تغيير المسؤولية عن "الإدارة المدنية" و"منسّق شؤون الحكومة" في الضفة الغربية: إسقاطات استراتيجية
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي

من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • منذ تأسيسها - بعد "حرب الأيام الستة" [حرب حزيران/يونيو] بوقت قصير - تتمتع وحدة "منسّق شؤون الحكومة في الضفة - المنسّق" بمكانة استثنائية: تقوم، في أغلبيتها، على جنود من الجيش (وضمنهم قيادتها)، تحت صلاحية وزير الدفاع، وتهتم بالقضايا "المدنية" التي تتعلق، في معظمها، بالمجتمع الفلسطيني في الضفة. هذا ما يعكس، إلى حد بعيد، القرار الإسرائيلي المستمر في عدم حسم موضوع الضفة، والرغبة في الحفاظ على سيطرة أمنية في المنطقة، وفي الوقت نفسه "تلبية حاجات" المجتمع الفلسطيني.
  • ثمة محطتان تاريخيتان صاغتا وحدة "المنسّق": الأولى في سنة 1981- حينها، ومع اتفاقيات "كامب ديفيد" التي تضمنت خططاً لإنشاء حكم ذاتي ثقافي فلسطيني في الضفة، تم إنشاء "الإدارة المدنية" التي تم فصلها عن "الحكم العسكري"، وكان يُفترض أن تكون نواة الحكم الذاتي الفلسطيني؛ أما الثانية، فكانت إقامة السلطة الفلسطينية في سنة 1994، حينها، توقفت السيطرة الإسرائيلية في مراكز المدن، وتم تقليص مسؤولية إسرائيل عن مناطق واسعة في الضفة، وتفكيك "الإدارة المدنية" في قطاع غزة، حيث امتنعت إسرائيل هناك من السيطرة المباشرة على المجتمع الفلسطيني (في الضفة استمرت السيطرة في مناطق "ب" و"ج").
  • عملياً، وحدة "منسّق شؤون الحكومة في الضفة" هي القائم بأعمال إسرائيل في الضفة، وهي منطقة لا يزال وضعها غير معرّف منذ نحو 55 عاماً. الوحدة مسؤولة عن جميع المجالات التي تسمح بنمط حياة "مدني" في الضفة (وبصورة محدودة في غزة): بدءاً من التزويد بالحاجات الأساسية وتفعيل البنى المدنية الضرورية (ماء، كهرباء، غاز، هاتف، بريد، وغيرها)، مروراً بإصدار "تصاريح" العمل والتجارة والخطط في مجال الصناعة والتجارة والاقتصاد، وصولاً إلى التنسيق مع منظومة الأمن الفلسطينية، إلى جانب الخدمات لـ"المجتمع" الإسرائيلي الذي يسكن في الضفة (نحو 480 ألفاً)، وتنسيق عمل الجهات الأجنبية التي تنشط في الضفة (دبلوماسيون، مساعدات، اتصالات، شؤون دينية، وغيرها). وبذلك، فإن "المنسّق" يشكل مركّباً أساسياً في الحياة في الضفة، كما في حفظ الاستقرار الاستراتيجي في المنطقة نفسها.
  • إن التغيير المتوقع في المسؤولية الهرمية عن "المنسّق" و"الإدارة المدنية" في الحكومة المقبلة (تحويل الصلاحية إلى وزير المال، أو وزير من طرفه في وزارة الدفاع)، ليس خطوة رمزية، بل خطوة لها إسقاطات استراتيجية. الحديث يدور حول التغيير الأول والوحيد الذي سيحدث في المكانة التنظيمية لهذه الجهات منذ تأسيسها، ومن خلاله، سيتم نقل هذه الصلاحية من وزير الدفاع - المسؤول أيضاً عن الجيش، وهو ما يسمح بتنسيق بينه وبين "المنسّق" بدرجة عالية - إلى مسؤولية وزير غير مسؤول عن القضايا الأمنية.
  • من المتوقع أن تكـون لهـذه الخطـوة ثلاثـة إسـقاطات استراتيجية مركزية: 1- فجوة في مجال السيطرة والقيادة تنبع من حقيقة أن الجهة التي تأسست وتخضع للجيش ستكون تحت مسؤولية جهة غير أمنية. والتنسيق الذي سيستمر مع وزير الدفاع، والتأكيد أن رئيس الحكومة سيكون السلطة العليا التي تصادق على الخطوات في السياق الفلسطيني، يمكنهما التقليل من التوترات والفجوات المتوقعة، لكنهما لن يمنعانها كلياً، وهو ما يمكن أن يـؤدي إلى عـدة مشاكـل في المجالات الأمنية والسياسـية والمدنية. 2- الفجوة في مقابل الفلسطينيين بسبب تغيير العنوان في الجانب الإسرائيلي، والاحتمال (المتوقع) أن يقلل الوزير، من طرف "الصهيونية الدينية"، من انشغاله بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، أكثر ممن سبقوه (حتى أنه يمكن أن يرفض لقاء ممثليها). ومن المتوقع أن يتم فصل صلاحيات المنسّق بخصوص الدفع قدماً بالاستيطان الإسرائيلي و"تطويره" (يبدو أن وزير المال سيركز عليه) عن صلاحيته بالتواصل مع الفلسطينيين، والتي ستبقى بيد وزارة الدفاع، على ما يبدو. وهو ما يمكن أن يكون بداية إشكاليات تواصُل خطِرة داخل المنظومة الإسرائيلية، وبينها وبين الفلسطينيين. 3- استياء في أوساط المجتمع الدولي، وخصوصاً في حال تركزت أعمال "المنسّق"، بالصيغة الجديدة، على "تطوير" وتوسيع البناء الاستيطاني الإسرائيلي، الأمر الذي سيعزز الاتهامات ضد إسرائيل من طرف جهات سياسية غربية. وبحسب هذه الجهات، فإن التغيير البنيوي المتوقع يمكن أن يسمح بـ"ضم فعلي" لأجزاء من الضفة (بالأساس مناطق "ج")، من دون إعلان رسمي، أو خطوات قانونية منظمة.
  • إن التغيير في الأنظمة الذي أقر، من المفترض أن يحل المعضلات العميقة والقديمة في كل ما يخص السياسة الإسرائيلية تجاه الضفة ومكانة القانون الإسرائيلي فيها. الادعاء القائل إن "المواطنين" الإسرائيليين، الذين يعيشون ما وراء الخط الأخضر، يستحقون الحصول على خدمات مشابهة لتلك الموجودة داخل الخط الأخضر، وأنه من غير المنطقي أن يمدهم جسم عسكري غير مدني بهذه الخدمات، يستحق النقاش. لكن التغيير السريع والحاد في الواقع الموجود منذ أكثر من نصف قرن - من دون تخطيط استراتيجي معمّق - من الممكن أن يكون ممتلئاً بالأضرار، بالنسبة إلى إسرائيل، على الصعيد الاستراتيجي. وأكثر من ذلك، فإن التغيير المتوقع في البنية التنظيمية يلتف بطريقة غير مباشرة على سؤال صعب يحتاج إلى حوار وقرارات مصيرية: هل تنوي إسرائيل ضم جزء من الضفة، أو كلها؟ وهو ما يُعرف بأنه الهدف المركزي لـ"الصهيونية الدينية" (التي صرّحت قياداتها أكثر من مرة برغبتها في تفكيك الإدارة المدنية، كجزء من خطة للضم).
  • لدى الحكومة المقبلة رؤية فكرية وأهداف واضحة مشتقة منها تريد تطبيقها، لكن في الوقت نفسه، عليها الاعتراف بالحالة الفلسطينية المتزعزعة اليوم، والتي يمكنها أن تتحول إلى تهديد استراتيجي حاد. إن القيام بتغييرات حادة بعد وقت قصير من تأليفها، وخصوصاً في كل ما يخص موضوع توسيع المستوطنات، وتغيير المكانة القانونية للمستوطنات في الضفة، وكذلك إسقاط عقوبات ومحددات على السلطة الفلسطينية، يمكن أن يؤدي إلى تصعيد حاد أكثر من القائم في الضفة خلال نصف العام الماضي، وبصورة خاصة في شمالها.
  • من المفضل للحكومة المقبلة - على الأقل خلال الأشهر الأولى من ولايتها- أن تستمر في الحفاظ على الوضع القائم، بدلاً من تغييره بسرعة، وخصوصاً في كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى والعلاقة بالسلطة الفلسطينية (ومن المفضل الامتناع من بث إعلانات بخصوص تفكيكها، والأسوأ اتخاذ خطوات بهذا الاتجاه)، وضمنه محددات اقتصادية تضر بنمط حياة المجتمع الفلسطيني وتدفعه باتجاه الانضمام إلى دائرة "العنف"، وهو ما نجحت إسرائيل في منعه من خلال أدوات اقتصادية حتى اليوم.
  • على الحكومة المقبلة فهم الأبعاد المختلفة للسياق الفلسطيني، وفي أساسها الاعتراف بأن الواقع في الضفة الغربية يمكن أن يؤثر بسرعة، وسلبياً، في ساحات أخرى، كقطاع غزة والمجتمع العربي في إسرائيل، بالإضافة إلى أنه يمكن أن يضع عوائق في علاقات إسرائيل مع المجتمع الدولي، بشكل يضر بمكانتها السياسية وصورتها، وكذلك بقدرتها على التركيز على التهديد الإيراني (وخصوصاً في سياقه النووي)، والأصعب الدفع قدماً بخطوات للتعامل معه.