من دون استراتيجيا، الجولة المقبلة ستصل قريباً
تاريخ المقال
المصدر
- عملية "درع وسهم" هي نجاح مثير للإعجاب من الناحية العسكرية – التكتيكية. فقد تلقى الجهاد الإسلامي ضربة قاسية، كبار قادته اغتيلوا، وضُربت أرصدته من دون أن تدفع إسرائيل ثمناً سياسياً لوقف إطلاق النار. بدأت العملية بضربة استهلالية دقيقة، وباغتيال ثلاثي مركّز، انطلاقاً من قرار عدم التحرك بصورة فورية والدم يغلي، بل التحرك لاحقاً بطريقة أكثر إيلاماً، وانطلاقاً من معلومات استخباراتية دقيقة. لكن الأكثر إثارةً للإعجاب من الناحية الاستخباراتية والعملانية كانت القدرة على ضرب 3 مسؤولين رفيعي المستوى آخرين من الجهاد الإسلامي خلال العملية، بينما زعماؤه مختبئين ويتصرفون كمطلوبين.
- وهذا من دون شك دليل على احترافية مذهلة للجيش الإسرائيلي والشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية أمان. علاوةً على ذلك، أظهرت إسرائيل صموداً من الناحية الدفاعية، كما أظهرت الجبهة الداخلية تماسكاً مذهلاً خلال أيام المعارك. ومقارنةً بالأهداف المحدودة التي وضعتها المؤسسة الأمنية، لا شك في أن المقصود نجاح عسكري. قد توقف إطلاق النار، والهدوء عاد بصورة موقتة. صحيح أن صورة الجهاد الإسلامي صعدت وسط معظم تنظيمات المقاومة، كما تصعد صورة كلّ مَن يتحرك ضد إسرائيل، وأن التنظيم نجح في تعطيل حياة الإسرائيليين، لكن هذه "الإنجازات" توازنها الضربات التي تلقاها.
- مع ذلك، يجب ألّا ننخدع بالأوهام. فدولة إسرائيل تتصرف منذ أعوام طويلة من دون استراتيجيا ورؤية واضحتين في كل ما يتعلق بالساحة الفلسطينية - في مواجهة التحديات المعروفة، وتلك التي تنتظرنا في الأفق. يجب أيضاً أن نوضح للجمهور، بصدق، أن الجولة الحالية التي انتهت الآن ليست الأخيرة. مشكلة غزة لم تُحَل، و"حماس" تواصل زيادة قوتها، وقد نضطر إلى الدخول في مواجهة معها لاحقاً، لأن الهدوء الذي تحقق هو موقت فقط. لقد واجهت إسرائيل في هذه العملية تنظيماً "إرهابياً" هو الأضعف على الساحة الفلسطينية. و"حماس" لم تتضرر من وقوفها على حِدة، بل ازدادت قوة. وعملياً، على المستوى الاستراتيجي، عملية "درع وسهم" لم تغيّر شيئاً.
- إسرائيل تعمل من دون خطة رئيسية للساحة الفلسطينية من خلال امتناعها من اتخاذ قرار واضح بشأن توجُّهها. هناك احتمال أن يكون القرار هو رغبتنا في الانفصال عن الكيان الفلسطيني. في هذه الحالة، فإن السلطة الفلسطينية و"فتح"، على الرغم من كل السيئات، فإنهما أفضل بعشرات المرات من "حماس" (تنظيم ليس هناك أي فرصة لعملية سياسية معه). في المقابل، هناك احتمال ثانٍ، يبدو أن صنّاع القرار في إسرائيل أكثر قرباً منه، وهو الجلوس وعدم فعل أي شيء.
- والمقصود في هذه الحالة الاستمرار في مراقبة التفكك الكامل للسلطة الفلسطينية (التي برز ضعفها في العملية الحالية، وأنها ليست ذات صلة) والاعتراف بالأمر الواقع بأن "حماس" هي السيد في غزة. اختيار الاحتمال الثاني يثير شعوراً بالمرارة لدى أجزاء واسعة من الجمهور الإسرائيلي بعد كل جولة في القطاع - إذا كانت "حماس" شريكاً، فإن الضرر الموجّه إليها محدود، والرغبة في المحافظة عليها كعنوان واضحة.
- إن قرار عدم إدخال "حماس" في جولة القتال الأخيرة كان قراراً صائباً، سواء على المستوى التكتيكي، أو الاستراتيجي. على المستوى التكتيكي - نفّذت إسرائيل ضربتها الاستهلالية ضد الجهاد، وبذلك حققت هدفها. إدخال "حماس" في القتال معناه إطالة أمده مجاناً، ومن دون ميزة المبادرة، من المعقول أن تكون النتيجة مخيبة للأمل. على المستوى الاستراتيجي، إذا كانت إسرائيل ترغب في تغيير الوضع الفلسطيني بصورة جذرية، فإن عليها التخطيط لعملية مختلفة مع هدف مختلف وعدم توسيع عملية محدودة إلى معركة بسبب الانجرار وراء إنجازات، أو إخفاقات تكتيكية. هذا يمكن أن يؤدي إلى منزلق خطِر قد يخرج عن السيطرة.
- من المنتظر أن يرافقنا التوتر خلال الأيام القبلة، وبصورة خاصة يوم الجمعة الذي تصادف فيه ذكرى يوم القدس. الأخبار الجيدة أن العملية خففت من حماسة الطرف الثاني الذي لم يعد لديه رغبة في المزيد من الدمار والاغتيالات. من جهة ثانية، يحمل يوم القدس موضوعاً هو الأكثر قابليةً للانفجار في الشرق الأوسط - السردية الفلسطينية الدينية، القدس، حرم المسجد الأقصى وخيار توحيد الساحات تحت رايته. من واجب صنّاع القرار في إسرائيل التصرف بتعقُّل وحساسية حيال هذا اليوم.
- يجب تجنُّب الاستفزازات في الأماكن المقصودة والامتناع، بقدر الممكن، من التقاط صور إشكالية في حرم المسجد الأقصى، وزيادة قوات الشرطة، وتنسيق المناسبة مع الوقف الأردني. ليس لأننا لا نملك القدرة على مواجهة تصعيد جديد وحادث على أكثر من جبهة، بل لأن لا مصلحة لنا في ذلك. وقبل كل شيء، يتعين على إسرائيل أن تنتهج المبادرة والتصرف بفعالية على الصعيد العسكري - التكتيكي على المستوى السياسي - الاستراتيجي أيضاً، وأن تحدد مصيرها بنفسها، بالاعتماد على قوتها وثقتها بنفسها، وليس من خلال التخبط والانجرار وراء أحداث عرضية.