حصول الصهيونية الدينية على 14 مقعداً لا علاقة له بصعود التيار الكهاني: ثمة سبب آخر لنجاح بن غفير
تاريخ المقال
المصدر
- ظاهرة إيتمار بن غفير ستكون المفاجأة في الانتخابات المقبلة، كذلك فإن مفارقة حصول حزب الصهيوينة الدينية على 14 مقعداً (وربما أكثر) يوم الثلاثاء المقبل من شأنها أن تثير عدم الارتياح لدى الطرفين: فمن جهة حوّل حزب يوجد مستقبل وحركة ميريتس وحزب العمل بن غفير إلى حجر أساس في حملتهم، ومن جهة أُخرى يشعر الليكود والأحزاب الحريدية بالقلق إزاء التهديد الذي يمثله بن غفير سياسياً.
- يصور الخطاب العام-خطاب اليسار الوسط -بن غفير استناداً إلى مفاهيم قديمة مأخوذة من فترة التسعينيات، إذ ثمة حرص على اتهامه وحزبه بالعنصرية والقومية المتطرفة. لكن ظاهرة تعاظم قوة بن غفير لا علاقة لها بصعود التيار الكهاني ولا تعبر عنه. والواقع لا يشبه أيضاً ما تحدث عنه نائب رئيس الأركان السابق يائير غولان بشأن بروز ظواهر مشابهة في ألمانيا في الثلاثينيات.
- فقد أثارت ظاهرة بن غفير وصعود القوة السياسية للصهيونية الدينية ردة فعل على التوجه الوسطي في السياسة الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة، والذي تميزت به الأحزاب التي تتشارك توجهاً وسطياً مرناً في كل المجالات تقريباً، الأمنية والوطنية والاقتصادية والاجتماعية، مما يطمس الحدود الفكرية فيما بينها، الأمر الذي يمكن تشبيهه بحساء فكري كثيف لا يسمح بالتمييز بين المواد التي يتألف منها.
- كما أن التحول نحو الوسط ألغى عملياً الخطوط التي كانت تميز تقليدياً اليسار من اليمين في إسرائيل. فالنموذج السياسي لحكومة بينت-لبيد يعتمد على هذا الأمر، إذ سمح بالجمع بين أطراف سياسية متناقضة في السياسة اليهودية (بين ميرتس اليسارية وحزب يمينا اليميني)، وأتاح الربط بين السياسة اليهودية والسياسة العربية، ومكّن القائمة العربية الموحدة راعام من الانضمام إلى الائتلاف.
- لقد انتهجت الحكومة المنتهية ولايتها خطوطاً سياسية طمست سياسات الهوية التقليدية، والموضوعات الخلافية البارزة، ولا سيما في المجال السياسي. واعتمدت إلى حد بعيد على تصور حكومات نتنياهو، الذي يبدو ظاهرياً كشخص يميني بارز، وكصاحب خطاب يميني صارم، لكنه، عملياً، زعيم انتهج سياسة وسطية براغماتية واقعية في كل المجالات تقريباً. فقد أظهرت حكومات نتنياهو قدرة على المناورة في المجال السياسي-الأمني بين موقف علني نشط وبين سلوك حذر في مواجهة إيران و"حماس" وحزب الله، وقادت في المجال الاقتصادي – الاجتماعي نهجاً وسطياً بين الاقتصاد الحر وبين محاولة التعويض عن تأثيراته المضرة.
- لقد تحول الاقتصاد خلال فترة نتنياهو إلى نقطة الثقل المركزية التي لم تسمح بتطوير ثقافة الاستهلاك فحسب، بل ساهمت أيضاً في دمج المواطنين العرب في الدولة من خلال مجموعة خطط حكومية ذات ميزانيات كبيرة (شكلت بالطبع منصة لاتفاقات أبراهام على الساحة السياسية الإقليمية وساعدت في إرساء هدوء نسبي في غزة والضفة الغربية).
- ومن النتائج السياسية المرافقة لزوال الحدود بين اليمين واليسار تآكل قوة الليكود، ذلك بأن توظيف نتنياهو جهوده، هذه الأيام، في استعادة الناخبين يعبّر عن نجاح سياسته الوسطية التي أدت إلى الاضمحلال الاجتماعي لـ "إسرائيل الثانية"، وتحولها إلى إسرائيل الأولى – ناقص، أي إلى مجموعة أكثر ثراء وأقل نشاطاً في كل ما له علاقة بالتعبير عن معارضتها من خلال التصويت لليكود. في المقابل، ساهمت في خلق فجوة لدى بعض ناخبي الليكود التقليديين بين الصورة اليمينية للحزب وبين سياسته الفعلية التي هي فعلاً سياسة براغماتية شبيهة بسياسة حزب العمل أيام مباي. ففي رأيهم تراجع استعداد الحزب لاتخاذ موقف صهيوني متشدد في وجه التهديدات الخارجية والداخلية لصالح أجندة غامضة أخفقت في مواجهة الظواهر المرافقة لسياسته الوسطية، أي خسارة الحوكمة وتفاقم الجريمة، كما أظهر الحزب ضعفاً استراتيجياً-أمنياً على الساحة الخارجية.
- يشكل حزب الصهيونية الدينية الوعاء السياسي-الفكري لاستيعاب مَنْ خاب أملهم من الأجندة الجديدة التي تعتمد على السياسة الوسطية، فهو البديل المعاصر للواقع ما بعد الحداثي. ويطرح بن غفير وسموتريتش نفسيهما على أنهما البديل الذي يعتمد على حدود وخطوط ترسيم وتعريفات حادة وبارزة وواضحة. وعلى هذا الأساس يجذبان جماهير كبيرة سئمت من مرحلة ما بعد الحداثة التي تدفعهم إلى صناديق الاقتراع مرة تلو أُخرى، وتمنع التوصل إلى حسم سياسي وفكري في إسرائيل.
الكلمات المفتاحية