نحن احتلال له دولة: هذا هو مشروعنا القومي الأكبر
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- نحن لسنا دولة محتلة، نحن احتلال لديه دولة. الاحتلال هو مشروعنا القومي الأكبر، ومستمر منذ وقت طويل حتى بتنا لا نستطيع التفكير في أنفسنا من دونه. منحناه كل ما كان لدينا وما نملك، ونحن نعلم بأنه سيطلب المزيد دائماً. استنفد أرواحنا؛ وليس منذ اليوم، عندما جاء ليضم ما تبقى لنا من ديمقراطية حافظنا عليها لأنفسنا، إنما منذ بدايته، كرسم دخول. عرفنا الثمن. استطعنا أن نعرف الثمن. كان هناك مَن حذّر. وعلى الرغم من هذا كله، فإننا دفعنا الثمن بكل سرور وعيوننا مغلقة.
- منحناه دم أبنائنا. قلنا من أجل الأمن، وعندما كان الهجوم يليه هجوم والعملية تليها عملية، وأبناؤنا يتجولون في أزقة وأراضٍ غريبة، وحياتهم على كفهم. أطلقنا على هذا اسم "إدارة الصراع" و"جزّ العشب"، واعتقدنا أن هذا أفضل ما يمكن أن يكون. بشكل ما، دائماً كان هناك أفضل الممكن، ودائماً "غيّرنا المعادلة". نحن نحب تغيير المعادلات بالقوة. نغيّرها في غزة منذ عشرات الأعوام. والأمور تسير بشكل مذهل. جولات قتالية نسميها، ونفرض على سكاننا وسكان قطاع غزة عيد أضحى خاصاً في كل عام. حتى المستوطنات، نعززها باسم الأمن، وكأن هناك منطقاً أمنياً في إرسال مواطنين إلى قلب منطقة عدائية، وكأنه يمكن بعد ذلك الحديث عن ضمير نظيف لأن "الطرف الآخر يختبئ خلف المدنيين"، وكأن روضات الأطفال أدوات حرب. هي ليست أدوات، لكننا تخلينا عن المعايير الأولية.
- جنّدنا العقول القانونية اللامعة من أجل الاحتلال، وأذلّوا أنفسهم وهم يلجأون إلى قوانين الطوارئ الانتدابية من أجل تشريع النهب، وتنظيم مصادرة الكروم، ودعم التعذيب، والعقابات الجماعية، والقصف من دون تفريق. القانونيون كانوا هناك عندما بنينا طرقات لليهود فقط، وعندما عاقبنا القرى والبلدات الكاملة، وقطاع الشاطئ. كانوا هناك من أجلنا عندما فحصنا عدد السعرات الحرارية التي يحتاج إليها الإنسان والتي يجب أن نُدخلها إلى غزة، كي نبقي عليها دائماً على حافة الكارثة الإنسانية (منذ ذلك الوقت، بالمناسبة، لا نفكر في المعادلة. نعرّفها بالغريزة). لم يكن هناك شيء سيئ لم يتدخل فيه القانونيون والسياسيون. وما المشكلة في تلويث الأيادي عندما يكون ذلك من أجل مصلحة الدولة اليهودية الآخذة بالنمو.
- "حكومة يمين كاملة تشرّع قانوناً يصرّح بأن جميع المستوطنات في الضفة ليست جزءاً من دولة إسرائيل، هذا أمر معقد قانونياً؟" تساءلت عضو الكنيست من "المعسكر الرسمي"، شارين هسكيل، خلال نقاشات في لجنة المالية في الكنيست. هسكيل تعلم بالوضع القانوني، لكنها تعتمد على أن ناخبيها لا يعرفونه. كم عدد الذين يعلمون ذلك أصلاً. وكيف سيعرفون؟ شرّعنا قانوناً هو ستار ضبابي، مبنى مصنوع من العيدان، ويتلاعب فيه المحامون كما يريدون.
- لدينا أسطول من المحامين. يقومون بكل شيء، بدءاً من القانون الإداري، ووصولاً إلى القانون الدولي. وسيشرّعون كل شيء. عملهم سهل. فالقضاة ليسوا قساة قلوب حيالهم. قضاة المحكمة العليا صادقوا على إجلاء تجمعات فلسطينية كاملة من بيوتها في مسافر يطا، لأن الجيش يحتاج بسرعة إلى مناطق تدريب جديدة، يجب أن تكون على بيوتهم. هكذا هي الأمور. هناك مَن دافع عن هذا الموقف أمام المحكمة، وللأسف، القضاة قبلوه. ونحن ندافع الآن عن المحكمة العليا، الحاجز الأخير المتبقي الذي يدافع عن حقوقنا نحن.
- جنّدنا أفضل شخصيات الترويج لدينا. يجب إزالة البصمات. ومن أجلنا، أقاموا شبكة من أفضل الادعاءات كـ"الموضوع معقد" و"ماذا عن سورية"، وهي ادعاءات تغطينا وراءها جيداً بسرور وشعور بالحق. لدينا أسطول من المفسرين الذين نرسلهم إلى معارك دولية على كل خريطة يوجد فيها فصل بين الضفة وإسرائيل، لكنهم لا يستطيعون إيجاد أي خريطة فيها الشيء الأساسي والبسيط الذي يقاتلون من أجله: حدود هذه الدولة. ولأنه لا يمكن بيع الأكاذيب لمواطني العالم، وفي الوقت نفسه، قول الحقيقة في وطننا، فعلينا أن نكذب على أنفسنا أيضاً. ومن السهل علينا أن نصدق. جنّدنا لهذه الحملات جميع إنجازاتنا. كل إنجاز ليبرالي حصلنا عليه هنا بالدم والعرق تم إخراجه للقول ها نحن بخير ودولة متطورة، وهناك عملية دمج للنساء في الجيش، وهناك وجبات نباتية للجنود، لذلك، لا يجب الحديث كثيراً عن الجنود الذين يدخلون إلى البيوت في كل ليلة، وعن عمليات الخطف والإغلاقات والحصار والدم.
- أطلقنا على هذه الحملة في البداية اسم "الهسباراه" [جهاز الدعاية الإسرائيلية]: لم تفهموا، ليس هذا ما حدث؛ وإن حدث، فلا مشكلة، هكذا تسير الأمور. وفي مرحلة معينة، قررنا إعادة تسمية الحملة بأنها "نضال ضد نزع الشرعية". واستثمرنا رأس مال كبيراً في هذا النضال. سريعاً جداً، نبتت له أذرع في وزارة الخارجية، وفي الجيش، وفي مكتب رئيس الحكومة، وحينها، تم توجيهه إلى الداخل. وباسمه مثلاً، قمنا بالتحقيق مع نشطاء يساريين في المطار، أو بـ"محادثات ودية" مع نشطاء الشاباك. حولّنا معارضة سياسات الحكومة إلى شيء غير شرعي، ولم نفكر في خطورة ذلك للحظة. هناك غسيل وسخ، ولكن لا يجب نشره في الخارج. ولا في الداخل أيضاً. ببساطة، إمّا عليكم أن تغلقوا أنوفكم، أو تتنفسوا بحرية، لأنه يمكن التعود على الرائحة بسرعة.
- وفي المجمل، نحن جيدون في التعود. "المذبحة" في حوارة أخرجت الناس إلى الشوارع. شاهدوا يهوداً جيدين يصلّون في مقابل اللهب الخارج من البلدة المشتعلة، وخافوا. الأسبوع الماضي خرج المستوطنون لحرق منازل في جالود. وكالعادة، الشرطة وصلت بعد انتهاء الحدث. وكالعادة، لم يُعتقل أحد. قوات الجيش و"حرس الحدود" وصلت، كالعادة، انتهى الحدث بثلاث إصابات في صفوف الفلسطينيين. قبل هذا بعام، حرق المستوطنون 5 مركبات في جالود، انتقاماً لعملية إطلاق نار في الخضيرة، قُتل فيها اثنان من أفراد شرطة "حرس الحدود". ولا يجب العودة كثيراً إلى الوراء، فقبل أسبوعين، ترك نحو 200 بدوي فلسطيني بيوتهم في عين سامية. وقالوا إنهم هجروها بسبب الأولاد، لم يستطيعوا تحمُّل حياة الخوف. الهجمات لم تتوقف، وكانت مدعومة من الشرطة التي وقفت تتفرج جانباً، ومؤمّنة من أفضل أبنائنا. بعد ذلك بيومين، حرق المستوطنون كارافاناً وعدة منازل في برقة. هذه المرة، لم يكن انتقاماً لعملية. سكان البلدة أخطأوا حين استقبلوا وفداً من الاتحاد الأوروبي. ههه؛ عدونا القديم. وهذا كله لم يُخرج أحداً إلى الشوارع. وبالكاد ذُكِر في نشرات الأخبار. وحتى أن السياسيين لم يكلفوا أنفسهم عناء التطرق إلى الموضوع. قاموا بحساباتهم، واكتشفوا أن هذا ليس الوقت الملائم. الآن، لم يعد هناك وقت ملائم طوال الوقت.
- عندما شارك الآلاف من الشبان الجيدين في مسيرة الأعلام، وصرخوا "لتُحرق القرية" في الحارات المسلمة شرقي القدس، وعندما تم الاعتداء على الفلسطينيين في الشوارع، كان السياسيون الإسرائيليون يتحدثون عن أهمية المدينة بالنسبة إليهم منذ الطفولة. "10 أرطال من الجمال نزلت على العالم، تسعة للقدس، وواحد للعالم كله،" هذا ما كتبه نير بركات على صفحته الخاصة في الفايسبوك، وتمنى "يوم قدس سعيداً وسبتاً مباركاً لكل بيت إسرائيلي. "ولا كلمة عن الاعتداءات، ولا عن البصق، أو أغنيات الانتقام. ما هذا الجبن، إن لم يكن الخوف من الاعتقاد أنهم ينظرون إلى الفلسطينيين كبشر، عذابهم له أهمية، وحياتهم مهمة. بعد المسيرة، ربّتنا على ظهور بعضنا البعض وقال واحدنا للآخر "مرّت بسلام". لم يُصب أي يهودي خلال الحدث. بعد ذلك بيوم - يوم واحد - اندلعت عاصفة في دولة إسرائيل بسبب ما قالته غاليت غوتمان [بسبب تصريح لها ضد الحريديم]. حوارات كاملة، وجد فيها جميع السياسيين ما يقولونه.
- بنينا لأنفسنا واقعاً بديلاً، واقعاً مبنياً من الوهم الخاص بنا، نصنعه كل يوم من جديد، بالأكاذيب والتجاهل. نُخضع أنفسنا لامتحانات ولاء بصورة دائمة، ونعاقب مَن لا ينجح. تعلمنا كيف نفرض ثمناً على كل تقرير يتحدث عن الاحتلال، وعلى مَن يتطرق إليه، وعلى أي تلميح إلى أن دم الفلسطينيين أحمر مثل دمنا. السياسيون والإعلاميون يعرفون كيف يقومون بذلك، ويتصرفون على هذا الأساس. هكذا يبدو الإعلام الخاص بنا، والسياسة أيضاً. عندما تعتاد السير منحنياً، تعتاد كل شيء - ففي النهاية، الظهر سينحني تلقائياً.
- الاحتلال عمره 56 عاماً. أتمنى له الحظ الجيد.
الكلمات المفتاحية