الحكومة الجديدة - هل ستحظى بفترة سماح؟
تاريخ المقال
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي
من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.
- يتعين على الحكومة الجديدة التي ستؤلّف وضع ردّ على التحديات الاستراتيجية المطروحة في أقرب وقت، سواء على صعيد النظام الإقليمي، أو في الساحة الدولية، انطلاقاً من الفهم أنها ستخضع للاختبار من خلال أعمالها على الأرض. والمطلوب من هذه الاستراتيجيا تقديم جواب منظّم عن الوضع المتأزم حيال السلطة الفلسطينية، وتصاعُد التهديد من جانب إيران، وذلك من خلال المحافظة على الدعامات الاستراتيجية، وفي طليعتها الولايات المتحدة، وعلى العلاقات مع دول السلام والتطبيع.
السلطة الفلسطينية الآخذة في التلاشي - انفجار سياسي وأمني
- التحدي المركزي اليوم هو التهديد الأمني المتزايد في شمال الضفة الغربية، والذي يهدد بالامتداد إلى مناطق أُخرى في الضفة. هذا بالإضافة إلى الإحساس بخيبة الأمل واليأس لدى القيادة والجمهور الفلسطينييْن، وصعوبات الحكم التي تواجهها السلطة، والتي تتجلى في الصعوبة المتزايدة وعدم الرغبة في تحمّل المسؤولية عن بؤر الفوضى الناشئة. ونتيجة ذلك، وإزاء ازدياد العبء، أصبحت إسرائيل مضطرة إلى تحمّل المزيد من المسؤولية، والطلب من الجيش الإسرائيلي تنفيذ عمليات واسعة النطاق، من دون التعاون مع القوى الأمنية الفلسطينية، وبالتالي ازدياد الاحتكاكات بالسكان في الضفة الغربية. هذا الواقع يؤدي إلى زيادة التوجهات نحو نزع الشرعية عن إسرائيل، ويمكن أن يعرقل جهود بناء الثقة والتعاون بين الحكومة الجديدة وبين الإدارة الأميركية، وأن يُلحق الضرر بشبكة العلاقات مع الدول السّنية في المنطقة.
- في ضوء هذه التحديات، المطلوب من الحكومة الجديدة أن تدرك أن مساعيها في التصدي للتهديدات الأمنية المباشرة تشكل رداً موقتاً وجزئياً فقط، وأن احتمال الانفجار سيزداد، وبمرور الوقت، سيكون المطلوب منها إحداث تغيير جوهري في الاستراتيجيا، وفي منظومة العلاقات مع السلطة الفلسطينية. عملياً، ستكون الحكومة مُجبرة على الاستمرار والمحافظة على كل قنوات التنسيق مع السلطة، وخصوصاً الأمنية منها. في المقابل، ومن أجل ضمان قيام نسيج حياة مدنية، فإن إسرائيل مضطرة إلى الامتناع من القيام بخطوات عقابية اقتصادية قد تؤدي إلى مفاقمة الضائقة الاقتصادية، وإلى المزيد من التآكل في استعداد الأجهزة الأمنية الفلسطينية للتعاون في التصدي "للإرهاب"، وستزيد في حدة مشاعر الاستياء لدى الناس، وخصوصاً وسط جيل الشباب.
- في المقابل، يجب على إسرائيل تجنُّب القيام بخطوات أحادية الجانب يمكن أن تغيّر الواقع على الأرض. وخصوصاً بشأن كل ما له علاقة بفرض السيادة على مناطق في الضفة الغربية، والموافقة على بؤر غير قانونية، وتغيير الستاتيكو في الأماكن المقدسة في القدس.
"حماس"- كبح تعاظُم قوتها مع المحافظة على التهدئة
- تستغل "حماس" الهدوء النسبي في القطاع والتسهيلات المدنية الواسعة النطاق من أجل ترسيخ قوة حُكمها العسكري وتحسين استعداداتها قبيل سيطرتها على المنظومة الفلسطينية كلها في "اليوم التالي" لأبو مازن. هذا بالإضافة إلى الدفع قدماً بـ"الإرهاب" والتحريض من داخل القطاع، إلى جانب إقامة وتشغيل بنية تحتية عسكرية في الضفة الغربية. في مواجهة هذا كله، يتعين على إسرائيل انتهاج سياسة تحافظ على التهدئة من جهة، ومن جهة ثانية، تزيد في الردع ضد قيادة "حماس"، وذلك من خلال وضع شروط واضحة لاستمرار تقديم التسهيلات الاقتصادية في مقابل لجم مساعي "الإرهاب" والتحريض.
المحافظة على العلاقات مع دول السلام والتطبيع
- منظومة العلاقات مع العالم العربي هي من المكونات الحيوية في قوة إسرائيل السياسية والأمنية. الحكومة الجديدة مضطرة إلى أن تفهم أن الدفع قدماً بالعلاقات مع هذه الدول مرتبط بصورة مباشرة بالقضية الفلسطينية. بناءً على ذلك، ما دام لم يحدث أيّ تقدّم سياسي إزاء السلطة، وبالتأكيد إذا حدث تصعيد على الأرض، فإن إسرائيل ستصطدم بسقف زجاجي فيما يتعلق بتعميق التعاون، وخصوصاً في المجالات المدنية العلنية.
- هناك أهمية خاصة للعلاقات مع الأردن الذي يشكل دعامة مهمة للغاية، وأيّ ضرر يلحق بهذه العلاقات سيؤدي إلى تقويض المجال الأمني الاستراتيجي لدولة إسرائيل. لدى الأردن حساسية كبيرة حيال كل ما له علاقة بالتطورات في الضفة الغربية والخطوات الإسرائيلية في القدس، والتي يمكن أن تقود إلى تصعيد وتؤدي إلى المسّ بالمكانة الخاصة للأردن في الأماكن المقدسة، وفي سيناريو أقصى، يمكن أن تشكل تهديداً للاستقرار الداخلي في المملكة. بناءً على ذلك، يجب على الحكومة الجديدة الامتناع من خطوات أحادية الجانب حيال الفلسطينيين تفاجىء الملك وتشكل تحدياً له، وخصوصاً في القدس، والعمل على بناء علاقات تقوم على الثقة بين قيادتيْ البلدين وتخطّي رواسب الماضي.
التهديد الإيراني- بلورة ردّ استراتيجي شامل
- التهديد الإيراني لإسرائيل يزداد ويتعاظم على مختلف الصعد - الدفع قدماً بالبرنامج النووي؛ مواصلة مراكمة مواد مخصبة على درجة 60%؛ تحسين القدرة الهجومية في مجال المسيّرات والصواريخ؛ تعميق العلاقات الأمنية مع روسيا؛ تقديم مساعدة كثيفة لحزب الله؛ الجرأة المتزايدة في مهاجمة مدنيين وأهداف إسرائيلية في أنحاء العالم.
- نافذة الفرص لكبح إيران تنغلق. في ضوء ذلك، على الحكومة الجديدة العمل منذ بداية الطريق على بناء قدرة عسكرية لمواجهة الخطر المتزايد، إلى جانب تعميق التنسيق والتعاون الأمني مع الولايات المتحدة، المهم والحيوي، من أجل التوصل إلى ردّ شامل على التحدي. في المقابل، يتعين على إسرائيل الاستمرار في تعميق تعاونها الأمني مع دول الخليج، والدفع قدماً بخطط لزيادة الضغوط على النظام الإيراني من الداخل والخارج.
الحساسية حيال الإدارة الأميركية
- شكل وتركيبة الحكومة الجديدة أثارا مخاوف كثيرة لدى الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة وإزاء السياسة التي ستنتهجها حيال مسائل تتعلق بحقوق الإنسان والأقليات، والمنظومة القضائية والفلسطينيين. نجاح الديمقراطيين في الانتخابات النصفية يمكن أن يشجع الإدارة الأميركية على الدفع قدماً بأجندة ليبرالية – ديمقراطية بقوة أكبر، وبصورة يمكن أن تنعكس على العلاقة مع إسرائيل.
- لا بديل من العلاقات الاستراتيجية الخاصة مع الولايات المتحدة، ولا تستطيع إسرائيل أن تسمح لنفسها بالمس، ولو بصورة ضئيلة، بالعلاقات معها، والتي تعتمد إلى حد بعيد على قيم مشتركة بين الدولتين. في ضوء ذلك، على الحكومة أن تُظهر حساسية أكبر لدى صوغ خطوط سياستها، وفي سلوكها، وتقليص عناصر الاحتكاك، وأن تكون حذرة، وألا تنجرّ إلى مواجهات علنية مع الإدارة الأميركية يمكن أن يستغلها الجمهوريون من أجل النيل من الديمقراطيين. ضمن هذا الإطار، نوصي الحكومة باستخلاص الدروس من الماضي، والعمل على الدفع قدماً بالعلاقات مع كل مكونات الطيف السياسي في الولايات المتحدة.
- يجب أن تتجنب الحكومة اتخاذ قرارات يمكن أن تُفسّر لدى أوساط يهودية واسعة في الولايات المتحدة بأنها قرارات تمييزية وتمس بحقوقهم، وهو ما قد يؤدي إلى المزيد من التآكل في دعم الحزب الديمقراطي لإسرائيل (الذي شهد في الأعوام الأخيرة تراجعاً تدريجياً، وخصوصاً وسط جيل الشباب).
المحافظة على السياسة الحذرة في مواجهة روسيا
- من بين القضايا المشحونة في السياسة الخارجية الإسرائيلية مسألة تأييد أوكرانيا، وبالأساس تزويدها بمنظومات دفاعية (دفاع جوي). وفي ضوء تعقيد العلاقات مع روسيا، وخصوصاً في مواجهة قدرة روسيا على إلحاق الأذى بمجموعة مصالح إسرائيلية في المنطقة، وفي طليعتها الحفاظ على حرية العمل في الساحة السورية والخوف على أمن يهود روسيا. وتحديداً على خلفية تعزيز التعاون الأمني بين روسيا وإيران، يجب على إسرائيل أن تكون حذرة أكثر، وألاّ تقوم بخطوات يمكن أن تثير معارضة في موسكو وتساعد إيران.
- في ضوء هذا كله، نوصي الحكومة الجديدة بالامتناع من تزويد أوكرانيا بمنظومات دفاع جوي، أو منظومات سلاح أُخرى. في المقابل، يتعين على إسرائيل مواصلة تأييدها العلني لأوكرانيا، وإدانة جرائم الحرب التي ارتكبتها روسيا، والدفع قدماً بالتعاون مع كييف (بصورة مباشرة، أو من خلال طرف ثالث).
الساحة الداخلية - معالجة مشكلات أساسية
- سيكون على الحكومة الجديدة العمل من أجل رأب التصدعات والبحث في العمق في التحديات التي يواجهها المجتمع والاقتصاد في الدولة، وخصوصاً بشأن كل ما له علاقة بغلاء المعيشة وأسعار الشقق ومنظومتيْ التعليم والصحة. من دون معالجة جذور هذه المشكلات، سيكون من الصعب على الحكومة مواجهة التحديات الاستراتيجية التي تُزَج بها بنجاح.
- يجب إيلاء اهتمام خاص للمحافظة على استقلالية القضاء الذي يلعب دوراً جوهرياً في قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها في مواجهة مساعي نزع الشرعية عنها والتحديات القانونية المتزايدة في الساحة الدولية (وفي طليعتها محكمة لاهاي ولجان التحقيق المختلفة).
خلاصة
- الحكومة الجديدة ستدخل في فترة "كل شيء مرتبط بكل شيء". وبعكس الأعوام الأخيرة، فإن زعزعة منظومة العلاقات مع الفلسطينيين يمكن أن تنعكس على العلاقات الحميمة مع الولايات المتحدة، وعلى التعاون الخاص مع دول الخليج. ومثل هذا التطور، سيؤثر في نوعية الرد على مجموعة واسعة من قضايا الأمن القومي، وفي طليعتها المواجهة مع إيران. في مواجهة العاصفة الاستراتيجية التي تقترب بقوة، يجب على الحكومة الجديدة إظهار حكمة سياسية وأمنية، والامتناع من القيام بخطوات أحادية الجانب تُعتبر أنها تزعزع الاستقرار (بما في ذلك في الضفة الغربية) وتُلحق الأذى بحقوق الإنسان، كما عليها المحافظة، بأيّ ثمن، على الحلف الاستراتيجي العميق مع الولايات المتحدة، وعلى العلاقات مع العالم العربي.