العلاقات الأميركية - الإسرائيلية: أزمة ثقة
تاريخ المقال
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي
من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.
- أقوال الرئيس بايدن أنه لن يوجّه دعوة إلى رئيس الحكومة قريباً لزيارة واشنطن، تعكس تصادماً على صعيد القيم وتصعيداً في رسائل التحذير من الإدارة. وهذا بسبب الإسقاطات الممكنة للتغييرات المتطرفة في النظام القضائي، والخطوات في مواجهة الفلسطينيين، على شبكة العلاقات المتبادلة بين البلدين. وفي هذا السياق، هناك قلق متصاعد في واشنطن من أن تؤدي سياسات الحكومة إلى زعزعة "القيم الديمقراطية" المشتركة للدولتين (Shared values)، وإلى تغيير صورة الدولة وإلحاق ضرر جديّ بالعلاقات مع الفلسطينيين يصل إلى حدّ تصعيد شامل. عملياً، أرسل بايدن إلى نتنياهو رسالة واضحة، مفادها أنه تعب من اللعب بالكلمات الذي يمارسه رئيس الحكومة، ويحمّله مسؤولية الوضع الذي وصلت إليه إسرائيل.
- أقوال أكثر حدّة يمكن ملاحظتها في سلسلة مقالات نشرها الصحافي توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز"، واتّهم فيها نتنياهو بأنه المسؤول عن الوضع. ففي مقالة تحت عنوان "لا يمكن الاعتماد على نتنياهو"، ادّعى أن نتنياهو تحول إلى "لاعب غير عقلاني"، لا يضع فقط المصالح والقيم الإسرائيلية في خطر، بل أيضاً المصالح الأميركية ذاتها. حتى أن فريدمان ذهب إلى أبعد من ذلك وادّعى أنه "يجب على الولايات المتحدة التأكد من أن نتنياهو لن يستعمل الأسلحة الأميركية للمبادرة إلى حرب يمكن منعها مع إيران، أو حزب الله، من دون دعم كامل من القيادة العليا للجيش الإسرائيلي."
- العلاقات الإسرائيلية - الأميركية مرّت خلال عشرات الأعوام بعدة أزمات عميقة. على سبيل المثال، أزمة الاتفاق النووي مع إدارة أوباما، وأزمة الضمانات مع إدارة بوش، وأزمة الجاسوس بولارد، وغيرها. وعلى عكس الأزمات السابقة التي اندلعت بسبب قضايا سياسية - أمنية، فإن الأزمة الحالية حدثت بسبب قضايا قيمية داخلية - إسرائيلية، تشكل الأساس للحلف الاستراتيجي بين الدولتين خلال عشرات الأعوام، وهنا تكمن خطورتها أيضاً.
- ما يزيد في أهمية هذه الأزمة نتائج استطلاعات الرأي الداخلية في الولايات المتحدة بشأن إسرائيل، والفجوات العميقة بين الحزبين. ففي استطلاع جديد للرأي نشره معهد "غالوب"، تبين أن نسبة الديمقراطيين الذين يشعرون بتضامن مع إسرائيل معادِلة تقريباً لنسبة الذين يشعرون بتضامن مع الفلسطينيين - 40% في مقابل 38% (فرق 2% في مقابل فرق 35% قبل نحو 10 أعوام). وفي المقابل، فإن 77% من الجمهوريين يشعرون بتضامن مع إسرائيل، في مقابل 13% فقط مع الفلسطينيين. أما في أوساط الشباب، فإن دعم الفلسطينيين أكبر منه في أوساط كبار السن. ومن الممكن الافتراض أنه بعد انتقادات الرئيس بايدن لحكومة نتنياهو، فإن الفجوات ستزداد بين الحزبين إزاء كل ما يخص إسرائيل. ويمكن النظر إلى الانتقادات التي وجّهتها جهات جمهورية إلى الرئيس بايدن بسبب إعلانه عدم دعوة نتنياهو قريباً، كدليل على ذلك. فعلى سبيل المثال، نيكي هيلي، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سابقاً، والتي أعلنت أنها ستخوض الانتخابات الرئاسية، انتقدت الرئيس بايدن بسبب تدخُّله في قضايا إسرائيلية داخلية. ولذلك، يتوجب على حكومة إسرائيل أن تحذر من أن تتحول إسرائيل إلى مركز الخلاف بين الحزبين عشية بدء الحملات الانتخابية، بشكل يمكن أن يجعل سياسات الديمقراطيين أكثر حدّة تجاهها.
الولايات المتحدة كسند استراتيجي
- الولايات المتحدة هي أحد الأعمدة المركزية في الأمن والحصانة القومية لإسرائيل، ولا بديل من الحلف الاستراتيجي بين الدولتين. وهو ما يعبّر عنه بالأساس من خلال المساعدة العسكرية بقيمة 3.8 مليار دولار في العام؛ وبالالتزام بالمحافظة على التفوق النوعي العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط؛ المساعدة الواسعة لتطوير منظومات دفاع متطورة جداً وصلت إلى إسرائيل، وبالشراكة في تطوير منظومات الدفاع التي تعتمد على الليزر؛ بتزويد إسرائيل بطائرات مقاتلة ومنظومات أسلحة من الأكثر تطوراً في العالم؛ بالتعاون الاستخباراتي؛ وبالتزويد الدائم بقطع الغيار؛ التعاون مع قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي (Centcom)، وفي إطاره، شارك الجيش الإسرائيلي في تدريب واسع ومتعدد الأذرع ، وغيرها من الأمور. وهذا كله إلى جانب المظلة السياسية والدعم الواسع لإسرائيل في المؤسسات الدولية بصورة دائمة، وفي أوقات الحرب، لكبح قرارات وإدانات ضدها في مجلس الأمن، وكذلك بالتعاون الاقتصادي والتكنولوجي الواسع.
- هذا التعاون وغيره الكثير يشكل حلقة مركزية في صورة القوة والردع الإسرائيلية. وأكثر من ذلك، فإن العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة هي مركّب مركزي في وقف المشروع النووي الإيراني، وهو ما انعكس مؤخراً في أقوال رئيس هيئة الأركان المشتركة للولايات المتحدة الجنرال ميلي، إن إيران يمكنها الحصول على المواد اللازمة لسلاح نووي خلال أقل من أسبوعين، وستحتاج إلى أشهر معدودة لصنع سلاح نووي. هذا بالإضافة إلى أن التعاون العميق ضروري أيضاً من أجل تطوير العلاقات الأمنية مع دول الخليج، والدفع قدماً بالتطبيع مع السعودية ودول أُخرى في المنطقة. وخصوصاً في وقت تحاول إسرائيل إعادة ترميم علاقاتها مع هذه الدول.
- الإبعاد المشروط الذي تلقّاه نتنياهو يشكل إنذاراً استراتيجياً لإسرائيل. زعزعة الأساسات التي يستند إليها الحلف بين الدولتين ستُلحق الضرر بقوة إسرائيل الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية أيضاً. ما يمكن فهمه من أقوال الرئيس، أن التحذيرات من الإدارة في مرحلة معينة، ستتحول إلى ردود حقيقية وعملية. وهو ما يمكن أن ينعكس في الضرر الحقيقي بالعلاقة على مستوى القيادات، وفي تراجُع الدعم الواسع من الإدارة لمواقف إسرائيل، وفي الضرر الذي سيلحق بصورة القوة الإسرائيلية، وبالاستعداد للدفاع عنها في المحافل الدولية. وعملياً، إن لم يستطع رئيس الحكومة نتنياهو الاستجابة لتوقعات الإدارة في واشنطن، ووقف التغييرات المتطرفة في النظام القضائي، فإن العلاقات مع إسرائيل يمكن أن تتراجع، وتبدو أشبه بعلاقة الإدارة بالسعودية - علاقات باردة جداً على مستوى القيادات، إلى جانب علاقات عميقة جداً في المجالات الأمنية - العسكرية.
تغيير الاتجاه لا يزال ممكناً
- وصلت العلاقات ما بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأزمة الثقة بين الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة إلى مفترق طرق يجب اتخاذ قرار بشأنها. عملياً، على رئيس الحكومة الاختيار بين خيارين استراتيجيين أساسيين: وقف الانقلاب القضائي وترميم العلاقات بشكل يسمح له بتعميق التعاون الاستراتيجي، والدفع قدماً بالقضايا المتعلقة بالشأن الإيراني وترميم صورة القوة الإسرائيلية؛ وفي المقابل، يمكنه الاستمرار في إجراء التغييرات المتطرفة في النظام القضائي، وزيادة حدة الأزمة مع الإدارة، بشكل سيؤدي إلى ضرر كبير جداً بقوة إسرائيل الاستراتيجية، ويلعب لمصلحة أعدائنا ومنافسينا في المنطقة.
- أما إزاء الفلسطينيين، فعلى رئيس الحكومة الامتناع من القيام بخطوات يمكن فهمها بأنها خطوات تحضيرية للضم، أو تغيير الوضع القائم في الأماكن المقدسة، تؤدي إلى تسارُع مسار انهيار السلطة. هذه الخطوات يمكنها أن تؤدي إلى تصعيد واسع، يشمل "حماس"، وأيضاً "عرب إسرائيل". وستكون النتيجة انشغالاً أكبر لإسرائيل، يستنفد الجيش؛ ويجعل العلاقات، المتوترة أصلاً مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أكثر توتراً، كما يزعزع العلاقات الخاصة مع الدول العربية، ويعاظم التهديدات القضائية على الساحة الدولية.