إذا عُيّن سموتريتش وزيراً للدفاع، فإن المؤسسة كلها ستدخل في حالة استيعاب
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- في ربيع 2006، فاز إيهود أولمرت وحزبه كاديما في انتخابات الكنيست الـ17. كان أولمرت قد تولّى قبل ذلك منصب نائب رئيس الحكومة لمدة 3 أشهر، بعد الجلطة الدماغية التي أصابت سلفه أريئيل شارون. وبعد الفوز الساحق على الليكود في الانتخابات، توجه رئيس الحكومة الجديد نحو تأليف حكومته. وأراد تعيين شريكه الكبير زعيم حزب العمل عمير بيرتس في البداية في وزارة المال، بناءً على طلب بيرتس. لكن حينها، هبّت عاصفة في مجال الأعمال، وضغط المسؤولون الكبار في القطاع على أولمرت من أجل عدم تعيين بيرتس في هذا المنصب الحساس، بحجة أن زعيم حزب العمل المخضرم سيخرّب إنجازات الاقتصاد الإسرائيلي، الذي خرج مؤخراً من الأزمة الاقتصادية الصعبة التي نشبت في فترة الانتفاضة الثانية.
- أخذ أولمرت برأيهم، وأوكل إلى بيرتس حقيبة الدفاع، على الرغم من افتقاره إلى التجربة. بعد أن أنهى أسبوعه الأول في مقر هيئة الأركان العامة الكرياه، في بداية أيار/مايو، سارع بيرتس إلى دعوة الصحافيين من كتّاب الأعمدة في يوم الجمعة، كي يلخص لهم بداية عمله. على الرغم من شخصية الوزير الجديد الودودة والقريبة، فإن الخوف تسلل إلى قلوب ضيوفه. فقد بدا واضحاً أن بيرتس لا يفهم كثيراً في المجال الذي تولى مسؤوليته. أوساط رئيس الحكومة هدّأت القلقين، بالقول إن السياسة الأمنية يديرها مكتب رئيس الحكومة أولمرت، وإن دور وزير الدفاع ضئيل نسبياً في الهرمية، لذلك، لن تحدث مصيبة، ما دام يقف إلى جانبه رئيس الحكومة ورئيس الأركان دان حالوتس، الطيار الحربي الشهير وقائد سلاح الجو صاحب الخبرة الكبيرة. وكل شيء سيكون على ما يرام.
- الكل يعرف كيف انتهى هذا الأمر. في مطلع تموز/يوليو 2006، عاد التصعيد في قطاع غزة، وكان الأول من نوعه منذ الانتهاء من عملية الانفصال عن غزة في حزيران/يونيو 2005؛ في 25 حزيران/يونيو، خُطف جلعاد شاليط. بعد مرور أسبوعين ونصف الأسبوع، خطف حزب الله جثمانيْ الجنديين في الاحتياط إلداد ريغف وإيهود غولدفاسر على الحدود الشمالية. وانزلقت إسرائيل، من دون أن تدرك، إلى حرب لبنان الثانية. طبعاً، لم يكن بيرتس المسؤول الأساسي في هذا الصيف المأساوي، فالدور الذي لعبه أولمرت وحالوتس والأداء الفاشل للجيش الإسرائيلي في أجزاء كبيرة من المعركة هو ما أدى إلى التعادل المؤسف والمحبط مع حزب الله، الخصم الذي كان، حينها، أضعف بكثير، مقارنةً بقوته اليوم.
- ومع كل ذلك، اتضح أن المطلوب من الذي يتولى منصب وزير الدفاع القليل من الخبرة والمعرفة المسبقة، حتى لو أنه لا يأتي في قمة الهرم. بعد نهاية العام الأول، خرج بيرتس من الحكومة، وكان حالوتس غادر قبله منصبه، أما أولمرت فقد صمد عاماً ونصف العام، قبل أن تتراكم أزماته القانونية التي ستقضي على مسيرته السياسية بصورة كاملة.
- في الأيام الأخيرة، جرى الحديث عن أن بنيامين نتنياهو يدرس تعيين بتسلئيل سموتريتش وزيراً للدفاع المقبل. وبالإضافة إلى إعطاء وزارة الأمن الداخلي للزعيم رقم واحد إيتمار بن غفير، تطالب الصهيونية الدينية إما بوزارة المال، وإما الدفاع. تتخوف الأحزاب الحريدية من أن يصبح المستوطنون مسؤولين عن صندوق الدولة (وهو ما سيغلق الطرق أمام ممثليهم). أيضاً تثور ثائرة حزب الليكود... ومن الصعب في هذه المرحلة معرفة ما إذا كان المقصود بالحديث عن تعيين سموتريتش في وزارة الدفاع هو بالون اختبار، أم احتمال حقيقي.
- من المحتمل جداً أن يقرر نتنياهو الامتناع من ذلك، سواء أكان خوفاً من الإساءة إلى العلاقات الحساسة مع الإدارة الأميركية، أو كي لا يدير سموتريتش المناطق رغماً عن أنفه. لكن حتى لو حصل سموتريتش على حقيبة الدفاع، فإن نتنياهو سيبقى ممسكاً بمقاليد الوزارة بقوة. وهو سيكون الشخص الراشد والمسؤول، والقرارات ستُتخذ بينه وبين رؤساء الأجهزة الأمنية.
- سموتريتش سياسي حاد محنك، ولا مجال لمقارنته ببيرتس رجل الأعمال الذي أقسم قبل أعوام بأن يحلق شاربيه إذا انضم إلى حكومة نتنياهو (وبالتأكيد قفز في أول فرصة). الذين يعرفون سموتريتش جيداً يقولون عنه إنه يمكن أن يكون وزير مواصلات جيداً. لكن بالنسبة إلى حقيبة الدفاع، إذا ما حصل عليها، فهو سيصل حاملاً أجندة محددة، يمكن التعرف عليها من خلال تصريحاته في الأسبوع الماضي.
- لقد اختار سموتريتش استغلال الأيام الأولى، بعد الفوز في الانتخابات، من أجل شنّ هجوم هستيري ومضلل ضد الشاباك بشأن اغتيال يتسحاق رابين، وبالدعوة إلى تفكيك الإدارة المدنية في الضفة الغربية. من المحتمل أن تكون قوة نتنياهو والكراسي بمثابة تأثير مهدئ في سلوكه وسلوك رفاقه. لكن هذا لا يظهر حالياً. أما بشأن كل ما له علاقة بالقانون والقضاء، يصل زعماء الليكود بروحية قتالية. وسيكون رأس الحربة في نشاط الائتلاف المقبل القضاء - وهذا ما يريده نتنياهو لوقف، أو إبطاء الإجراءات الجنائية ضده.
- لكن سيكون لهذه الإجراءات مفاعيل أمنية. أولاً، إقرار قانون التغلب، الذي سيسمح بمسار للالتفاف على مسائل حساسة، وسيُهمّش تدخُّل المحكمة العليا الذي كان قد أنقذ الدولة من الكثير من التعقيدات في الماضي. ومن هذه المسائل قانون شرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية.
- ثانياً؛ كل خطوة يقوم بها نتنياهو وتنال تأييد شركائه سيكون لها ثمن، وجزء كبير من المقابل الذي سيطالب به اليمين المتطرف سيكون في المناطق. الصحف تركز على بن غفير، وعلى استفزازاته المحتملة في الحرم القدسي، وظروف الأسرى الأمنيين. لكن من المفيد أن ننتبه أيضاً إلى شريكه الأكثر تشبثاً منه برأيه.