السعودية تطمح إلى إدارة المنطقة مع أصدقاء جدد، وعلى إسرائيل الانتظار
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • قبل ثلاثة أيام، اختُتم معرض للفنان أندي وارهول [1928-1973] في مدينة جدة على شاطىء البحر الأحمر. ولا يزال من الممكن حضور عروض سيرك الشمس مقابل 350 دولاراً، كما يمكن شراء بطاقة VIP لحضور مباراة المصارعة التي ستجري في 27 أيار/مايو. وعلى غرار المدن السياحية العالمية في السعودية، تقيم جدّة هذا الشهر الكثير من الفعاليات والنشاطات على طريق المشاة الشهير لديها، الممتلئ بالمطاعم، و"مدينة الرعب" المدهشة، والقفز في المياه، ومحلات الأزياء الفاخرة.
  • لكن العرض الأكثر أهمية هو الذي سيحدث اليوم (الجمعة) – في القمة العربية. فالمدينة مغطاة بالأعلام، وفندق الريتز محجوز بالكامل من أجل القمة. وسبق الاتفاق بشأن قرارات القمة اجتماعٌ لوزراء خارجية الجامعة العربية، جرى في الأسبوع الماضي. لكن هذه المرة، سيظهر بين الرؤساء نجم قديم لم يظهر منذ 12 عاماً في الاجتماعات السابقة للقمة، هو بشار الأسد الذي دعاه الملك سلمان لاستعادة المكان الذي طُرد منه في سنة 2011.
  • ...... عودة سورية إلى الجامعة العربية لم تكن مفاجأة كبيرة. فمنذ سنة 2018، عندما استأنفت الإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع سورية، بدأ الكلام عن نهاية المقاطعة. لكن دائرة الدول المعارضة كانت كبيرة، وعلى رأسها وقفت السعودية وقطر ومصر، وكذلك الولايات المتحدة، التي حذّرت أبو ظبي من مغبة الاستمرار في التقرب من سورية. قانون قيصر الذي أصدره الرئيس ترامب، والذي يفرض عقوبات، ليس فقط على سورية، بل على كل دولة أو كيان يقوم بصفقات تجارية مع النظام السوري، دخل حيز التنفيذ وعرّض منظومة العلاقات بين حلفاء الولايات المتحدة وبين الإدارة الأميركية للخطر. والآن، وعلى الرغم من أن العقوبات لا تزال مفروضة على سورية، فإن السعودية قررت معاودة التطبيع مع سورية، وحتى البحث في التعاون الاقتصادي معها. بدأت الخطوة السعودية بالتوازي مع تطورات أكثر دراماتيكية، أدت في آذار/مارس إلى استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، بوساطة صينية.
  • معلّقون سعوديون مقرّبون من مكتب وليّ العهد محمد بن سلمان، بذلوا جهدهم في الشرح والتحذير من أن علاقة البيت الأبيض الباردة حيال بن سلمان ستجبر هذا الأخير على البحث عن شركاء جدد. الجفاء الأميركي لم يتغير بعد زيارة جو بايدن إلى المملكة في تموز/يوليو 2022. يومها، استجابت السعودية موقتاً لطلب بايدن، زيادة حصتها من إنتاج النفط لمواجهة النقص الناتج جرّاء الحرب في أوكرانيا، لكن بعد مرور 3 أشهر، وجّهت السعودية صفعة قوية إلى بايدن، عندما لم تمنع صدور قرار منظمة أوبك خفض حصص إنتاج النفط.
  • حذّر بايدن من التداعيات التي ستترتب على هذه الخطوة، لكن السعودية لم تشعر بالخوف، وفي كانون الأول/ديسمبر، استقبلت الرئيس الصيني شي جين بينغ استقبالاً ملكياً في قصر اليمامة في الرياض [مقر الملك السعودي]. لم يفاجأ البيت الأبيض بذلك، فالسعودية لا تخفي عن الولايات المتحدة خطواتها السياسية، لكنها لا تأخذ إذناً منها. والأهم من ذلك، فإن الاستعراض الدبلوماسي الذي تقوم به السعودية لا يأخذ الرغبات أو الضغوط الأميركية في الحسبان. مثال لذلك، يجري تطبيع العلاقات مع سورية، على الرغم من التحذيرات والتهديدات الأميركية، من بينها قانون طرحه الكونغرس يطالب بفرض عقوبات إضافية على مَن يساعد النظام السوري.

دور جديد

  • ليس هناك حاجة إلى قاموس جديد لندرك أن السعودية قررت إدارة استراتيجيا جديدة في الشرق الأوسط لا تكون فيها شريكة في ائتلاف بناه آخرون، بل هي المبادِرة والمخطِّطة والمنفِّذة لخطوات سياسية يمكنها تغيير وجه المنطقة. وقبل استئناف علاقاتها مع إيران، قامت بانعطافة مذهلة في علاقاتها مع تركيا، عندما استأنفت علاقاتها مع الرئيس التركي الذي خاض معركة دبلوماسية ضدها، بسبب مقتل الصحافي جمال الخاشقجي، وساعدت أردوغان بمليارات الدولارات لمواجهة الأزمة الاقتصادية العميقة في تركيا.
  • التطبيع مع سورية اعتُبر مقابلاً سعودياً لاستئناف العلاقات مع إيران، لكنه أيضاً مرحلة أُخرى في الاستراتيجيا عينها التي جعلت السعودية هدفاً لها إنهاء النزاعات والحروب في الشرق الأوسط. وبدلاً من الائتلاف المعادي لإيران الذي قاده بن سلمان قبل تعيينه ولياً للعهد، يبدو أنه قرر بناء ميزان ردع سياسي، سيطلب فيه من إيران تنسيق سياستها مع الدول العربية – وخصوصاً السعودية - لقاء أرباح سياسية تستطيع السعودية منحها لها.
  • إن استئناف العلاقات مع إيران وعودة سورية إلى الحضن العربي إنجاز إيراني مهم يمنح طهران ودمشق شرعية عربية، ويمكن أن تتحول مع الوقت إلى شرعية دولية. وفي الوقت عينه، فإن هذا يمنح السعودية مكانة وقوة تأثير في إنهاء الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، وإنهاء الحرب المستمرة في اليمن منذ 8 أعوام، ويبدو أن المرحلة المقبلة هي مرحلة استئناف العلاقات بين مصر وإيران.
  • ... هذه ليست أخباراً رائعة بالنسبة إلى إسرائيل. ليس فقط الائتلاف العربي المعادي لإيران ينهار أمام عينيها، بل أيضاً المفهوم التقليدي الثنائي الذي وفقاً له، لا يمكن لدولة موالية لأميركا أن تكون حليفة لإيران، وُضع جانباً. معادلة "معنا أو ضدنا" تمرّ بإعادة تأهيل، ليس بمبادرة من إسرائيل، بل على يد السعودية - التي تتطلع إسرائيل إلى انضمامها إلى اتفاقات أبراهام.
  • في الوقت عينه، العملية الدبلوماسية السعودية يمكن أن تقيّد حرية نشاط إسرائيل في سورية، لأن سورية ذات السيادة والعضو من جديد في الجامعة العربية، والتي توشك على استئناف علاقاتها مع تركيا، وتحظى بدعم روسي كبير، يمكنها أن تجنّد منظومة علاقاتها الجديدة لكبح الهجمات الإسرائيلية في أراضيها. ومثل هذا الطلب السوري يمكن أن يحظى بتأييد كبير إذا نضجت محادثات التطبيع بينها وبين تركيا، والتي في إطارها، ستوافق تركيا على إخراج قواتها من الأراضي السورية.
  • تركيا ليست بحاجة إلى تشجيع سعودي من أجل استئناف علاقاتها مع نظام الأسد. سواء أردوغان، أو خصمه كمال كليجدار أوغلو، اللذان يتنافسان على الرئاسة في 28 من الشهر الحالي في دورة ثانية للانتخابات الرئاسية، يدعمان سياسة إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. يوجد 3 ملايين ونصف المليون لاجىء سوري في تركيا، وإذا كانت عملية استيعابهم في بداية الحرب بادرة إنسانية، فقد تحولت مع السنوات إلى عبء اقتصادي - تتحملة الحكومة ودافعو الضرائب- كما تحول اللاجئون إلى مركز لكراهية الأجانب، وإلى قضية سياسية ساخنة.
  • ... تركيا مضطرة إلى استئناف علاقاتها مع الأسد الذي يطالب في المقابل بخروج القوات التركية من سورية ومساعدة مالية سخية لاستيعاب اللاجئين. تركيا لا تملك مصادر تمويل لمساعدة الأسد على استقبال عودة مواطنيه؛ وفي إيران يطالب أعضاء في البرلمان حكومتهم بالحصول على الـ 20 مليار دولار التي أدانتها إيران لسورية، كما أن دول الغرب لا تسارع إلى توقيع شيكات من أجل بشار الأسد. بقيت دول الخليج - وعلى رأسها السعودية والإمارات- القادرتان على الدفع واستكمال عملية التطبيع بين تركيا وسورية، والتوصل إلى حلّ سياسي لإنهاء هذه الحرب الطويلة.