كل المنظومة السياسية تدعم الاستراتيجيا عينها: الحفاظ على التحالف غير المعلن مع "حماس"
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • طوال أيام حملة "درع وسهم"، تباكت أغلبية المحللين في القنوات التلفزيونية والصحف، بمرارة، على حقيقة عدم امتلاك حكومة نتنياهو أي استراتيجيا بشأن قطاع غزة. ولذلك، لديّ مفاجأة أقدّمها لهم. فمنذ سنة 2009، يوجد لدى جميع حكومات إسرائيل استراتيجيا واحدة وواضحة بشأن قطاع غزة.
  • ويشارك في هذه الاستراتيجيا ثلاثة رؤساء حكومة (بنيامين نتنياهو، نفتالي بينت، يائير لبيد)، و6 وزراء دفاع (إيهود باراك، موشيه يعالون، أفيغدور ليبرمان، نفتالي بينت، بني غانتس، يوآف غالانت)، والكثير من الأحزاب الشريكة في الائتلافات (تسيبي ليفني، ميراف ميخائيلي، نيتسان هوروفيتس مثلاً). باختصار، كل الخريطة السياسية، من "ميرتس"، وصولاً إلى "الصهيونية الدينية"، دعمت هذه الاستراتيجيا - توافق واسع جداً.
  • ما هي هذه الاستراتيجيا المتّبعة منذ 14 عاماً، التي لم ينتبه إليها المحللون؟ حسناً، منذ عاد نتنياهو إلى الحكم في سنة 2009، أقام حلفاً غير مكتوب مع حركة "حماس". ولهذا التحالف هدف واحد: الحفاظ على الانقسام بين "حماس" في قطاع غزة وبين السلطة الفلسطينية، وحفظ الوضع القائم سياسياً. كابوس اليمين الكبير في إسرائيل يتمثل في انهيار "حماس" وسيطرة السلطة الفلسطينية من جديد على قطاع غزة. وهو ما عرّفه جيداً وزير المالية بتسلئيل سموتريتش منذ سنة 2015 في مقابلة مع قناة "الكنيست": "السلطة الفلسطينية عبء، و"حماس" رصيد".
  • في حديث خاص أجريته مع مسؤول كبير في الحكومة خلال العملية العسكرية، قال لي: "ممنوع عودة السلطة إلى الحكم في غزة بأي حال أو شكل، حتى لو كان الثمن الحفاظ على حُكم ‹حماس›." ولكل المشككين الذين من الصعب عليهم تصديق ذلك، أودّ الاقتباس من نتنياهو نفسه، فخلال جلسة مغلقة في 11 آذار/ مارس 2019 مع نشطاء "الليكود"، قال نتنياهو: "نقل الأموال هو جزء من استراتيجيا للفصل بين الفلسطينيين في الضفة وغزة. كلُّ مَن يعارض دولة فلسطينية، عليه دعم تحويل الأموال من قطر إلى 'حماس'، هكذا يمكننا إحباط إقامة دولة فلسطينية" (نشرته جيروزاليم بوست). شهادة تساوي مئة شاهد.
  • إذا كان لا يزال هناك شكوك، فسأقتبس ما قاله الجنرال غرشون هكوهين، يميني واضح ومقرّب من رئيس الحكومة: "يجب قول الحقيقة: استراتيجية نتنياهو هي منع إمكانية حلّ الدولتين، ولذلك، حوّل ‹حماس› إلى شريكه الأقرب. علناً، حماس عدو، وفي الخفاء هي حليف" (من مقابلة مع استوديو Ynet).
  • جميعنا ندفع ثمن هذه المؤامرة، وبصورة خاصة سكان الجنوب. منذ سنة 2009، وصل عدد القتلى بسبب "حماس" إلى ما يقارب المئة قتيل. دولة إسرائيل استثمرت (ولا تزال) مليارات الشواكل، لتدافع عن نفسها في مواجهة التنظيم "الإرهابي". منذ سنة 2009، كان هناك 9 جولات مواجهة مع "حماس" و"الجهاد الإسلامي". بعد كل جولة، تفاخر رؤساء الحكومة ووزراء الدفاع بأن التنظيمات "الإرهابية" تلقت ضربة قاصمة وهُزمت. وانظروا إلى ما هو غريب: بعد فترة قصيرة، ينهض "الجهاد الإسلامي" و"حماس" من جديد، ويعودان إلى عادتهما، إطلاق القذائف والصواريخ على سكان إسرائيل عموماً، وعلى سكان غلاف غزة خصوصاً.
  • هذه الجولات عطلت حياة ملايين المواطنين. في العملية الأخيرة، نزل نحو مليون من السكان إلى الملاجئ، والحياة في الجنوب تعطلت كلياً. وأكثر من ذلك، لم تكتفِ "حماس"، التي يعتبرها "سموتريتش ونتنياهو "رصيداً"، بمرمرة حياة سكان الجنوب ونشر الموت والدمار والكراهية في جميع المناطق. "حماس" أيضاً تقف وراء العمليات "الإرهابية" في الضفة، القنوات الإعلامية الرسمية الخاصة بها مشغولة بالتحريض الحاد والمنهجي ضد إسرائيل، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي ممتلئة بالمقولات التي ينشرها التنظيم. كل عملية "إرهابية" يموت فيها يهود هي إنجاز بالنسبة إلى "الحليف" الحماسي.
  • منذ سنة 2019، تعزّز الحلف غير المعلن بين إسرائيل و"حماس" أكثر. خلال حملة "الحزام الأسود" في سنة 2019، وحملة "بزوغ الفجر" في سنة 2022، وأيضاً في حملة "درع وسهم" التي جرت مؤخراً، تم توجيه الضربات الإسرائيلية، حصراً، ضد "الجهاد الإسلامي"، وهذا على الرغم من أن إطلاق القذائف جاء بمصادقة "حماس" ومعرفتها. وهنا، من المهم الإشارة إلى أن حملة "بزوغ الفجر" في سنة 2022، نفّذتها حكومة برئاسة نفتالي بينت ولبيد، وأدارها وزير الدفاع غانتس. بما معناه، أن "حكومة التغيير" تبنّت هي الأُخرى سياسة نتنياهو بشأن قطاع غزة بصورة تامة.
  • أنا أتفهم نتنياهو واليمين. من أجل الدفع بالضم الفعلي إلى الضفة، هم مستعدون للتضحية بسلامة وأمن سكان الجنوب. مشكلتي الوحيدة معهم هي أنهم لا يعلنون هذا بصوت عال: هذه سياستنا. لكنني لا أتفهم ما قامت به المعارضة. من الغريب بالنسبة إليّ أن قيادة المعارضة تبنّت فعلياً سياسة نتنياهو بشأن قطاع غزة - سياسة تتناقض مع رؤية الحل السياسي الذي يهدف إلى الانفصال عن الفلسطينيين (بما معناه حلّ الدولتين).
  • غادي أيزنكوت هو أحد زعماء "المعسكر الرسمي"، قال مرة إن "تقوية 'حماس' في قطاع غزة هي خطأ استراتيجي خطِر. علينا أن ندفع في اتجاه نهاية حُكم 'حماس' في قطاع غزة... وأن ندفع جهة معتدلة إلى إدارة القطاع. يمكن أن تكون هذه الجهة هي السلطة الفلسطينية التي وقّعت اتفاقيات مع إسرائيل." (مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت).
  • كل ما تبقى لي هو أن أسأل أين اختفيتما، غانتس وأيزنكوت؟ (لا أنتظر شيئاً من لبيد). لماذا لا تقومان وتطرحان بديلاً بروحية أقوال أيزنكوت، بدلاً من الشعارات الفارغة من المضمون؟ قبل انتخابات 2019، توجهت إلى أحد رؤساء هيئة الأركان سابقاً، الذي كان من زعماء "أزرق أبيض"، واقترحت عليه أن يكشف أمام سكان الجنوب استراتيجيا الفصل التي من أجلها يضحّي نتنياهو بسلامتهم وأمنهم.
  • عاد إليّ وقال إن استراتيجيتهم هي فقط "لا لنتنياهو". للأسف، يبدو أن شيئاً لم يتغير منذ ذلك الوقت، ولا تزال المعارضة مشغولة فقط بـ"لا لنتنياهو"، وفي الحقيقة، يتبنّون استراتيجية نتنياهو نفسه الذي يكرهونه). وفي النتيجة، لا يوجد أي جهة في النظام السياسي تطرح بديلاً من استراتيجية الفصل لنتنياهو واليمين، وهو سلوك يؤبّد الوضع القائم، وفي نهاية الأمر، سيؤدي إلى دولة واحدة ثنائية القومية.