أخلاقياً وعملياً، يمكن مساعدة أوكرانيا سراً
تاريخ المقال
المصدر
- يمكن تلخيص "المعضلة الأوكرانية" بذلك: من جهة، لدينا واجب أخلاقي ومصلحة واضحة في تزويد الأوكرانيين بمنظومات سلاح طوّرناها، يمكنها إنقاذ حياة المدنيين. ومن جهة أُخرى، من شبه المؤكد إذا فعلنا ذلك، فسيردّ علينا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتقليص، أو عرقلة حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في سورية ولبنان. وستكون النتيجة تصاعُد التهديد الاستراتيجي على الجبهة الداخلية الإسرائيلية (صواريخ ومسيّرات دقيقة وعتاد عسكري هائل، تنجح إيران في نقله إلى سورية)، وربما نتورط في مواجهة مع قوة عالمية. كما يشكل الخوف على مصير اليهود الروس اعتباراً مهماً.
- ويبدو أن الاختيار حدث. فقد علمنا من تصريحات وزير الدفاع بني غانتس هذا الأسبوع أن إسرائيل ستكتفي بتقديم مساعدة إنسانية وأجهزة إنذار. وعلى جدول الأولويات، تأتي في الدرجة الأولى حرية عمل الجيش الإسرائيلي، وبعدها الرغبة في مساعدة أوكرانيا. وهذه ليست نزوة من غانتس، بل عبارة عن قرار وُلد بعد نقاشات معمقة في المؤسسة الأمنية، واتُّخذ بموافقة رئيس الحكومة يائير لبيد والمجلس الوزاري المصغر، وربما رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو.
- لكن مع ذلك، ثمة شك في أن هذا القرار هو الأمثل، الذي يمكن ويجب أن يُتّخذ. أولاً، لأن على إسرائيل تبنّي موقف ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، ليس شفهياً فقط، بل لديها واجب أخلاقي. عندما كانت إسرائيل في وضع أوكرانيا مثلاً في سنة 1948، لم تحصل دائماً على المساعدة التي أرادتها من العالم. وإزاء جرائم الحرب التي يرتكبها الروس، حان دورنا لنثبت أننا عند الحاجة، لا نقف موقف المتفرج.
- ثانياً، ثمة مصلحة لإسرائيل في أن يكون لها دور في الدفاع عن المدنيين في أوكرانيا، ولكي تتعرف من المصدر الأول على نقاط القوة والضعف في المسيّرات والصواريخ الإيرانية التي ستُستخدَم مستقبلاً ضد جبهتنا الداخلية. وأداء هذا العتاد سيجري تحسينه نتيجة المساعدة العلمية والتقنية الروسية، وأوكرانيا تشكل حقل تجارب كبير.
- لا يعني هذا أنه يجب أن نتحدى الدب الروسي؛ فهو لا يزال خطراً، على الرغم من أن أسنانه لم تعد حادة وهو ينزف. لا تزال روسيا قادرة على إيذائنا، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، ومع ذلك، يمكننا السعي لأن يكون لدى أوكرانيا منظومات اعتراضية لحماية مواطنيها من دون أن نتورط في مواجهة مباشرة مع الروس. لقد عرفت دولة إسرائيل في الماضي، وتعرف اليوم أيضاً كيف تقدم، سراً، مساعدة تشمل منظومات سلاح وتدريبات إلى دول وتنظيمات، لها مصلحة في تقويتها.
- بصمت، وطوال أكثر من عشرة أعوام، وبمساعدة من الشاه في إيران، ساعدنا الأكراد الذين ثاروا ضد نظام البعث في العراق. ولم تكن النتائج سيئة، والقصة لم تنكشف. أحياناً، تحركت دولة إسرائيل بصورة مستقلة، مثلاً عندما أعلنت ألمانيا الغربية حيادها، باعتنا، سراً، في الستينيات مدافع مضادة للطائرات من إنتاجها ـ ونحن بذرائع اقتصادية وغيرها، بعنا سلاحاً لنظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا وتعاوننا معه في المجال النووي.
- هناك عشرات الأمثلة لتزويد دول أجنبية بالسلاح، حتى في أوقات الحرب، من دون العثور على بصمة إسرائيلية، ومن دون إعلان ذلك. هذه القضايا بعضها مشين لإسرائيل. لكن على الرغم من ذلك، فإن كل الأطراف المعنية حافظت على الصمت والتمويه والغموض، يمكن أن يحدث هذا أيضاً مع أوكرانيا، لو أن الرئيس الأوكراني وبعض رجاله يضبطون أنفسهم، وبدلاً من إدانة إسرائيل بسبب رفضها تزويدهم بمنظومة "القبة الحديدية"، يتصرفون بتكتّم، ويجرون حواراً هادئاً ومهنياً مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
- بهذه الطريقة، كانت تجنّبت أوكرانيا الإهانة والمطالبة بعتاد لا تستطيع إسرائيل تأمينه (مثلاً منظومة الليزر "درع النور" التي لم ينتهِ تطويرها بعد). كما كان في إمكان إسرائيل أن توفر على نفسها الإحراج، لو أنها بادرت إلى إجراء لقاء سري ومهني بين أطراف أمنية رفيعة المستوى، بدلاً من دبلوماسية التيك-توك.
- لا نستطيع قول كل شيء، لكن يمكننا التلميح إلى وجود منظومات اعتراضية جرى تطويرها في إسرائيل، وتُصنع بمشاركة وتمويل من الولايات المتحدة. على سبيل المثال، المنظومة التي طُورت من أجل سلاح المظليين الأميركي، واستخدمت مكونات إسرائيلية، وجرت تجربتها هذا الأسبوع بنجاح، ولا يوجد سبب جدّي يمنع وصولها إلى أوكرانيا كمنظومة أميركية تجريبية.
- نموذج آخر هو منظومة الإنذار التي اقترحتها إسرائيل، والتي يمكن أن تمنع وقوع ضحايا كثيرة بين المواطنين الأوكرانيين. بعض المقربين من زيلينسكي رفضوها باحتقار من دون أن يعرفوا ما المقصود. من المفيد أن يعيدوا النظر. المهم أن يوقف نظام زيلينسكي حرب مكبرات الصوت العقيمة التي يخوضها ضدنا، وينتقل إلى حوار متعدد وسرّي ورصين بين كييف والقدس، بالتعاون مع واشنطن، وبوساطتها.