المونديال في قطر أثبت أن الطريق إلى ما بعد القومية لا تزال طويلة
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • المشاهدات العالية لمباريات المونديال مع مئات الملايين من المشاهدين يومياً أظهرت مرة أُخرى أن المونديال ليس منافسة على لعبة كرة القدم فحسب، بل هو محرك لنمو الهوية الوطنية بصورة كبيرة، على عكس فكرة العولمة الوطنية والثقافية. خلال الأسابيع الأخيرة، جرى نقل 4 مباريات في كل مساء، وعرضت القنوات احتفالات الجماهير المؤيدة لبلادها وأوطانها. وحتى الصمت المدوي تحول إلى تعبير عن موقف وطني. على سبيل المثال، عندما قرر لاعبو المنتخب الإيراني عدم المشاركة في إنشاد النشيد الوطني الإيراني، تعبيراً عن تضامنهم مع المتظاهرين في بلدهم.
  • في المونديال، هناك رابحون وخاسرون، لكن هناك هزيمة واحدة موجودة في الخلفية: هزيمة سياسية أيديولوجية للرومانسيين الأيديولوجيين، مناصري اتجاه ما بعد القومية، الذين يريدون خلق نظام عالمي جديد من دون قوميات. كما هُزم معهم المتحمسون للعولمة الذين يرون في صعود القوميات أداة يمينية محافظة يجب محاربتها بصورة لا هوادة فيها.
  • الحجة المركزية للرومانسيين هي أن العالم الجديد يجب أن يكون عالم ما بعد القومية، حيث لا توجد هوية جماعية خاصة توحد الشعوب، بل هناك "مواطنون عالميون" يتواصلون مع بعضهم البعض من خلال وسائل تواصل ثقافية وعالمية، وعبر الاقتصاد العالمي. بحسب رؤيتهم، في عالم ما بعد القومية، لا أهمية للجغرافيا كمكوّن في الهوية الوطنية، لذلك، لا وجود للتوترات بين الشعوب، وبين العشائر والجماعات الإثنية - الثقافية على أراضيهم. في مثل هذا العالم، لن يكون هناك حروب، ولا إرهاب، وسيزدهر الاقتصاد، وسيُغلق ثقب الأوزون، وسيملك كل عامل سيارة. باختصار، سيولد عالم جديد بالكامل. لكن جاء المونديال فقلب حياتهم، وبدلاً من العولمة، نحن نشهد مظاهر حب الوطن.
  • ومن بين التعابير المثيرة للاهتمام وللمشاعر الوطنية التغطية الإعلامية لأحداث المونديال. من المثير للإعجاب رؤية مذيعين ومعلّقين يخرجون عن القواعد التي يفرضها العمل الصحافي الموضوعي، الذي من المفترض أن يكون واسطة بين المُشاهد والحدث، ويصبحون، حرفياً، مواطنين يرفعون أعلام أوطانهم، ويحملون ميكروفوناً. يُضاف إلى ذلك، الحكومات القومية التي تضخّم الإنجاز الرياضي وتجعله سردية وطنية.
  • المونديال في قطر يثبت أن الطريق إلى ما بعد القومية لا تزال طويلة للغاية، هذا إذا كان لا يزال هناك فرصة في ذلك. وهو يشكل تحدياً لأنصار اليوتوبيا التعددية وتعدد الثقافات وعالم من دون قوميات، وهذا مهم جداً بالنسبة إلى منطقتنا: هناك مَن يدّعي أن الثنائية القومية ممكنة في أراضي إسرائيل إذا تنازل فقط اليهود عن قوميتهم من أجل إنشاء دولة مدنية كجزء من مسار ما بعد القومية العالمي. الذي لا يزال يفكر بهذه الطريقة، ننصحه بإلقاء نظرة على مباريات المونديال.