هدف الإصلاح القضائي الحقيقي هو إحداث انقلاب في الأفق السياسي والقضاء على حلّ الدولتين
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- للوهلة الأولى، لا توجد علاقة بين الاحتجاج والاحتلال. ومَن تجرأ على انتقاد الاحتجاج لتجاهُله الاحتلال، ردوا عليه: "ليس الآن". لكن على الرغم من ذلك، فإن الذي يحرّك مهندسي الإصلاح ومؤيديه، وأيضاً قادة الاحتجاج، بصورة غير صريحة، مرتبط بحبل السرة بالاحتلال، وبالأساس بالأفق السياسي الماثل أمام أعين كل طرف. والسؤال: هل يوجد مؤيدون لحلّ الدولتين بين الذين يدفعون قدماً إلى الإصلاح القضائي؟
- عندما كان المعسكران يلتقيان في الشارع، كان لقاؤهما دائماً على خلفية سياسية (أوسلو، خطة الانفصال). لكنهما اليوم يتحدثون عن التغييرات في منظومة القضاء، وعن التوازن بين السلطات، فما الذي يجري فعلاً هنا-الصراع الأيديولوجي الذي يغلي تحت سطح النقاش-هل هو الإصلاح، أو انقلاب في الأفق السياسي لإسرائيل، والمتعلق بـ"المناطق" [المحتلة].
- حتى الآن، كانت حجة التقصير في موضوع النزاع هي حلّ الدولتين. هذا لا يعني أننا تقدّمنا نحوه فعلاً، وبالتأكيد ليس خلال سنوات حُكم نتنياهو، لكنه الحلّ الوحيد الذي ناقشناه. وكان الانقسام بشأن حلّ الدولتين، معه أو ضده.
- لقد ميّز نتنياهو بين الرؤيا وبين السياسة: هو يحافظ على رؤيا الدولتين، لكنه لا يتحرك قيد أنملة من أجل تحقيقها، "بسبب رفض الفلسطينيين الاعتراف بالدولة اليهودية". طوال سنوات حُكم نتنياهو، كانت حجة التقصير السياسي هي حلّ الدولتين. "لم أغيّر موقفي، نحن نريد دولتين تعيشان بسلام، مع ترتيبات أمنية ملائمة،" قال وكرّر.
- هناك أغلبية إسرائيلية تتماهى مع هذا الموقف: إسرائيل تريد السلام، ولسنا مَن يتحمل مسؤولية استمرار الاحتلال. الاحتلال مستمر لأن الفلسطينيين هم الذين لا يريدون. كل الصفات السيئة المنسوبة إلى إسرائيل-الاستعمار والإمبريالية والعنصرية والأبرتهايد-مرفوضة من جانب الجمهور، ويعتبرها كذباً وافتراءً، نحن مستعدون، والعرب هم الذين لا يريدون. منذ البداية، هم رفضوا خطة التقسيم. ولو عاد الأمر إلينا فقط، لتحقّقَ السلام. هذا الذي سمح أيضاً باستمرار التضامن مع الدولة والتجنيد في الجيش الإسرائيلي وروحية تضحية الأغلبية، على الرغم من عشرات الأعوام من الاحتلال. نحن طيبون ومستعدون للتسوية. وهذا ما يفسّر الظاهرة الغريبة، أن الذين كانوا أبطالاً يقاتلون مع الاحتلال، أصبحوا يعارضون الاحتلال.
- النقاش العام لا يذكر الاحتلال بكلمة واحدة، لكن الاحتلال هو في قلب الاختلاف. الإصلاح الحقيقي لحكومة اليمين بالكامل هو إحداث انقلاب في الأفق السياسي، بحيث لا وجود لحلّ الدولتين بعد اليوم، ولا وجود لتسوية إقليمية. الأفق السياسي الجديد هو دولة واحدة مع الفلسطينيين كرعايا، وليس كمواطنين. دولة واحدة ونظامان قانونيان. أبرتهايد وتفوّق يهودي.
- لو كان الجدل يدور فقط حول طريقة تعيين القضاة، أو فقرة التغلب، لما كان مزّق الدولة، وجرّ الناس إلى الشارع، وكسر المحظور في الجيش الإسرائيلي. وكما أقرّوا نظام الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة، ثم تراجعوا عنه، وكما يرفعون ويخفضون نسبة الحسم، وكما في المرة السابقة، غيّروا تركيبة لجنة اختيار القضاة، فإن المعارضة هي لتغيير توجهات إسرائيل.
- "الرافضون" للخدمة لا يرفضون هذه المهمة أو تلك، هم يرفضون الخدمة في دولة تدير ظهرها للسلام والحلّ، وتسير برأس مرفوع نحو واقع الأبرتهايد، ليس نتيجة عدم قدرة موقتة (كما تعتقد أغلبية الإسرائيليين)، بل نتيجة رؤيا التفوق اليهودي. الخدمة العسكرية في دولة عالقة بالاحتلال، ولم تفلح في التخلص منه، وتعيش في واقع من الأبرتهايد كأمر واقع شيء، والخدمة العسكرية في دولةٍ هذه هي رؤياها شيء آخر.