على خطى أردوغان وبن سلمان، نتنياهو ينضم إلى نادي المنبوذين في الشرق الأوسط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • بوب مينينديز، رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، هو الذي يمكن القول عنه إنه صديق كبير لإسرائيل. خلال تشرين الثاني/أكتوبر الماضي، وقبل تأليف الحكومة حتى، حذّر بنيامين نتنياهو من أن تعيين بن غفير في منصب وزير يمكن أن يضرّ بعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة. لم يتم التعامل مع التحذير بجدية، وكما تنبأ السيناتور، العلاقات تتدهور نحو الهاوية.
  • في كانون الثاني/ يناير، وبعد أن أعلن جو بايدن نيته المصادقة على بيع تركيا 80 طائرة F-16، وقف مينينديز ضد الصفقة بحدّة، وتعهد عدم المصادقة عليها حتى يقوم رجب طيب أردوغان "بالتراجع عن تهديداته، وتحسين وضع حقوق الإنسان في تركيا... ويبدأ بالتصرف كحليف وفيّ." حينها، ردّ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بغضب: لا يجب على الإدارة الأميركية رمي صفقة مهمة كهذه بسبب رفض بعض الأشخاص لها." وخلال الأسبوع الماضي، غرد الناطق الرسمي باسم الرئيس التركي فهراتين ألتون، قائلاً: "من المحزن رؤية أعضاء في الكونغرس وفي الإدارة ينشرون مواقف أحادية الجانب بشأن سياسات تركيا." وبحسبه، فإن "الوصف المضلل لسياسات حكومتنا، تحوّل إلى مبدأ أساسي في الكونغرس."
  • والمثير للاهتمام هو أن انتقادات مشابهة تصدر اليوم عن نتنياهو وشركائه ضد المنتقدين من الولايات المتحدة، وتشير إلى أنهم لا يفهمون أو يحرّفون "الحقيقة" بشأن الانقلاب القضائي الذي يحاولون القيام به.
  • حتى الآن، لم يقارن مينينديز وآخرون في الكونغرس بين نتنياهو وأردوغان علناً، إلا إن انتقاد بايدن العلني والحاد عندما رفض دعوة نتنياهو إلى زيارة البيت الأبيض، كان كافياً، ولم يكن بحاجة إلى أي تحليلات. نتنياهو انضم رسمياً إلى ائتلاف القيادات المنبوذة في الشرق الأوسط، إلى جانب الرئيس التركي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. يتعامل بايدن معهم جميعاً ببرودة خاصة. فالرئيس الأميركي لم يتحدث مع أردوغان إلاّ بعد أشهر طويلة من تولّيه منصب الرئاسة، أما مصافحة بن سلمان، فتأخرت حوالي السنة والنصف، والآن لنرَ كم سيمرّ من الوقت حتى تتلقى عائلة نتنياهو دعوة إلى زيارة واشنطن.
  • تاريخياً، طرحت الدول الثلاث نفسها كأصول استراتيجية للولايات المتحدة، وكانت الولايات المتحدة على مدار سنوات تنظر إليها بالطريقة عينها. السعودية، الحليف الأقدم، عززت العلاقات بصفقات تقدَّر بعشرات مليارات الدولارات. كما أنها دعمت أغلبية السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، وشاركت بفاعلية في الحربين ضد العراق، حتى أن عمليات 11 أيلول/سبتمبر التي كان معظم منفّذيها سعوديين، أضرّت بالعلاقات بين الدولتين بشكل طفيف فقط. العلاقات ما بين السعودية والولايات المتحدة باتت أقوى تحت إدارتيْ الرئيسين بوش الأب وبوش الابن، وذلك يعود إلى الائتلاف ضد إيران الذي كان قاسماً مشتركاً. إلا إن ما أضر بالعلاقات بصورة خاصة، كان اغتيال الصحافي جمال الخاشقجي، غير المرتبط باستراتيجيا الحرب أو النفط، أو حتى تجارة الخيول الإقليمية، هذا الاغتيال هو ما دفع بايدن إلى اتخاذ قرار "إعادة تقييم" العلاقات الأميركية مع السعودية. هذا التقييم لم ينتهِ بعد-صحيح أن واشنطن صادقت قبل عام على بيع السعودية أسلحة بقيمة 3 مليارات دولار، ولكن بن سلمان، كنتنياهو، لم يُدعَ إلى البيت الأبيض حتى الآن.
  • الأزمة بين أردوغان والإدارة الأميركية بدأت خلال ولاية ترامب، وذلك بسبب صفقة شراء منظومات الدفاع الجوي الروسية S-400، بعد صدام مع زعماء دول الناتو الذي تُعتبر تركيا جزءاً منه، على عكس موقف الرئيس ترامب. تلقّت تركيا عقوبات بسبب الصفقة، وتم إخراجها من خطة تطوير طائرات الـ F-35، لكن الضربة المركزية جاءت بعد أن قامت باعتقال الخوري الأميركي، برونسون، الذي اتُّهم بعلاقات مع الداعية الديني فتح الله غولن، الذي يتهمه أردوغان بالمسؤولية عن محاولة الانقلاب الفاشل في تموز/ يوليو 2016. العقوبات التي فرضها ترامب على تركيا حينها، كانت نقطة البداية للأزمة الاقتصادية التي تعاني تركيا جرّاءها حتى اليوم.
  • بايدن وصف أردوغان بأنه "حاكم ديكتاتوري" خلال حملته الانتخابية، وقال في مقابلة مع "نيويورك تايمز" إن "على أردوغان أن يدفع الثمن (ثمن سياساته). حتى أن بايدن ذهب أبعد من ذلك خلال المقابلة نفسها، حين شرح أن الولايات المتحدة "تستطيع دعم جهات في القيادة التركية لا تزال موجودة، وتقوّيها حتى تستطيع هزيمة أردوغان، وليس بواسطة انقلاب." وأوضح "ليس عبر انقلاب". ردّ تركيا على هذه الأقوال يشبه إلى حد بعيد ما قيل في الكنيست هذا الأسبوع. مستشار أردوغان مثلاً، إبراهيم كالين، غرّد قائلاً: إن "طريقة تحليل بايدن لما يجري في تركيا تتميز بالنفاق والاستعلاء والجهل. الأيام التي كان فيها من الممكن توزيع الأوامر على تركيا انتهت." مضيفاً "إن اعتقدتم أنكم تستطيعون، فحاولوا، أنتم مَن سيدفع الثمن."
  • "إسرائيل هي دولة سيادية تتخذ قراراتها بالاستناد إلى إرادة شعبها-وليس بحسب ضغوط خارجية، وضمنها من الأصدقاء،" هذا ما قاله نتنياهو رداً على انتقاد بايدن؛ أما بن غفير فأضاف إلى هذه الأقوال، أنه "يجب أن يفهموا أن إسرائيل ليست نجمة إضافية في علم الولايات المتحدة."
  • إذا اعتقد نتنياهو أنه يستطيع تبنّي سياسة أردوغان وبن سلمان نفسها، وأن يتجاهل التحذيرات والانتقادات وكأنها كرة ثلج ستذوب، فهو مخطئ. عليه أن ينظر إلى الخريطة الاستراتيجية الإقليمية الجديدة ليفهم أنه، وعلى عكس أصدقائه في النادي، لا يستطيع أن يسمح لنفسه بانتظار الولايات المتحدة لتنضج وتعرف أهمية العلاقة مع إسرائيل.
  • الفرق بين إسرائيل والسعودية غير محصور في كمية الأموال الموجودة في خزينتها، أو في النفط الموجود في أراضيها فقط. ليس لدى السعودية أي مشكلة في شراء سلاح روسي، أو صيني، أو حتى بناء مفاعلات نووية بسيطرة غير أميركية، وبالأساس إدارة سياسة شرق أوسطية مستقلة من دون تصريح من الولايات المتحدة. هذا الشهر، قامت بانقلاب استراتيجي عندما أعلنت نيتها تجديد علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وبذلك فككت الائتلاف العربي ضد إيران، الذي استندت إليه إسرائيل. والأهم، أنها غيرت خطوة في قواعد اللعبة، التي كانت بوساطة صينية، وليس أميركية. لدى السعودية أيضاً حلّ للأزمة اللبنانية، وللحرب في اليمن، ولانهيار الاقتصاد المصري.
  • أما تركيا، فهي عضو في "الناتو"، كما أن علاقاتها مع الدول العربية، كالإمارات والسعودية والبحرين، وقريباً مع مصر، والتعاون مع روسيا، وكذلك علاقاتها مع إيران، ومقابل هذا كله علاقاتها مع إسرائيل، تمنحها مكانة سياسية استراتيجية قوية جداً-ومساحة لتطبيق سياسات مستقلة، حتى لو كانت تتعارض مع تلك الأميركية. قدرتها على كبح توسُّع "الناتو" عبر استعمال الفيتو ضد انضمام فنلندا والسويد (صادقت مؤخراً على انضمام فلندة)، تمنحها أوراق قوة وضغطاً في صراع بايدن ضد روسيا. لم يتم تقديم دعوى قضائية ضد تركيا في محكمة الجنايات الدولية بسبب احتلالها أجزاء من سورية، وتقوم بكل ما تريده في المناطق الشمالية هناك، بدعم روسي، على الرغم من امتعاض أميركا.
  • إسرائيل لا تملك هذه المكانة. وهي موجودة اليوم في مسار صدامي مع واشنطن بسبب النووي الإيراني، لا تستطيع تهديد "الناتو"، وهي متعلقة كلياً بنيات روسيا الحسنة كي تستطيع الاستمرار في ضرب أهداف في سورية، ولا تملك أي موارد مادية كالسعودية لتستطيع استعمالها للتأثير السياسي، والآن يتفكك أهم رصيد لديها حيال العلاقات مع أميركا. الحديث هنا يدور عن أساسين بُنيت العلاقات استناداً إليهما: كونها دولة "ديمقراطية" تشارك أميركا في القيم ذاتها؛ وقدرتها على الحصول على امتيازات من الإدارة الأميركية لمصلحة دول وقيادات تريد إقامة علاقات معها، أو لديها نزاعات مشتركة معها.
  • ما كان موجوداً يوم توقيع "اتفاقيات أبراهام" يتفكك. لو كانت هذه الاتفاقيات الآن في قيد التوقيع، فأشك في أن تكون إسرائيل قادرة على أن تعد السودان بمساعدات أميركية وإزالته من قائمة الدول الداعمة للإرهاب؛ أو أن تعِد المغرب باعتراف أميركي بسيادته على الصحراء الغربية في مقابل اتفاق مع إسرائيل، أو تتمتع بمكانة الوسيط لتحصل أبو ظبي على طائرات F-35 في مقابل السلاح مع إسرائيل (فشلت الصفقة في نهاية المطاف). بالأساس، من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل ستستطيع تجنيد الولايات المتحدة لوضع تهديد عسكري جديّ في مقابل إيران لوقف مشروعها النووي.
  • وفي هذا السياق، من المهم الانتباه إلى الهجمات التي تقوم بها الولايات المتحدة مؤخراً ضد وحدات "قوة القدس" التابعة للحرس الثوري الإيراني في سورية. يوم الخميس الماضي، وفي ساعات الليل، هاجمت الولايات المتحدة قواعد عسكرية تابعة لـ"قوة القدس" وميليشيات داعمة لإيران في دير الزور، إلى جانب بلدة ميادين والبوكمال على حدود العراق. قُتل خلال الضربة 19 شخصاً، بينهم 11 مقاتلاً تابعاً للميليشيات، وثلاثة جنود سوريين، إلى جانب 5 مقاتلين "غير سوريين". الهجوم جاء رداً على هجوم مسيّرات استهدف قاعدة أميركية قُتل فيها مقاول أميركي وأصيب 5 جنود أميركيين. وفي يوم الجمعة الماضي، تم إطلاق 10 صواريخ على قاعدة أميركية في "القرية الخضراء" في المنطقة الكردية بجانب الحسكة، كردّ على الهجوم الأميركي. صحيح أن هذه المناوشة ليست الأولى بين القوات الأميركية والقوات المدعومة إيرانياً في سورية؛ ففي شهر آب/ أغسطس الماضي، قصفت طائرات أميركية قواعد تابعة لـ"قوة القدس" في جنوب شرق سورية، كردٍّ على هجوم بالمسيّرات على قاعدة التنف الأميركية، وشُنّ هجوم آخر بالمسيّرات على القاعدة ذاتها في كانون الثاني/ يناير. لكن الهجوم هذه المرة كان بعد أسبوع فقط من هجوم إسرائيلي في سورية ضد أهداف تابعة لإيران.
  • يوم الثلاثاء الماضي، وخلال شهادة أمام أعضاء لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، قال قائد هيئة الأركان المشتركة الأميركية مارك ميلي، إن على القوات الأميركية ضرب القوات المدعومة من إيران بقوة أكبر، بهدف ردعها عن ضرب الجنود الأميركيين في سورية، وفي مناطق أُخرى. يبدو أن الحديث يدور عن هدف مشترك للولايات المتحدة وإسرائيل. لكن مسؤولين في البنتاغون قالوا للصحافيين أنهم يتخوفون من أن تكون الهجمات ضد أهداف أميركية بمثابة ردّ على الهجمات الإسرائيلية في سورية، ولذلك، يمكن أن تجد أميركا نفسها في المثلث، بين إسرائيل وسورية وإيران.
  • سارع الرئيس بايدن إلى التوضيح أن الولايات المتحدة ستردّ على كل ضربة تستهدف جنودها، لكنه أضاف أنه لا ينوي خوض حرب ضد إيران. الولايات المتحدة تمسكت بموقفها الذي بحسبه، إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن أمنها، لذلك، فهي لا تدين، ولا تنتقد الضربات الإسرائيلية في سورية، وعلى الرغم من ذلك، فإنها لا تريد الانجرار إلى مناوشات إضافية يمكن أن تضرّ بقواتها وتحوّلها إلى هدف للردّ الإيراني.
  • الآن، وخلال الظروف الصعبة التي نشأت بين حكومة نتنياهو والبيت الأبيض، يمكن أن تتحول الضربات الإسرائيلية في سورية، والتي كانت "شرعية" في نظر الأميركيين، إلى أداة ضغط سياسية أميركية في العلاقة بين البلدين.
 

المزيد ضمن العدد