عامان على التطبيع مع المغرب: كيف يمكن الحفاظ على قوة الدفع الإيجابية؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • أحد التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة في إسرائيل، هو الحفاظ على قوة الدفع الإيجابية في التطبيع الثقافي- الديني مع المغرب. فمنذ إعلان تجديد العلاقات بين الدولتين في 22 كانون الأول/ديسمبر 2020، سرّعت المملكة جهودها لإحياء الإرث اليهودي المغربي، بدءاً من ترميم مئات المواقع الأثرية اليهودية، مروراً بالقرار الحكومي بتثبيت مكانة الجالية اليهودية في الدولة، وصولاً إلى فتح كنيس - الأول من نوعه في العالم العربي، القائم داخل جامعة.
  • الالتزام المغربي بحياة يهودية - إسلامية مشتركة ينعكس جيداً أيضاً في متحف "بيت يهودا" الذي تم افتتاحه في شهر آب/أغسطس الأخير في كنيس أسييغ، طنجة- وهو المتحف اليهودي الثالث في الدولة، والثاني الذي تم افتتاحه خلال سنة 2022، بدعم مباشر من ملك المغرب محمد السادس. هذا المشروع، الذي أُقر تمويله منذ سنة 2019، كما "اتفاقيات أبراهام"، ينبعان من رواية قومية واحدة: الهوية القومية والتاريخية المتعددة الثقافات للمغرب.
  • تتميز طنجة من غيرها من المدن المغربية بالحي المنفصل الخاص باليهود (ملاح). هذه الحقيقة تعكس نهضة الجالية اليهودية في المدينة ومساهمتها المهمة لكافة السكان، وضمنها إقامة مستشفى وتبادُل تجاري مع دول أوروبا. أغلبية اليهود، الذين عاشوا في طنجة وكان عددهم 18000، هاجرت في الخمسينيات من القرن الماضي، في أعقاب إقامة "دولة إسرائيل". اليوم يبقى هناك نحو 30 يهودياً فقط، أغلبيتهم من كبار السن، إلّا إن التزامهم بصورة المدينة كنموذج للتعايش بين الأديان بقي على حاله.
  • جدران المتحف الطويلة مزينة بحاجات يهودية طنجية - كتب توراة قديمة، مخطوطات، خرائط وأعمال حرفية. صونيا كوهين أزغوري، إحدى قيادات الجالية اليهودية في المدينة، كانت المسؤولة عن إقامة المتحف، بعد أن حافظت لسنوات طويلة على بقايا الإرث اليهودي من بيوت العبادة القديمة، التي لا تعمل اليوم. وبحسب أزغوري، فإن المزيج بين الرموز العبرية والفرنسية والحيكية (لهجة إسبانية تكلم فيها يهود شمال المغرب)، إلى جانب تصميم إسلامي مغربي - جميعها تضع الزائر في بيئة ثقافية يهودية ومغربية، تستمد قوتها من البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.
  • مساهمة الملك في ترميم "بيت يهودا" تبرز منذ الدخول إلى المتحف، هناك وُضعت لافتات تصف مسار الترميم، إلى جانب رسالة خاصة بتوقيع الملك محمد السادس، الذي يصرّح بمسؤوليته عن حماية جميع الجاليات الدينية والإثنية في الدولة، وبينها اليهودية.

"اليهود هم أبنائي، كما كل المغربيين"

  • التوجه الإيجابي لدى المغرب بكل ما يخص الإرث اليهودي يرتبط بهويته القومية وبالعلاقة القريبة التي تشجعها الدولة مع كافة الجاليات المغربية في العالم. وعلى مدار التاريخ، كان لدى الجالية اليهودية في المغرب علاقات جيدة مع الأغلبية المسلمة، وكان ملوك المغرب متسامحين معها ومع أبنائها. فمثلاً، أشار الملك الحسن الثاني، والد الملك الحالي، خلال مناسبات مختلفة إلى أن اليهود هم جزء لا يتجزأ من المغرب، ووجودهم في الدولة كان قبل وصول الإسلام.
  • هذه اللهجة ليست مخصصة لآذان الجالية اليهودية أو للمستمعين الإسرائيليين. فخلال افتتاح مؤتمر دولي في مدينة فاس خلال تشرين الثاني/نوفمبر، تحدث المستشار اليهودي للملك محمد السادس أندرا أزولاي باسم الملك. وبحسب ما قال الملك، فإن جده دافع عن يهود بلاده في مواجهة البربرية النازية، ووالده عزز روح الأخوّة بين يهود المغرب والمسلمين، وهو يعمل للحفاظ على إرث يهود المغرب وتقويته.
  • لذلك، فإن العلاقة مع الديانة اليهودية هي جزء من مشروع واسع أكثر للعائلة المالكة: تعزيز الهوية القومية التي تتميز بالانفتاح الديني والثقافي والإثني. هذا التوجه واضح في دستور الدولة منذ سنة 2011، الذي يقر بأن "وحدة المغرب هي نتاج صَهر مكونات عربية - إسلامية، بربرية (أمازيغية) وصحراوية، يغنيها التأثير الأفريقي، الأندلسي، العبري والمتوسط."
  • تستثمر المغرب جهوداً كبيرة في تقوية العلاقات مع الجاليات المغربية في العالم. وبحسب التقديرات الرسمية، يصل عدد الشتات إلى نحو 5 ملايين نسمة (نحو 15% من مجمل عدد المغربيين). الإسرائيليون من أصول مغربية، الذين يصل عددهم إلى 800 ألف تقريباً، يتم التعامل معهم كجزء من هذا الشتات، ويشكلون الجالية الثانية بعد الفرنسية من حيث العدد. فمنذ سنة 1956، وفي أعقاب هجرة يهود المغرب إلى إسرائيل، قال الملك محمد الخامس إن "اليهود أبنائي، كبقية المغاربة".
  • إلى جانب الحسابات التاريخية، تنبع جهود الحفاظ على الإرث اليهودي في المغرب من دوافع آنية أيضاً. فعلى الرغم من أن المغرب رمّم مواقع تاريخية يهودية قبل تجديد العلاقات مع إسرائيل، فإن هذا التوجه تمت تقويته، بسبب الرغبة في استهداف السياحة الإسرائيلية إلى المملكة. مدير عام وزارة السياحة القومية المغربية عادل الفقير قال إن المغرب يطمح إلى مضاعفة عدد السياح الإسرائيليين الذين يصلون إليه بثلاثة أضعاف - من 70 ألفاً إلى 200 ألف.
  • بُعد آخر لتطوير الإرث اليهودي - المغربي هو تقوية شرعية الملك الذي يحمل لقب "أمير المؤمنين" أيضاً. يحصل الملك على هذا اللقب من الدستور الذي يستمد منه شرعيته، ومن خلاله يكون مسؤولاً عن الحفاظ على الانفتاح الديني في المجتمع المغربي. وكما يقول الملك عادة "بصفتي المسؤول عن المؤمنين - جميع المؤمنين - وظيفتي هي ضمان حرية العبادة في مملكة المغرب."

الجانب الفلسطيني من العملة

  • هناك بُعد إضافي للقب "أمير المؤمنين"، وفي حالات معينة يمكن أن يؤثر في العلاقات مع إسرائيل. فإلى جانب التزام القصر بتطوير الإرث اليهودي، هو مُلزَم أيضاً بالقضية الفلسطينية والقدس. حتى الآن، استطاع المغرب أن يناور بنجاح ما بين توترات كلّ من التزاماته. كأسلافه، الملك محمد السادس يولي الموضوع الفلسطيني أهمية كبيرة ويلتزم بذكره. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وفي ظهور علني نادر، ألقى خطاباً بمناسبة يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، شدد فيه - وليست المرة الأولى- على دعمه لحقوق الشعب الفلسطيني وحل الدولتين.
  • لملك المغرب أيضاً وظيفة ثابتة كرئيس لـ"لجنة القدس" في منظمة التعاون الإسلامي، لذلك أيضاً، تقع على عاتقه مسؤولية تجاه المواقع الإسلامية المقدسة والجاليات الإسلامية في المدينة. هذه الصفة أيضاً تمنح الملك المغربي تأثيراً واسعاً في الخطاب الإسلامي بكل ما يخص الصراع العربي- الإسرائيلي، وتشكل مرساة دينية لشرعية الملك. وكذلك تسمح هذه الصفة للملك بتخفيف حدة الخطاب الديني ضد إسرائيل، وفي الوقت ذاته تضع عليه ضوابط بكل ما يخص قدرته على الدفع قدماً بالتطبيع معها في أوقات التصعيد.
  • وإلى جانب هذا كله، التزام العائلة المالكة المغربية بالموضوع الفلسطيني وحقوق المسلمين في القدس هو تعبير عن الرأي العام الشعبي في المغرب وفي بقية الدول العربية: خلال المونديال في قطر، عندما رفع الكثير من الجماهير العربية علَم فلسطين، على الرغم من عدم وصول منتخب فلسطين إلى المونديال، ذهب منتخب المغرب إلى أبعد من ذلك ورفَع علَم فلسطين (إلى جانب العلم المغربي) بعد فوزه.
  • حاجة النظام المغربي إلى إبراز دعمه للقضية الفلسطينية ازداد منذ إعلان تجديد العلاقات مع إسرائيل، في ظل الاتهامات الموجهة إليه بخيانة الفلسطينيين. لذلك، ففي أوقات التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين، يغدو الحفاظ على الحيادية لوقت طويل صعباً.

توصيات سياسية

  • قوة الدفع الإيجابية بالعلاقات المغربية الإسرائيلية ليست مفهومة ضمناً في ظل التحديات القائمة، وعلى رأسها علاقات المغرب مع الفلسطينيين. قضية أُخرى يمكنها أن تؤثر في العلاقات هي اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. هذه قضية مركزية في السياسة الخارجية المغربية، التي تتوقع موقفاً واضحاً داعماً من طرف حلفائها، وضمنهم إسرائيل. على الحكومة الجديدة استثمار جهود كبيرة في الحفاظ على دافع التطبيع. ومن هنا يشتق بعض التوصيات السياسية:
  • أولاً، على إسرائيل أن تتفهم مكانة الملك المغربي الحساسة في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتأثير هذا في العلاقات الإسرائيلية- المغربية. الخبرة تدلل على أنه في أوقات التوتر، كما خلال التطورات التي يتم التعامل معها على أنها تهديد للوضع الديني القائم في شرقي القدس، يمكن أن يحدث تأثير سلبي في العلاقات الإسرائيلية - المغربية. لذلك، على الحكومة الجديدة أن تكون حذرة إزاء كل ما يخص تعزيز التوترات الدينية في القدس، وأن تتجهز لمنع سيناريوهات توتُّر ممكنة. وفي الوقت ذاته، بسبب مكانة المغرب المميزة بكل ما يخص الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، من المفضل أن تبحث الحكومة عن طرق يمكن من خلالها أن يقوم الملك بدوره الإيجابي أكثر في المدينة، بالتنسيق مع إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية.
  • ثانياً، على إسرائيل والمغرب الاستمرار في الاستناد إلى الإرث المشترك كأداة لتطوير العلاقات، وبصورة خاصة في المجالات المدنية، وضمنها الرياضة والأكاديميا والفن والثقافة، حيث العلاقات البشرية ضرورية. بذلك يمكن الاستفادة من العلاقة الثقافية التي يتشاركها كُثر في الدولتين من أجل تقوية الحوار والعلاقات.
  • التوصية الأخيرة مرتبطة بروح "اتفاقيات أبراهام" و"قيَم التسامح" الموجودة فيها. التطرف الديني يصعّب تطوير الحوار والاحترام المتبادل. لذلك، سيكون من المهم أن تشجع الحكومة الجديدة الحوار بشأن الانفتاح الديني والثقافي في المغرب، وتبحث بجدية خطوات سياسية لتطوير الحوار بين الأديان والتعايش اليهودي - الإسلامي في إسرائيل، وبين إسرائيل وجاراتها. هذه السياسة ستساعد على تشجيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية والإسلامية في المنطقة، وأيضاً ستساعد المجتمع الإسرائيلي نفسه.