السؤال المطروح في هذه الانتخابات بسيط: هل يمكن نشر هذا المقال بعد الانتخابات؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في مركز انتخابات اليوم (الثلاثاء)، المطروح سؤال بسيط: هل هذا المقال يمكن أن يُنشر أيضاً بعد الانتخابات، إذا أُلِّفت في نهايتها حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير؟ كل الدلائل تشير إلى أن هذا الثلاثي ينوي تحويل إسرائيل إلى دولة متسلطة، ممنوع فيها انتقاد النظام، ومعها يصبح تغيير السلطة حلماً نظرياً.
  • لا حاجة إلى أيّ قانون جديد كي تصل إسرائيل إلى هذا الوضع. تكفي القوانين الموجودة لمحاربة الإرهاب، وقانون الدفاع في حالات الطوارىء لإلغاء حرية التعبير السياسي في الصحف، والتي تعتمد اليوم على أسس ضعيفة هي قرارات المحكمة العليا، وليس على قانون يعتمد على وثيقة حقوق التعبير. أقصى ما يمكن أن يحدث تبديل موظفين رفيعي المستوى تحفّظوا عن السياسة الجديدة، وسيجري تحييد المحكمة العليا من خلال قانون التغلب [الذي يسمح للكنيست بسنّ قانون أبطلته المحكمة العليا]، أو من خلال إغراقها بتفسيرات قانونية. الأغلبية اليمينية ستكون مضمونة لكل هذه الخطوات وأكثر.
  • الهدف الأيديولوجي لحكومة اليمين سيكون تثبيت وتعميق نظام التفوق اليهودي على جانبيْ الخط الأخضر. الفكرة ليست جديدة، وفي الإمكان الادعاء أن الصهيونية رفعت لواءها منذ بدايتها وحققتها بالقوة مع إقامة إسرائيل في سنة 1948، واحتلال المناطق في سنة 1967. لكنها سمحت بالنقد الداخلي وحرية التعبير اللذين استندت إليهما الديمقراطية الإسرائيلية. وكلما نضجت الدولة، أفسحت المجال للاستماع إلى صوت الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال حوارها مع منظمة التحرير الفلسطينية في اتفاقات أوسلو، ومع ممثلي المجتمع العربي في الكنيست، وفي الحديث العام.
  • نتنياهو وشركاؤه يعارضون حرية التعبير هذه، ويرون فيها خطراً على وجود الصهيونية والدولة. منذ اليوم الذي عاد فيه نتنياهو إلى السلطة في سنة 2009، عمل على قمع الانتقادات الموجهة إلى احتلال المناطق وسياسة التمييز ضد العرب: قانون النكبة والمقاطعة؛ إغلاق مسرح الميدان في حيفا؛ فرض قيود على تمويل منظمات المجتمع المدني؛ منع الشاعرة دارين طاطور؛ منع تعليم كتاب "جدار حياة" [للكاتبة دوريت ربينيان، الذي يروي قصة حب بين إسرائيلية وفلسطيني] في برامج التعليم، وفي مكتبات المدارس الثانوية؛ محاولة استرجاع جائزة إسرائيل من عالِم الرياضيات عوديد غولدرايخ [بسبب قراره منح الجائزة، وقدرها 75 ألف شيكل، لخمس منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان، بينها منظمة "لنكسر الصمت" و"عدالة" و"بتسيليم"]؛ قانون القومية الذي رسّخ التفوق اليهودي في قانون أساس. كل هذا ضمن حدود الخط الأخضر في دولة يهودية ديمقراطية.
  • القاسم المشترك بين كل هذه الخطوات أن أغلبها اتُّخذ وسط اللامبالاة، إذا لم يكن بموافقة صامتة من الخط السياسي السائد ووسائل الإعلام الإسرائيلية، ومن بين كبار المتحمسين لهذه الخطوات هناك بعض زعماء "حكومة التغيير" الحالية. يائير لبيد صوّت ضد قانون القومية، وأظهر شجاعة من خلال تأييده المساواة بين المواطنين، لكنه بعدها أيّد، بحماسة، ملاحقة التنظيمات اليسارية؛ أفيغدور ليبرمان تباهى بشعار "من دون ولاء، لا مواطنة"، كتهديد للمجتمع العربي؛ جدعون ساعر وقّع قانون وضع منظمات حقوق الإنسان في الضفة الغربية خارج القانون. الآخرون سكتوا في مواجهة كمّ الأفواه: لم يغلق أيّ مسرح أبوابه، احتجاجاً على إغلاق مسرح الميدان، ولم يُلغَ أيّ عرض. على العكس، البرامج امتلأت وتحركت نحو إرضاء الجمهور والامتناع من بثّ أيّ رسالة سياسية، أو قول يمكن أن يُغضب منظمات القمع اليمينية.
  • إذا نشأ ائتلاف بين نتنياهو وبن غفير، فلن تبدو خطوات سلفهم كسابقة. في مثل هذا العالم، الأحزاب العربية ستُعتبر، رسمياً، مؤيدة للإرهاب، كما تدّعي دعاية اليمين. وتحديد "قيم إسرائيل" سينتقل من تنظيمات فردية، مثل "إم ترتسو " [منظمة يمينة متطرفة معادية للعرب] و"عاد كان" [تنظيم يميني شبابي] والناشط سامي غلينك، إلى مؤسسات الحكم. وبدلاً من نشطاء اليمين، الذين يقومون بتسجيل محاضرات الأساتذة اليساريين، سيُطلب من الجامعات أن تبلغ عن أيّ محاضر قال كلمة "احتلال"، وإلّا لن تحصل على تمويل، ولاحقاً، عليها منع هؤلاء المحاضرين من التعليم بتاتاً.
  • لماذا يجب وقف الاحتلال؟ ولماذا السماح بتمويل أوساط تعالج مسائل جندرية، أو تمويل باحثين في أزمة المناخ؟ منظمات مثل "بتسيليم" و"لنكسر الصمت" [حركة الجنود الرافضين للخدمة في المناطق] اللتين ينقذ نشاطهما شيئاً من احترام الديمقراطية في إسرائيل، ستصبح على قائمة أعداء الدولة، وسيُمنع نشاطها. ومَن سيقف للدفاع عنها ويخاطر بالحظر إذا لم يكن بالتحقيق الجنائي؟ ساعر؟ غانتس؟ أو ميراف ميخائيلي؟
  • إن الخطر الواضح والمباشر والملموس لفوز اليمين اليوم هو تحويل إسرائيل إلى نظام يلاحق معارضيه ويؤبّد سلطته. البنية التحتية القانونية موجودة منذ زمن طويل. المطلوب من الحكومة تفعيلها من أجل شنّ حملة كمّ أفواه وقمع داخلي. وهذه الحكومة على الأبواب. وإذا تحققت رؤيتها، فإن مَن يتحدث في الإعلام عن حملات كمّ الأفواه ويعبّر عن معارضته، سيتعرض هو أيضاً للملاحقة، وهذا المقال لن يُسمح بنشره.