نظام الانتخابات الحالي مضر بإسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي
من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.
- تم تحليل نتائج الانتخابات الأخيرة في كُل الاتجاهات الممكنة تقريباً. ولكن، يبدو أن البُعد الوحيد الذي تم تحليل الانتخابات من خلاله، هو وجهة نظر اليمين السياسي أو اليسار السياسي. جميع المقالات والمواقف التي جرى التعبير عنها في وسائل الإعلام، تحلّل ما المفيد لنتنياهو أو ما السيئ لليسار. مجموعات قليلة مختلفة تصرخ بحق إلى حد ما، لتعبّر عن مخاوفها بخصوص مستقبلها في ظل الحكم الجديد. ولكن، تقريباً لا يوجد أي صوت يتطرّق إلى تداعيات نتائج الانتخابات والمفاوضات الائتلافية على دولة إسرائيل كدولة "ديمقراطية"، سيادية وحرّة، لا تزال بعد 74 عاماً من "الاستقلال" مرتبطة بعلاقاتها الاستراتيجية مع القوى العظمى، كالولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. وهذا، من دون أي علاقة للمواقف السياسية هذه أو تلك.
- بنية الانتخابات ونظامها الفاشل يدفعان بمن يتم اختياره لرئاسة الحكومة في كُل مرة من جديد، لإدارة مفاوضات ابتزازية بهدف إقامة حكومة، تصمد بالبقاء لفترة زمنية حتى سقوطها بيد عضو كنيست كهذا أو ذاك. وهذا يعني، أنه من أجل تشكيل حكومة، سيكون على رئيس الحكومة المنتخب أن يوافق تقريباً على كُل مطالب الأحزاب الصغيرة والمتوسطة. أحزاب، لم يتم اختيارها لتحكم وتقود، إنّما فقط لتمثّل فئة من المجتمع. أحزاب لا تمثّل أغلبية معيّنة في المجتمع، إنما مجرّد أجزاء من المجتمع. وهكذا يطلب من رئيس الحكومة الذي يمثّل أغلبية وفئات واسعة في المجتمع، الموافقة على سياسات لا تلائم أغلبية الشعب أو حاجاته فقط، إنما تسمح لحكومته بأن تقوم وتستمر.
- لفهم معنى الاتفاقيات الائتلافية الأخيرة وتأثيرها الهدّام في الدولة، سأحاول أن أقدّم بعض الأمثلة على المستقبل المتوقّع القريب، وليس بالضرورة من وجهة نظر سياسية أو موقف سياسي.
- يوجد في "دولة إسرائيل" قرابة الـ10 ملايين "مواطن". بينهم 6.8 ملايين صاحب حق اقتراع. ومن بين كل هؤلاء توزع التصويت للأحزاب المتوسّطة والصغيرة التي ستدخل الائتلاف على الشكل التالي:
- حصلت "الصهيونية الدينية" على نصف مليون صوت يشكّلون نحو 5% من مجمل المواطنين. داخل هذا الحزب، كان هناك 3 قوائم، واحدة منها تتضمن عضو كنيست واحد فقط (نوعام)، التي لم تعبر نسبة الحسم منفردة ولا مرّة. أمّا حزب "شاس" فحصل على نحو 390 ألف صوت يشكّلون نحو 3.8% من مجمل المواطنين. الأحزاب الحريدية حصلت على نحو 280 ألف صوت تشكّل سويًا 2.6% من مجمل المواطنين. وجميع هذه الأحزاب مجتمعة، وفي حساب تقريبي يشمل العائلات، فهي تشكل أقل من 20% من "المواطنين". ورغم هذه الحقيقة، يحصل مندوبوها على سيطرة كاملة بشأن كل ما يخص المستقبل الأمني، الاقتصادي والسياسي لدولة إسرائيل بشكل سيؤثر في كُل المواطنين.
- وزارة الدفاع مثلًا، سيكون عليها "استضافة" وزير إضافي بين جدرانها. وزير سيحصل على مسؤولية كاملة عن عمل منسّق أعمال الحكومة في الضفة و"الإدارة المدنية" التابعة لصلاحية الجيش. هذا الوزير، سيمثّل مواقف زعيمه سموتريتش، الذي بحسب تصريحاته، ينوي صوغ سياسات جديدة لسلوك إسرائيل في الضفة بشكل يحوّلها إلى جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل من دون أن يتم حسم ذلك بالاتفاقيات الدولية كما هو مطلوب في القرار 242 للأمم المتحدة. النتائج في هذه الحالة يمكن أن تكون هدّامة لإسرائيل والحديث هنا لا يدور عن مجرّد موقف سياسي. فوضع جهات عسكرية تحت سلطة وزارة مدنية وتطبيق القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية بشكل أحادي الجانب، معناه بحسب القانون الدولي، تحويل الاحتلال إلى حالة ثابتة على مناطق اعترف العالم كله بأنها واقعة تحت احتلال موقت وخاضعة للمفاوضات. معنى هذا الإعلان هو اتهام إسرائيل بشكل فوري بسلسلة طويلة من جرائم الحرب، وتوطين مواطنين في مناطق غير مسموح لهم الاستيطان فيها، وضم فعلي للمنطقة على عكس مواقف كُل دول العالم، ومن ضمنها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي وجميع الدول العربية التي لإسرائيل علاقات معها، وكذلك تلك التي يوجد مفاوضات للوصول معها إلى اتفاق سلام. هذا بالإضافة إلى أن وزير الدفاع وقائد هيئة الأركان المسؤولين عن المنطقة قانونياً، لن يستطيعا تحمّل مسؤولياتهما التي ستكون عملياً تحت سلطة جهات "مدنية" من طرف "الصهيونية الدينية". أغلبية المستوطنين في الضفة الغربية، الذين يعيشون اليوم بشكل "قانوني" اعترفت به الولايات المتحدة، سيتم اتّهامهم بأنهم مجرمو حرب. قيادات الجيش وقيادات الدولة سيتهمون بذلك، ومن الممكن إصدار أوامر اعتقال دولية بحقهم. وعلاوة على هذا كلّه، من المتوقّع أن يصل المجتمع الفلسطيني إلى نقطة توتّر وانفجار عنيف شامل ستمتد أضراره إلى المستوطنين، وأيضاً داخل "مناطق دولة إسرائيل".
- وفي مثل هذه الحالة المتوقّعة، لن يكون هناك أيضاً مستشارون قانونيون يمكنهم التحذير أو الدفاع عن خطوات دولة إسرائيل، وذلك لأن الوزير المخطّط تعيينه ينوي تعيين بعض المستشارين القانونيين من طرفه، سيصادقون من أجله على كُل خطوة، ولكن ليس من المؤكد نجاحهم في ذلك إزاء المجتمع الدولي. كذلك أيضاً قضاة المحكمة العليا الذين سيتم تعيينهم على يد الحكومة لن يقوموا بذلك.
- ماذا نتوقّع أيضاً؟ سلسلة من العقوبات الاقتصادية والسياسية من جانب أغلبية دول العالم إلى جانب إدانات واسعة من قِبل كل المؤسسات الدولية. هكذا مثلًا، من المتوقّع أن يوقف الاتحاد الأوروبي كُل استثماراته الاقتصادية والعلمية التي تصل قيمتها إلى مئات ملايين اليوروهات، في دولة إسرائيل. هكذا أيضاً، من المتوقّع أن تتخذ الإدارة الأميركية خطوات تحدّ من حرية حركة إسرائيل في الشرق الأوسط خاصة والدولية عامة.
- في الحالة المتوقّعة، لن تكون الدولة قادرة ولن ترغب في إخلاء مستوطنات "غير قانونية". وذلك لأن مقاتلي "حرس الحدود" الذين من المفترض بهم تطبيق هذه المهمات، سيكونون تحت سلطة وزير الأمن القومي، الذي يشكل توسيع المستوطنات في الضفة جزءاً من رؤيته. بحسب هذا النهج والقوانين الناتجة عنه، من المتوقّع أن يتم التعامل مع كل فلسطيني يهاجم يهودياً على أنه "إرهابي قاتل"، في الوقت الذي سيتم التعامل مع كُل يهودي يهاجم فلسطينياً على أنه "أعشاب ضالة" مطلوب إعادة تثقيفه من جديد.
- الآن بات واضحاً أنه وبأصوات 700 ألف ناخب فقط من مجمل مواطني دولة إسرائيل، تم حسم سياسات وطريقة تعامل دولة إسرائيل في السنوات المقبلة بشأن جميع المواطنين وأمام العالم أيضاً.
- الخطر الكامن بهذه الأحداث لا يتعلق باليمين أو اليسار. وهو أيضاً لا يتعلق بالإيمان الديني أو عدم الإيمان، بل هو مرتبط أساسًا بالموضوع البسيط جداً المسمّى "ديمقراطية إسرائيلية يهودية". العقل اليهودي اخترع طريقة فيها أقلية تقرّر إدارة الدولة بشأن أغلبية المواطنين ومواقفهم. هذه الطريقة لم تنجح في فترة خراب الهيكل الأول. ولا في فترة خراب الهيكل الثاني. ولم تنجح في سورية عندما حاولت أقلية السيطرة على الأغلبية، ولا في العراق، ولا في أي مكان آخر في العالم. وهذا لن ينجح بنهاية الأمر هنا أيضاً. السؤال الوحيد هو هل سينتهي هذا بانقلاب، انقلاب مدني، أو حرب أهلية.
- الأيام ستكشف القادم. المؤكد هو أنه من دون تغيير نظام الحكم بشكل دراماتيكي ونظام الانتخابات في دولة إسرائيل، الوضع سيكون أسوأ. إن المهمة الأولى للحكومة الإسرائيلية هي الدفع قدماً بتغيير النظام بكل مكوناته (سنفصّلها في مقالات لاحقة)، وإنقاذ الدولة من استمرار تدهور الوضع.
الكلمات المفتاحية