وماذا لو كانت جنى زكارنة صبياً؟
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- ماذا كان سيحدث لو كانت جنى زكارنة صبياً؟ جنى، الفتاة ذات الستة عشرة عاماً، كان لديها قطة بيضاء اسمها لولو، وبالتأكيد كان لديها أحلام أيضاً. منذ وقت قصير، التقطت صورة لها وهي تحمل يافطة كتبت عليها كلام مراهقة: "لا تتعب ولا تفكر مع جنى لأن المشكلات مع الفتيات كثيرة."
- قناص حائز على ميدالية و"خبير"، وفق ما كتبه أحد المراسلين العسكريين، ويفهم مهمته، هو الذي وضع حداً لمشكلات جنى وأحلامها بتسع رصاصات أطلقها عليها، اخترقت إحداها جمجمتها. كعادتهم، كرر بعض المراسلين العسكريين ما أملوه عليهم: جنى كانت "مخربة"؛ وكانت تلتقط صوراً وتعطيها للمخربين؛ كانت واقفة بالقرب من أحد المسلحين الذين أطلقوا النار على الجنود؛ ومع الأسف، بعد ذهاب كل الضباط، جنى قُتلت عن طريق الخطأ.
- الولايات المتحدة أرسلت تغريدة غاضبة، ووسائل الإعلام الإسرائيلية، على غير عادتها، لم تذكر شيئاً عن عملية القتل، القناة 13 استهلت نشرتها الإخبارية بالخبر، وهذا يُسجَّل لمصلحتها. وزير الدفاع أعرب عن "أسفه"، هذه الكلمة اللعينة والمشؤومة التي تقال في هذه المناسبات؛ ورئيس الحكومة "شارك في الحزن" على موتها، كما لو أنها توفيت بسبب المرض، من دون أن يذكر اسمها.
- حادثة واحدة من بين عشرات حوادث قتل الفلسطينيين تثير ضجة واهتماماً، وشيئاً من الحزن المفتعل. مقتل شيرين أبو عاقلة التي كانت مراسلة لقناة الجزيرة وتحمل جواز سفر أميركياً، وجنى زكارنة، لأنها فتاة.
- وماذا لو كانت جنى صبياً؟ ربما لما كنا سمعنا عن موتها، ولا عن حياتها. محمد نوري، هيثم مبارك، حسين طه، ضرار صالح، محمد سليمان، عودة صدقه، غيث يامين، أمجد الفايد، ثائر مسلط، قاسم حمامدة، محمد قاسم، سند أبو عطية، نادر ريان، محمد أبو صلاح، كلهم قتلى مجهولون. كلهم من عمر جنى، أولاد في الـ16 من العمر، وكلهم قُتلوا هذه السنة على يد الجيش الإسرائيلي. ولم يكن واحد منهم يستحق ذلك. الأولاد في السادسة عشرة من العمر يجب ألّا يموتوا. كان يمكن اعتقالهم كلهم، أو جرحهم إذا دعت الحاجة، لا قتلهم.
- مجتمع كإسرائيل يتمرغ بالموت، ويمجد كل ضحية يهودية ويرفعها إلى مناص الآلهة - كل مستوطن قتيل يصبح قديساً، وكل جندي تصبح حياته قدوة - هذا المجتمع يغلق قلبه منذ عشرات الأعوام إزاء آلاف الضحايا الذين يسقطون على يد الجيش الإسرائيلي من الأولاد والشيوخ والنساء والصحافيين والأطباء. مجتمع يكذب على نفسه، متذرعاً بعدد من الحجج، ويرفض وينكر ما يجب أن يكون صار واضحاً، وخصوصاً في الفترة الأخيرة، في أيام رئيس الأركان القاتل وحكومة التغيير: في السنة الأخيرة، الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود أطلقا النار على كل شيء يتحرك من دون أيّ تحمُّل للمسؤولية، ومن دون أيّ شعور بالذنب، وقبل وقت طويل من أن تسمع واشنطن ولاهاي باسم بن غفير.
- وفقاً لأرقام بتسيلم، 144 قتيلاً فلسطينياً سقطوا بنيران القوات الأمنية، بينهم 34 ولداً وشاباً. حدث هذا في السنة التي اعتبرتها إسرائيل هادئة نسبياً، بينما كانت بالنسبة إلى الفلسطينيين السنة الأكثر فتكاً منذ سنة 2014.
- يجب أن نتحدث عن ذلك، لكن لا يوجد مَن نتحدث معه، وقبل كل الموضوعات المحتدمة، ولكن مَن؟ إسرائيل لا تريد أن تسمع، ولا أن تعرف. بتسلئيل سموتريتش ليس هو المشكلة، وأيضاً ليس بن غفير. الأرضية التي مهّدت لقساوة القلب هذه، جرى إعدادها منذ وقت طويل قبل مجيئهما، والآن، الكل يصرخ: ماذا سيجري؟
- قبل كل شيء، يجب أن نسأل ما الذي جرى؟ ما جرى هو أن قناصاً قتل فتاة في الـ16 من عمرها على سطح بيتها في مدينة فلسطينية اقتحمتها قوات الاحتلال، لا يؤثر في أيٍّ من الناس. جنى صبية عثر أهلها عليها وهي غارقة بالدماء التي تسيل من رأسها بين خزانات المياه على السطح. لو كانت جنى صبياً، ربما لما سمعنا عنها.