة في مناطق مختلفة من الضفة الغربية المصنفة كمناطق ج وتُعتبر أراضي دولة، وادّعت أن الفلسطينيين يقومون بعملية بناء غير قانونية من دون تراخيص، وسط محاولة للاستيلاء على أراضي الدولة.
وشدّدت ستروك على أن الحكومة الإسرائيلية ستسعى لتسريع الاعتراف بعشرات البؤر الاستيطانية التي أقامها المستوطنون وتسهيل عمليات البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، وذلك بناءً على الاتفاقيات الائتلافية الموقّعة، والتي على أساسها تم تأليف الحكومة الحالية.
في سياق متصل، شهد اجتماع الحكومة أمس مشادة بين نتنياهو ووزير الأمن القومي ورئيس حزب "عوتسما يهوديت" ["قوة يهودية"] إيتمار بن غفير، أعلن خلالها هذا الأخير اعتراضه على إخلاء البؤرة الاستيطانية، وطالب بهدم المزيد من المنازل الفلسطينية في الضفة الغربية، بحجة أنها أقيمت من دون ترخيص، وردّ نتنياهو على بن غفير قائلاً: "إننا نطبّق القانون بشكل متوازن، وقد قمنا اليوم بهدم 3 منازل فلسطينية مخالفة." وأخرج بن غفير قائمة كان أعدّها مسبقاً، تظهر فيها منازل يزعم أن الفلسطينيين بنوها بشكل غير قانوني، مطالباً بهدمها، وفي الوقت ذاته بإخلاء سكان قرية "الخان الأحمر" البدوية شرقي القدس.
وكان مكتب الوزير سموتريتش أصدر بياناً بالتزامن مع قيام قوات الجيش بتفكيك البؤرة الاستيطانية يوم الجمعة الماضي قال فيه: "أصدر الوزير سموتريتش أمراً هذا الصباح، وفقاً لصلاحياته، لرئيس الإدارة المدنية بوقف الإخلاء وعدم اتخاذ أي إجراء حتى يتمكن من إجراء مناقشة بشأن الموضوع في بداية الأسبوع، إلا إن وزير الدفاع غالانت أمر بالمضي قدماً في عملية الإخلاء، على الرغم من الأمر، ومن دون التشاور مع الوزير سموتريتش، وبما يتعارض تماماً مع الاتفاقيات الائتلافية التي تشكل أساس وجود الحكومة."
وقد مُنح سموتريتش بعض السيطرة على الإدارة المدنية، وهي هيئة وزارة الدفاع التي تصرّح بالبناء في الضفة الغربية. ومع ذلك، في حالات مثل حالة يوم الجمعة، والتي يتم فيها إنشاء بؤرة استيطانية غير قانونية بين عشية وضحاها، فإن المستوى العسكري، وليس المدني، هو الذي يملك صلاحية إصدار الأوامر بتفكيك البؤرة الاستيطانية. والشخصيات العسكرية ذات الصلة في هذه الحالة هي قائد قيادة المنطقة العسكرية الوسطى للجيش الإسرائيلي ورئيس هيئة الأركان العامة، وهما تابعان لغالانت، وليس لسموتريتش. ويتغير تسلسُل القيادة فقط، بعد أن يُسمح للبؤرة الاستيطانية بالبقاء في موقعها لفترة طويلة من الزمن.
كما دعا وزير الأمن القومي بن غفير غالانت إلى وقف عملية الإخلاء. وقال: "ليس من الصواب أنه عندما يبني العرب بشكل غير قانوني في يهودا والسامرة، فإن الإدارة المدنية لا تلتزم بالقانون، ولكن عندما يتعلق الأمر باليهود يأتون في غضون ساعات لتدمير البؤرة الاستيطانية."
في المقابل، أفاد بيان صادر عن مكتب وزير الدفاع غالانت بهذا الشأن بأن "الحكومة تدعم المستوطنات، لكن فقط عندما يتم ذلك بطريقة قانونية، وبالتنسيق مع رئيس الحكومة وجهاز الدفاع، وهذا لم يحدث."
من ناحية أُخرى، أشادت حركة "السلام الآن" المناهضة للاستيطان بقوات الجيش لتنفيذها عملية تفكيك البؤرة الاستيطانية المذكورة، لكنها في الوقت عينه أشارت إلى أن ما تمّ هدمه هو مجرد نقطة في بحر، بالنظر إلى أن هناك نحو 150 بؤرة استيطانية غير قانونية منتشرة في أنحاء الضفة الغربية.