اليسار أهمل النقب وبن غفير حصد الثمار
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- المواجهة العنيفة بين عضو الكنيست إيتمار بن غفير وبين وزير الأمن الداخلي عومر بار - ليف، في ساحة الهجوم الذي وقع في الخضيرة في 27 آذار/مارس، هي واحدة من صور انتصار اليمين المتطرف في المعركة الانتخابية. قُتل في الهجوم شرطيان من حرس الحدود، والمشهد الذي ظل محفوراً في الذاكرة عن تلك الليلة، كان مشهد صراخ بن غفير في وجه بار- ليف حين قال له: "ألا تخجل؟ تتحدث عن عنف المستوطنين، بينما اليهود يُقتلون. أنت لا شيء"، وردّ بار - ليف الغاضب، على غير عادته: "أنا لست خجلاً . أنت عليك أن تخجل، أنت صفر. وتسبب المشاكل هنا، وتفعل أشياء بشعة."
- المفارقة الأكثر غرابة في نتائج الانتخابات التي تعيد بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة وتحوّل بن غفير إلى أحد أقوى السياسيين في إسرائيل، هي أن الأخير حظيَ بالتأييد، تحديداً، بسبب فشل الأول. عملية "حارس الأسوار"، والاضطرابات في المدن المختلطة، والعنف في المجتمع البدوي في النقب، كانت المحرك الذي دفع الناخبين إلى الصناديق للاقتراع مع الصهيونية الدينية بفضل بن غفير. يجب التذكير بأن نتنياهو تولى رئاسة الحكومة من سنة 2009 إلى سنة 2012، وعملية "حارس الأسوار" جرت خلال فترة ولايته. أيضاً غياب سلطة الدولة في النقب، والذي يتجلى في العنف على الطرقات، وتقديم الحماية للأعمال الصغيرة، وسرقة السلاح، تحول إلى بلاء الدولة في عهده. إن نسَب الاقتراع المرتفعة في مدن الجنوب لمصلحة بن غفير، هي تعبير عن الإحباط إزاء عجز الحكومات الأخيرة عن معالجة مشكلات الأمن الشخصي.
- حاولت حكومة بينت - لبيد، تحديداً، تغيير الواقع، ووضع بار - ليف معالجة العنف في المجتمع العربي والبدوي في أعلى سلّم الأولويات، لكن هذه السياسة انهارت قبل أن تحقق إنجازات منظورة. الجمهور العربي في المدن المختلطة والنقب لم يتأثر بالجهد، ورأى العديد في بن غفير الحل. ولسبب ما، اعتبروه الشخص الذي سيستعيد سلطة الدولة ويحقق الأمن الشخصي، ليس فقط مقارنةً ببار - ليف، بل مقارنةً بنتنياهو. هم يحبّون نتنياهو، لكنهم يعتمدون على بن غفير.
- الإنجاز الكبير الذي حققه بن غفير وسط الطبقات الضعيفة، وفي بلدات الأطراف، يعبّر عن الإعجاب بالشخص الذي سيعيد الأمن الشخصي، ليس فقط بالأساليب المعهودة. لكن أملهم سيخيب عندما يكتشفون أن الواقع أكثر تعقيداً، ويمكن أن يكون أصعب بكثير، ولا سيما عندما يكون في مواجهته شخص تقتصر خبرته على إظهار الغضب في ساحات الهجوم.
- أنماط التصويت في النقب شهدت ثلاثة انقلابات منذ السبعينيات: الأول كان في انقلاب 1977، وتجلى في النفور من حكم المباي/المعراخ؛ الثاني في سنة 1984ـ عندما ظهر حزب شاس كردٍّ مضاد على الحريديم الأشكينازيين؛ والآن، عندما احتلت الصهيونية الدينية، بفضل بن غفير، المكان الثاني بعد الليكود في أغلبية بلدات النقب.
- لكن الانقلابات الثلاثة تبدو أنها كانت ضد بلدات النقب: فقد عززت، قبل كل شيء، سياسة الاستيطان، وليس النقب. لو تُرجمت الإنجازات الانتخابية التي حققها الليكود وشاس في الجنوب، لكُنا رأينا الدفع قدماً بالنقب والاستثمار الاقتصادي فيه، والكثير من سلطة الدولة، والقليل من التوتر الديني - القومي.
- لكن هذا أيضاً هو أحد الإخفاقات الكبيرة لكتلة اليسار - الوسط، التي تخلت عن النقب منذ وقت طويل، وتركته ليتحول إلى معقل يميني - قومي. الجنوب لم يصبح صهيونياً – دينياً أكثر، لكنه عانى جرّاء التوتر المتصاعد للعلاقات بين اليهود والعرب والبدو. في جميع الأحوال، إن تصاعُد قوة الليكود وشاس في الجنوب هو أمر لا عودة عنه، والفترة المقبلة ستكون اختباراً لقدرة بن غفير على فرض نفسه كقوة مركزية هناك لوقت طويل.