"درع وسهم": "حماس" هي الرابح الأساسي
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط-عال
المؤلف
  • لم تختلف جولة "درع وسهم" عن الجولتين اللتين سبقتاها - "بزوغ الفجر" في آب/أغسطس 2022، و"الحزام الأسود" في تشرين الثاني/نوفمبر 2019- فخلالها ركزت إسرائيل المعركة ضد "الجهاد الإسلامي" الذي لا يحكم غزة؛ فاجأت في الضربة الافتتاحية - اغتيال قيادات التنظيم؛ وتعاملت مع إطلاق قذائف على الجبهة الداخلية من خلال الاعتراض والقصف؛ أرادت جولة قصيرة كي تسيطر على حدود المعركة وتتفادى مواجهة مباشرة مع "حماس". الجولات الثلاث كانت عبارة عن حملات ردع، من دون هدف سياسي. تأثير الجولتين كان قصيراً، ومن المتوقع أن تكون الأمور كذلك في حملة "درع وسهم". خلال هذه الجولات وبعدها لم تسجَّل أي محاولة لتغيير الوضع الاستراتيجي - الأمني مقابل "حماس"، التحدي الأمني المركزي لدولة إسرائيل في الساحة الفلسطينية.
  • كان من الصعب على إسرائيل دائماً إنهاء المعارك في وقت قصير وترجمة النجاح العسكري إلى نجاح سياسي. وذلك لأنها لا تضع لنفسها أهدافاً سياسية، باستثناء "الهدوء مقابل الهدوء". تم تحقيق الهدف الاستراتيجي في الضربة الافتتاحية - اغتيال ثلاثة من قيادات "الجهاد". وبعدها، تم التركيز على تعميق الإنجاز، عبر مراقبة الأضرار وإدارة مفاوضات خلال إطلاق النار من أجل الوصول إلى تهدئة وإبقاء "حماس" خارج المعركة. أما "الجهاد الإسلامي"، الذي تلقى ضربة قاسية في العملية الاستهلالية، فلم يتبقّ له أي خيار إلاّ محاولة تدفيع إسرائيل الثمن والبحث عن صورة نصر، وفي الوقت نفسه، محاولة جرّ "حماس" للانضمام إلى المعركة (ومن الممكن حزب الله أيضاً في المستقبل). التنظيم نفسه لا يتحمل مسؤولية أمن أو رفاهية سكان قطاع غزة، ولقد حاول إطالة وقت المعركة لإظهار قدرته على الصمود - ليس فقط أمام إسرائيل، بل أمام "حماس" أيضاً.
  • بعد 5 أيام من القتال، استجاب "الجهاد الإسلامي" للصيغة التي اقترحتها مصر لوقف إطلاق النار، بعد أن اتضح له أن "حماس" ملتزمة بموقفها، عدم الانضمام إلى المعركة. وأكثر من ذلك، تزداد الإشارات إلى أن "حماس" طالبت "الجهاد" بإنهاء المعركة بسبب خطورة تورُّطها هي في القتال. وحتى رعاة "الجهاد"، أي حزب الله وإيران، اللذين يريدان شد إسرائيل عبر التصعيد على حدودها، ولذلك أرادوا أن تطول المعركة، لم يُظهروا أي إشارات إلى نيتهم مساعدته بشكل مباشر. وكلما استمرت المعركة، كلما استمر الجهاد الإسلامي في تلقّي الضربات - اغتيالات تقوم بها إسرائيل للنشطاء الكبار، بالإضافة إلى هدم منازل نشطاء وإلحاق الضرر بالبنى نتيجة نشاط الجيش في القطاع. أمين عام الجهاد زياد النخالة لخّص الحدث: "تحمّلنا ما تحمّلناه لكي يبقى الموقف موحداً وقوياً ومستقراً." مضيفاً أن "الذراع العسكرية التابعة لنا كانت ولا تزال رأس حربة المقاومة." حتى أنه شكر كلّ مَن وقف إلى جانب التنظيم - إيران وحزب الله وقطر ومصر - وليس اعتباطاً أنه لم يذكر "حماس".
  • صيغة وقف إطلاق النار المصرية تتضمن التزام إسرائيل وقف الضربات ضد المدنيين وهدم البيوت واستهداف الأشخاص. إلا إن هذه التفاهمات ليست صلبة، والامتحان الأول لها سيكون هذا الأسبوع - مسيرة الأعلام التي ستجري في 18 أيار/مايو في القدس. ومن الأسهل عموماً أن يتم الدفع بالتصعيد بسبب القدس، والتي يمكن أن تنعكس فيها مقولة "وحدة الساحات" - وبصورة خاصة في قطاع غزة والضفة.
  • يعتقد مسؤول كبير (لا يريد ذكر اسمه) أن "حماس"، وعلى مدار سنوات، وقفت صامدة في قطاع غزة، ورفضت السماح للفصائل الأُخرى الناشطة في المنطقة بأن تفرض عليها سياساتها. لكن وبحسب كلامه، فإن الجولة الأخيرة دلت على ضعف "حماس"، الذي بفضله سيطر "الجهاد الإسلامي"، المدعوم من إيران، على الوضع العام في القطاع. لكن، وعلى عكس هذا التقدير، فـ"حماس" لم تضعف، بل دعمت الجهاد الذي يُعدّ ذراعاً لها بصمت، وتعلمت عقيدة وطريقة تفعيل قدرات الجيش، بالإضافة إلى أنها موضعت نفسها كالشخص "الكبير الناضج والمسؤول" الذي يهتم بسكان القطاع، ولم تعرّض إنجازاتها للخطر، وهي بالأساس دخول العمال الغزّيين إلى إسرائيل، بالإضافة إلى دخول البضائع بشكل واسع في كلا الاتجاهين، ودخول الأموال القطرية.
  • إسرائيل تريد هدوءاً طويلاً على أساس ردع عسكري، وتتجاهل المشكلات الأساسية النابعة من تعزيز قوة "حماس"، كونها الحاكم في القطاع والجهة المسيطرة في الساحة الفلسطينية. "الجهاد الإسلامي" قدراته محدودة، كما اتضح مرة أُخرى في المعركة الأخيرة، والنجاح عسكرياً أمامه لا يشبه ما ينتظرنا في المعركة ضد "حماس". لذلك، من الصعب الإقرار ما إذا كانت فعلاً قد ترممت قدرة الردع الإسرائيلية، التي تراجعت أيضاً بسبب المسارات الداخلية في إسرائيل. على هذا الصعيد بصورة خاصة، فإن التكتل الداخلي في إسرائيل وقيام المؤسسة الأمنية بقيادة المعركة، أوضحا لأعداء إسرائيل جميعاً أن المجتمع الإسرائيلي لا يتفكك، ولم يضعف. هذا بالإضافة إلى أنه تبين خلال حملة "درع وسهم" أن لدى إسرائيل قدرات عسكرية -استخباراتية كبيرة على صعيد الهجوم، وأيضاً الدفاع الجوي. لكن، ولأنه لم يكن هناك هدف سياسي، فإن الردع الذي تحقق يمكن أن يتبين أنه ردع فضفاض. وهذا بالأساس، لأنه بالنسبة إلى "الجهاد الإسلامي"، خوض المعركة عدة أيام مقابل الجيش الإسرائيلي - والصمود مقابل الجيش والقدرة على إطلاق القذائف نحو العمق الإسرائيلي- هي جوهر "المقاومة".
  • في الخلاصة، لا يزال التحدي المركزي أمام إسرائيل - هو حيال "حماس". من المريح لإسرائيل أن تفصل ما بين "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وأن تحرر "حماس" من مسؤوليتها مما يحدث في القطاع، وذلك لأنها غير معنية بالدخول في معركة واسعة ضدها في الوقت الحالي. إلا إن الإبقاء على "حماس" خارج المعركة ليس إنجازاً استراتيجياً إسرائيلياً، ففي الحقيقة، "حماس" هي التي وضعت قواعد اللعبة، وفعّلت الذراع العسكرية - "الجهاد الإسلامي"، وقررت موعد انتهاء المعركة كما حددت قوتها. الحملة تشكل لَبِنَة إضافية في عملية تغيير ميزان القوى داخل الساحة الفلسطينية، حيث تتعزز قوة "حماس" مقابل الضعف الواضح للسلطة الفلسطينية، وحتى غيابها الكلي عن الحوارات بشأن وقف المعركة. وبالمناسبة، يعدّ قائد "حماس" في غزة يحيى السنوار الشخصية السياسية المركزية في الساحة الفلسطينية عقب انتهاء رئاسة محمود عباس.