طريقة عمل منفّذي العملية في القدس تدلل على تنظيم قديم وممأسس
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • العملية المزدوجة التي نُفِّذت صباح أمس (الأربعاء) في القدس، يبدو أنها عمل خلية متمرسة نسبياً. كان على أحدهم أن يخطط مسبقاً وضع العبوتين الناسفتين في محطات الحافلات المختلفة، وأن يجمع معلومات استخباراتية، ويركّب العبوات ويضعها وأن يخرج من المنطقة من دون القبض عليه، ثم يفجّر العبوات عن بُعد بالتزامن، خلال وقت قصير. قُتل في العملية طالب المدرسة الدينية، ابن الـ16 عاماً، آرييه تشوباك، وأصيب 22.
  • هذا ليس عمل "مخرب" وحيد، وأشك في أن تكون العملية من صنع مجموعة محلية جديدة على نمط "عرين الأسود" من نابلس. وعلى الرغم من ذلك، فإنها تبدو أسلوب عمل تنظيم قديم، مثل "حماس" أو "الجهاد الإسلامي". لن تكون مفاجأة كبرى، إذا ما تبين أن أعضاء الخلية هم من القدس الشرقية (بسبب حرية الحركة ومعرفة المنطقة)، ومن الممكن أن تكون المساعدة والتمويل من الخارج.
  • العمليتان في محطتيْ الباص تعيد إلينا ذكريات مؤلمة وقديمة. خلال عشرات الأعوام السابقة، ليس هناك أحداث تركت حالات من الصدمة في الذات الإسرائيلية كعمليات الباصات أيام الانتفاضة الثانية في مطلع الألفية الثانية. حينها، كانت عمليات فدائية، في أغلبيتها، استُخدمت فيها عبوات كبيرة وقاتلة أكثر. تراجعت العمليات الفدائية مع انتهاء الانتفاضة، وتم استبدالها بمبادرات محلية وأكثر ارتجالاً. آخر مرة شهدت القدس عملية في باص، كانت في نيسان/أبريل 2016، حين فجّر "مخرب" من "حماس" نفسه بالخطأ، بينما كان يحمل عبوة. حينها، أصيب 20 راكباً في الحافلة.
  • مَن اختار أهداف العملية - محطات الحافلات في القدس - يبدو أنه يعرف الخلفية التاريخية المرافقة لها. التخوف من التصعيد، بالإضافة إلى استمرار "الموجة الإرهابية" التي بدأت منذ آذار/مارس هذا العام وترفض أن تخمد، ازداد وسيُلقي بظله على الخطوات السياسية المقبلة. العمليات تجري خلال فترة انتقالية. الحكومة المنتهية ولايتها التي خسرت أحزابها الانتخابات، وأصبحت تقريباً خارج الحكم؛ والحكومة الجديدة التي لم تؤلَّف بعد.
  • بنيامين نتنياهو لم يمسك المقود بعد، لكن شركاءه المستقبليين بدأوا بصبّ الزيت على النار. وزير الأمن الداخلي المستقبلي إيتمار بن غفير استصعب التنازل عن عاداته القديمة، وركض إلى ساحة العملية. إلاّ أنه اكتشف هناك للمرة الأولى في حياته أن عليه إعطاء أجوبة، لا توزيع الاتهامات فقط. الحلول التي طرحها مستهلَكة كثيراً: اغتيال "مخربين"، وحصار القرى التي خرج منها منفّذو العمليات، ووقف "المخيم الصيفي" في السجون. الذي يدعي أنه العقل الأمني في قائمته، عضو الكنيست (والجنرال) تسفيكا فوغل، لديه فكرة أكثر حدة: يوجد لدينا طائرات؟ صواريخ؟ مدافع؟ دبابات؟ علينا تفعيلها. هذا ما طالب به خلال مقابلة أجراها معه "راديو 103FM."
  • نتنياهو يعرف أن الظروف أكثر تعقيداً، كما أن قيادات المؤسسة الأمنية تحفّظت عن حملة واسعة شمال الضفة، بادّعاء أن الاعتقالات المستمرة وتحقيقات "الشاباك" الكثيرة كافية للتعامل مع التهديد القائم. لكن سيكون على نتنياهو تقديم شيء ما للشركاء، إذ يوجد في الخلفية التوتر الدائم في الحرم القدسي ونية بن غفير المتوقعة، الاستمرار في الدخول إلى الحرم حتى بعد تنصيبه وزيراً. ما يُطبَخ على نار هادئة إلى متوسطة منذ ثمانية أشهر، يمكن أن ينزلق إلى مواجهة واسعة أكثر، بسبب التقاء عدة ظروف جديدة: ضعف سيطرة السلطة الفلسطينية، ونمو "خلايا إرهابية" محلية في الميدان، وحكومة يمين واضحة ستُؤلَّف قريباً في إسرائيل.
  • نحو 30 إسرائيلياً وأكثر من 140 فلسطينياً قُتلوا في عمليات وأحداث منذ بداية العام في الضفة وداخل الخط الأخضر. حتى الآن، شهدنا عمليات فردية، وخلايا محلية، وقليلاً من التنظيمات الممأسسة أكثر، مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وللتعامل مع هذا كانتفاضة، لا يزال ينقص مركّب إضافي: تدخُّل شعبي واسع في الجانب الفلسطيني، وهو ما ينقص حتى الآن. إسرائيل، بوعي، حالت دون ذلك، عبر امتناعها من سياسة "العقاب الجماعي" في الضفة. دخول القدس إلى الساحة، وبصورة خاصة إذا تضافر هذا مع عمليات فدائية، من الممكن أن يرجّح الكفة مستقبلاً. الحاجز المركزي الذي يمنع الوصول إلى هذه النتيجة يكمن في قدرة "الشاباك" و"الجيش" على إحباط هذه العمليات.