معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- خلال الأشهر الأخيرة، بدأت تتحقق التوقعات بشأن التراجع في الاقتصاد العالمي، كما تجلت في معطيات الماكرو - اقتصادية التي تم نشرها في العالم، وبصورة خاصة في الولايات المتحدة والصين. فاقتصاد الولايات المتحدة سجّل نمواً سلبياً للربع الثاني من سنة 2022 على التوالي. أمّا الناتج القومي فتقلص بنسبة 1.6% خلال الربع الأول من العام الحالي، و0.9% خلال الربع الثاني من العام ذاته. وفي الصين، تم تسجيل نمو إيجابي في الربع الثاني بنسبة 0.4% فقط، بالمقارنة مع توقعات كانت تشير إلى نمو بنسبة واحد بالمئة. معطيات شهر تموز/يوليو تلقي الضوء على الربع الثالث، وتؤشر إلى تراجُع في الاقتصاد الثاني عالمياً. فمعطيات الإنتاج الصناعي ارتفعت في تموز/يوليو 3.8%، مقابل توقعات وصلت إلى 4.6%؛ البيع بالجملة ارتفع بنسبة 2.7% فقط، مقابل توقعات بارتفاع بنسبة 5%. وكردٍّ على ذلك، اتخذ البنك المركزي الصيني خطوة مفاجئة تتعارض مع التوجه العالمي وخفض سعر الفائدة إلى 3.65%.
- المؤسسات الاقتصادية العالمية لم تقف على الحياد أمام هذه المعطيات، وقامت، الواحدة تلو الأُخرى، بخفض التوقعات العالمية بخصوص النمو. البنك الدولي قلّص التوقعات بخصوص النمو إلى 2.9%، مقابل توقعات سابقة كانت بنسبة 4.1%؛ صندوق النقد الدولي قام هو الآخر بتقليص توقعاته، من 4.9% إلى 3.2%؛ أمّا منظمة دول OECD، فقلصت توقعات النمو، من نسبة 4.5% إلى 3%. وفي أوساط هذه المؤسسات الثلاث، هناك إجماع على أن التوقعات من الممكن أن يتم تحديثها من جديد باتجاه الأسفل خلال الأشهر القريبة، وهناك خوف من ركود اقتصادي مستمر.
- لهذه المعطيات ثلاثة مسببات مركزية، يقوي الواحد منها الآخر ويؤدي إلى مسببات أُخرى:
- التضخم المالي: عودة التضخم المالي إلى العناوين، بعد غياب دام 40 عاماً، هي النتيجة المتوقعة لسياسات مالية ونقدية موسعة تم اتخاذها في أعقاب أزمة كورونا. لكن، على الرغم من إعلان البنوك المركزية في البداية أن التضخم هو ظاهرة جانبية موقتة فقط، فإنه تبين في سنة 2022 أن الظاهرة لم تتبدد، وهي أعلى من المتوقع، وتؤثر في أغلبية دول العالم.
القلق الأساسي لدى السياسيين ومتّخذي القرارات يتعلق بالخطوات المطلوبة بهدف كبح التضخم العالي، الذي يحدّ من قدرة النشاطات الاقتصادية في السوق. البنك المركزي في الولايات المتحدة رفع سعر الفائدة من صفر في بداية العام إلى 2.5% (حتى آب/أغسطس). وفي بريطانيا، رُفعت الفائدة 5 مرات منذ بداية العام، ووصلت الآن إلى 1.75%. هناك خبراء يشيرون الآن إلى أن هذه الخطوات ليست قوية بما فيه الكفاية، ويمكن أن تقود إلى تضخُّم ممزوج بنمو بطيء (أو سلبي حتى)، وبطالة عالية. في رأيهم، يجب رفع الفائدة بصورة أكثر دراماتيكية لكبح التضخم.
- الحرب الروسية - الأوكرانية: للحرب تداعيات سلبية كبيرة على الاقتصاد، بالأساس بسبب التخوف من توسُّع الحرب إلى مناطق أُخرى. العقوبات الاقتصادية على الاقتصاد رقم 11 في العالم تضر بالاقتصاد الروسي، وستُلحق به المزيد من الضرر، كما تؤثر في بقية دول العالم. تقليص التصدير الروسي للغاز والنفط أدى إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار الطاقة في العالم. ودول الاتحاد الأوروبي، التي تعتمد على الغاز الروسي، هي المتضرر الأساسي. كذلك أسعار المواد الزراعية ارتفعت بصورة دراماتيكية جراء دور روسيا وأوكرانيا المركزي في تصدير المواد الزراعية (ثلث كمية القمح المصدّرة عالمياً). هذا بالإضافة إلى أن عدم وجود حل قريب للنزاع، وامتداده إلى فترة الشتاء القريب، يزيد في المخاوف من أن الأسوأ لا يزال أمامنا.
- سلسلة التوريد: الأزمة في سلسلة التوريد، النابعة من عدم وجود توازن ما بين العرض والطلب، والتي أدت إليها أزمة كورونا، مستمرة خلال سنة 2022، إلى جانب استمرار الوباء. سياسة "صفر كورونا" التي تبنّتها الحكومة الصينية أدت إلى سلسلة من الإغلاقات في مناطق مختلفة من الدولة، وضمنها شنغهاي، القلب الاقتصادي للصين، وهو ما أثقل على سلسلة التوريد التي لم تعد إلى التوازن أصلاً. أزمة المناخ التي تصعّب نقل البضائع، وكذلك الحرب في أوكرانيا أيضاً. هذه الأزمة تؤدي إلى تقليص عرض البضائع والمواد المطلوبة للصناعات في المدى القصير، وبذلك تؤدي إلى ارتفاع في الأسعار وتقليص في الانتاج والنمو الاقتصادي.
- هذه العوامل حولت عدم الوضوح إلى مكون مركزي في المناخ الاقتصادي الحالي، وتضر بالرفاهية الاقتصادية للمواطنين في أغلبية دول العالم. وتبرز بصورة خاصة في الانخفاض في توقعات النمو للاقتصادات الكبيرة.
التداعيات على الاقتصاد الإسرائيلي
- بالمقارنة مع بقية دول العالم، تبدو إسرائيل مستقرة بشكل ملحوظ. التوقعات بخصوص التضخم في إسرائيل لسنة 2022 هي 4% فقط. ونسبةً إلى دول أُخرى، النمو الاقتصادي الإسرائيلي لا يزال ثابتاً بنسبة عالية، تقريباً 5%. هذا الأداء أدى إلى الكثير من الإطراء من المنظمات الاقتصادية العالمية، التي تشير إلى أهمية الصناعات التكنولوجية الدقيقة ودورها في التصدير والاستثمارات الأجنبية في إسرائيل.
- هذا الإطراء يتماشى مع المعطيات المتفائلة نسبياً التي نشرها بنك إسرائيل ووزارة المالية. فيتوقع بنك إسرائيل نمواً بنسبة 5% في نهاية العام، وبحسب التوقعات الاقتصادية الرئيسية في وزارة المالية، سيكون هناك نمو بنسبة 4.9%. بما معناه، وتيرة نمو عالية بالمقارنة مع العالم عموماً، والدول المتطورة خصوصاً. معطيات الربع الثاني من سنة 2022 أشارت إلى نمو عالٍ بنسبة 6.8%. معطيات إضافية تشير إلى صلابة الاقتصاد الإسرائيلي في النصف الأول من العام الحالي في ظل عدم الوضوح العالمي. أما نسبة البطالة فهي 3.4% فقط، وعادت إلى مستواها ما قبل أزمة كورونا؛ وبحسب اللجنة المركزية للإحصاء، فإن تصدير البضائع من إسرائيل ارتفع بشكل حاد نسبةً إلى الفترة ذاتها من العام الماضي؛ وفي أعقاب تحرير الطلبات التي توقفت منذ أزمة الكورونا، ونمو الصناعات التكنولوجية الدقيقة، ونمو سوق العقارات، ارتفع الدخل من الضرائب بشكل عالٍ في النصف الأول من هذا العام، بما يعادل 50 مليار شيكل نسبةً إلى الفترة ذاتها من العام الماضي. التوقعات، بحسب مصدر اقتصادي مسؤول في وزارة المالية، هي جباية 456 مليار شيكل، والفائض من الموازنة المتوقع هو 45 مليار شيكل (الفائض الآن هو 34 ملياراً).
- وفي المقابل، فإن التداعيات الدولية واضحة في مؤشر الأسعار لشهر تموز/يوليو، والذي كان مفاجئاً للأسوأ، وسجل ارتفاعاً بنسبة 5.2%، خلال الأشهر الـ12 الأخيرة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مؤشر أسعار البيوت، الذي سجل ارتفاعاً بنسبة 17.8%، وهو الأقصى منذ 14 عاماً. التضخم الكبير في إسرائيل لا يزال أقل نسبةً إلى العالم، بسبب العوامل الكابحة، بينها سعر الشيكل القوي الذي يقلل سعر الاستيراد إلى إسرائيل، والاستناد إلى غاز محلي يحبط التأثيرات الدولية. لكن، وبسبب الخوف من فقدان السيطرة على التضخم المالي ووصوله إلى مستويات تم تسجيلها في الدول المتطورة الأُخرى، قام بنك إسرائيل برفع الفائدة مرة أُخرى في آب/أغسطس إلى مستوى 2%. ولأن السوق موجودة في حالة تشغيل كامل، والنمو مستقر وعالٍ، لا خوف في إسرائيل (مقابل مخاوف لدى أغلبية دول العالم) من أن تؤدي الفائدة العالية إلى ركود. وأكثر من ذلك، وبسبب المعطيات التي تفيد بنمو عالٍ هذا العام، هناك توقعات أن يقوم بنك إسرائيل برفع الفائدة مرة أُخرى إلى مستوى 3% حتى نهاية العام، إذا كانت الخطوة مطلوبة بهدف كبح ضغط التضخم. هذا بالإضافة إلى أن تقليل التضخم في إسرائيل مهم بسبب السياق العام لارتفاع الأسعار الحالي. وعلى الرغم من التضخم القليل نسبياً، فإنه زاد في غلاء المعيشة، المرتفع أصلاً في إسرائيل قبل التأثيرات الدولية الأخيرة. الفئات المهمشة، الأكثر تضرراً من كل غلاء في مؤشر أسعار المستهلك، تتبع لمجالات لم تنتعش من أزمة الكورونا، وهو ما يزيد في الشعور بالفجوات في المجتمع الإسرائيلي، الذي يزيد في التوتر، وبصورة خاصة في فترة الانتخابات وعدم الاستقرار السياسي.
- لا يوجد حصانة، وإسرائيل كسوق صغيرة متعلقة بالتجارة العالمية، من الممكن أن نشعر في الأشهر الأخيرة من العام أكثر بعدم الوضوح الاقتصادي العالمي. وحتى إن كانت المؤشرات الماكرو - اقتصادية في إسرائيل جيدة، من المتوقع أن نبدأ في سنة 2023 برؤية تداعيات الركود العالمي على الاقتصاد الإسرائيلي أيضاً. على سبيل المثال، هناك تراجُع في أوروبا من شأنه أن يؤدي في سنة 2023 إلى تراجُع في التصدير الإسرائيلي إلى هذه السوق التي تشكل الآن أكثر من ثلث التصدير الإسرائيلي. وللتعامل مع هذه التحديات، على إسرائيل الاستمرار في انتهاج سياسة اقتصادية مسؤولة، إلى جانب السعي لتوسيع الأسواق بأسواق جديدة ليس لديها وجود قوي اليوم.
- دول الخليج التي تصدّر الطاقة، لا تتأثر بالركود العالمي، ومن المتوقع أن تنمو بوتيرة 6% خلال سنة 2022. حان الوقت لأن تستغل إسرائيل العلاقات الدبلوماسية التي بنتها مع جزء من هذه الدول في إطار "اتفاقيات أبراهام"، وتوسع العلاقات الاقتصادية معها. ومن المعطيات عن التبادل الدولي من سنة 2022، يبدو أن إسرائيل انتبهت لهذه الفرص. ففي النصف الأول من سنة 2022، مقابل النصف الأول من سنة 2021، ارتفع التبادل التجاري مع الإمارات بـ117%، ووصل إلى مستوى 1.2 مليار دولار. أما التبادل مع البحرين، الذي لم يكن موجوداً حتى سنة 2021، فبدأ بالتطور. هذا بالإضافة إلى أن إسرائيل رفعت التبادل التجاري مع مصر بنسبة 49% نسبةً إلى سنة 2021، ومع الأردن ارتفع بنسبة 48% نسبةً إلى سنة 2021. تعزيز تطوير العلاقات الاقتصادية في الأسواق الجديدة سيرسخ الاستقرار الاقتصادي لإسرائيل، وكذلك الرفاه الاقتصادي للمواطنين.