في الصفحات الأربع للاتفاق الائتلافي يختبىء الضم بصورة قانونية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- في حزيران/يونيو 1967 ضمت إسرائيل القدس الشرقية بأمر يحدد نقاط ترسيم يطبّق فيها قانون الدولة وإدارتها. عشية الضم، وزير العدل بلّغ الحكومة أنه طلب من رؤساء تحرير الصحف إبقاء الأمر طيّ الكتمان وعدم نشره. وذكر الوزير أن جميع الصحافيين "وافقوا على عدم إثارة ضجة كبيرة حول الأمر"، باستثناء رئيس تحرير واحد اعتبر أن إبقاء الأمر طيّ الكتمان أمر منافٍ للديمقراطية. عندما نُشر الخبر، لأنه لم يكن هناك من مفر، وقفت إسرائيل ضد العالم، وادّعت أن هذا ليس ضماً. وفي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، كتب وزير الخارجية الإسرائيلي أن مصطلح "ضم" ليس في مكانه: فالإجراءات المتخذة تتعلق بتوحيد المدينة على المستويين الإداري والبلدي، وتوفر أساساً قانونياً لحماية الأماكن المقدسة.
- هذا كان ضماً منكراً وخفياً ويتطلع إلى أن يبقى سراً. والآن، نحن نشهد النسخة 2023 من الضم، والتي تختبىء في إشارات صغيرة في الاتفاق الائتلافي بين الليكود وحزب الصهيونية الدينية. ضم المناطق الفلسطينية إلى إسرائيل لن يجري علناً، على الرغم من التصريحات العالية بشأن أهمية هذه المناطق الاستراتيجية والوطنية والتاريخية. الضمّ سيُدفن في وثائق بيروقراطية، وفي تغييرات تنظيمية قد تبدو للوهلة الأولى غير ذات أهمية، ومن خلال إضعاف حراس الدولة، وبواسطة توجيهات إدارية وقرارات أمر واقع تصبح روتينية.
- لكن الاتفاق الائتلافي يدل على ضمّ قانوني للمناطق، وعلى نية البدء بتطبيق نظام الأبرتهايد ضد السكان الفلسطينيين. هذا هو مغزى نقل الصلاحيات الإدارية والتنظيمية، التي تضمنها الاتفاق، وتعيين الرتب العليا، إلى المستوى السياسي، وإلغاء الصفة المستقلة للمستشار القانوني فيما يتعلق بالمناطق في النيابة العامة العسكرية والنيابة العامة للدولة، وخضوعها مباشرة للمستوى السياسي، وإنشاء آلية مستقلة للمستوطنات، من دون أيّ إشارة إلى الوضع المدني للفلسطينيين.
- ويجب الانتباه بصورة خاصة إلى نقطتين تدلان على الضم. الأولى، بموجب الاتفاق الائتلافي، سيجري تمويل وتنفيذ خطة انتقائية وشخصية لتطبيق قوانين الكنيست على المنطقة، بواسطة آلية رسمية، بأوامر من قائد المنطقة. صحيح أن القائد العام للمنطقة هو الذي سيوقّع هذه الأوامر على مضض، لكن مَن يأمره بذلك هو الوزير المعيَّن من حزب الصهيونية الدينية، وبالتنسيق مع عمل الإدارة المدنية للمستوطنات، والتي ستنشأ تحت إمرته. وبهذه الطريقة، فإن الصلاحيات الجوهرية لسنّ تشريعات في المنطقة ستكون بأكملها في يد السلطة السياسية – التنفيذية، ولن تكون في يد القائد العسكري، ولن يكون الكنيست هو المسؤول عن سنّ القوانين في المنطقة. معنى ذلك تطبيق قوانين أساس حكومية مباشرة، من دون العودة إلى البرلمان، ووفقاً لوجهة نظر الهيئة المسؤولة عن المستوطنات اليهودية.
- بالإضافة إلى ذلك، يلغي الاتفاق الائتلافي المكانة الخاصة لوحدة المستشار القانوني في مناطق الضفة الغربية، وهذه الوحدة عملت عشرات السنوات ضمن إطار النيابة العامة العسكرية، وهي تقدم استشارة قانونية مستقلة للقائد العسكري للمنطقة، ولرئيس الإدارة المدنية. وعلى الرغم من انتقاداتنا الكثيرة لعملها، فإن هذه الوحدة ترى نفسها مُلزمة بالقيام بواجباتها حيال القائد العسكري، و"تحمل في حقيبتها" القانون الدولي وقوانين الاحتلال، والقوانين الإدارية والدستورية الإسرائيلية. من الآن فصاعداً، لن يقف أحد في طريق المستوى السياسي الذي لا يعتبر نفسه مُلزماً بقوانين الاحتلال، ولا بالدفاع عن حقوق السكان الخاضعين للاحتلال - أي الفلسطينيين سكان المناطق.
- هذا الواقع يستحق اسماً، وهذا الاسم هو الضم. وليس أيّ ضم، بل هو ضم مصحوب بأبرتهايد، حيث الفلسطينيون ليسوا مواطنين. والضم والأبرتهايد، على حد سواء، يحظرهما القانون الدولي. الضم هو عملية تدريجية، وما يجري الآن حاسم. لم نعد بحاجة إلى الانتظار لإعلان "تطبيق السيادة": فهذا ما يجري فعلياً.