في ضوء التطورات الأخيرة في الشمال، لا مفر من مواجهة محدودة مع حزب الله
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- عندما برر كبار المسؤولين في شعبة الاستخبارات التقدير السنوي الذي توقّع زيادة احتمال الحرب، عدّدوا ثلاثة أسباب أساسية: السبب الأول هو ما تعتبره إيران وحزب الله ضعفاً أميركياً في المنطقة وتراجعاً واضحاً في تدخُّل الولايات المتحدة؛ الثاني هو الأزمة بين واشنطن والقدس والعلاقات المتزعزعة بين الرئيس جو بايدن وبين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو؛ والثالث هو الانقسام الداخلي الخطِر في المجتمع الإسرائيلي الذي أدخل الجيش الإسرائيلي في دوامة.
- في الأيام الأخيرة، شهدنا تدهور الوضع بصورة تذكّر بالجو الذي كان سائداً قبل إقالة وزير الدفاع. بالنسبة إلى النظرة الأميركية، يجب أن ننظر، بقلق، إلى المقابلة التي أجرتها قناة السي إن إن مع الرئيس بايدن، والتي قال فيها إن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي من أكثر الحكومات التي عرفها تطرُّفاً (والمعروف أنه لم يولد في الأمس)، وتهرّب من الإجابة عمّا إذا كان سيدعو نتنياهو إلى زيارته.
- من المهم أن ندرك أن زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى البيت الأبيض ليست مسألة هيبة، ولالتقاط الصور، وليس من أجل استئناف قصة الإعفاء من التأشيرة. موضوعات استراتيجية مهمة جداً مطروحة على المحك، والبرودة بين الزعيمين تؤثر مباشرة في الأمن القومي.
- في بند الأزمة الداخلية، نحن نشهد استئناف الاحتجاج هذا الأسبوع من جديد. في الأيام المقبلة، من المتوقع مشاركة متظاهرين بارزين، وإلى جانبهم، ستتجدد الدعوات إلى عدم الخدمة في الاحتياط. الصحيح حتى هذه اللحظة، أنه لا توجد تقارير في الجيش تشير إلى عدم الاستجابة للخدمة فعلياًـ وإنما هناك دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفض الخدمة. ومع ذلك، ارتأى رئيس الأركان قول أمور واضحة ومهمة، سواء فيما يتعلق بالتوترات الأمنية، أو الدعوات إلى رفض الخدمة: "هذه الأيام تفرض علينا التركيز على مهمة الأمن، وعلى تماسُكنا الداعم لها، بهذه الطريقة، نكون مستعدين لمواجهة أي تحدٍّ في أي ساحة. ولا يحق لنا، في ضوء الواقع الحالي، عدم الاستعداد لمواجهة أي تحدٍّ وأي مهمة."
- ثمة شك في أنه يوجد في الشرق الأوسط كله شخص مسرور من هذه التطورات أكثر من الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي تحول إلى الشخصية الثانية في سلّم محور الشر، بعد المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي. ومن المتوقع أن يلقي نصر الله خطاباً يوم الأربعاء بمناسبة الذكرى الـ17 لحرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]، ومن المتوقع، كالعادة، أن يتحدى إسرائيل ويتفاخر. لكنه في الفترة الأخيرة لم يعد يكتفي فقط بالخطابات: لقد غيّر هذه السنة الانتشار كله على خط التماس مع إسرائيل، بحيث أصبح رؤساء السلطات في الشمال يرون بالعين المجردة مقاتلي حزب الله المتواجدين على مسافة هي الأقرب منذ سنة 2006.
- زعماء الجمهور، مثل موشيه دفيدوفيتس من مستوطنة مقر آشر، وأفيحاي شتيرن من كريات شمونة، ودافيد أزولاي من المطلة، يرفعون الصوت منذ زمن طويل، لكن من دون أن يجدوا آذاناً صاغية. في هذه الأثناء، ينتهك حزب الله التفاهمات الدولية، المرة تلو الأُخرى، ومؤخراً، هو ينكّد حياة سكان المطلة مع ضجيج الميكروفونات وأضواء الليزر. والأخطر من هذا كله، الجرأة المتزايدة في عمليات محلية تدل على التآكل الذي طرأ على الردع الإسرائيلي، من التسلل إلى موقع غالديولا، مروراً بإطلاق صاروخ مضاد للدروع على آلية للجيش بالقرب من أفيفيم، والتسلل المقلق جداً لـ"مخرب" ووصوله إلى تقاطُع مجدو.
- طبعاً، هناك أيضاً نصب خيام على الأراضي الإسرائيلية. ترافق هذا الحدث مع قرار إشكالي جداً هو عدم إخلاء الخيمة فوراً. هذا الأمر الذي كان على القيادة العسكرية للمنطقة حلّه بسرعة، أحيل على المستوى السياسي، أي على وزير الدفاع ورئيس الحكومة واستمر عدة أشهر. لماذا لم يعطِ نتنياهو وغالانت الأوامر بإخلاء الخيمة فوراً (مع توبيخ الجيش لأنه لم يفعل ذلك حتى الآن) لا توجد إجابات عن هذه الأسئلة.
- الآن، تعقّدت القصة أكثر: فإطلاق الصاروخ المضاد للدروع قام به عنصر لا ينتمي إلى حزب الله، ومن غير المستبعد أن يكون نصر الله أعطى الضوء الأخضر. لقد طالب حزب الله في يوم الجمعة إسرائيل بإلغاء "ضم" قرية الغجر، بحسب كلامه، ومنع الإسرائيليين من الدخول إلى القرية التي تحولت إلى مركز سياحي. وهدد حزب الله إسرائيل، إذا "انتهكت" التفاهمات في الغجر، بأن من حقه أن يفعل ذلك في مزارع شبعا، وفي مناطق أُخرى.
- إطلاق الصاروخ المضاد للدروع هو إشارة من الحزب: أعيدوا الحواجز إلى الغجر، وحينها، نحن نخلي الخيمة. من الطبيعي أن ترفض إسرائيل ذلك لأنه سيبدو خضوعاً كاملاً إذا تغير الموقف. من هنا، تتركز النقاشات الآن على كيفية إخلاء الخيمة ومتى: هل نواصل الجهود الدبلوماسية، أم نقوم بالإخلاء بالقوة، ونخاطر بحدوث مواجهة؟ تبرز في قيادة الجيش الإسرائيلي، أكثر فأكثر، أصوات تقول إنه لا مفر في النهاية من مواجهة محدودة في ضوء كل التطورات على الحدود، وإذا لم تحدث هذه المواجهة بسبب الخيمة، فإن هذا سيشكل فرصة أُخرى للحزب كي يقوم بعملية استفزازية ناجحة أُخرى.
- في الخلاصة، يجب أن تأتي المبادرة من الجانب الإسرائيلي، ويجب أن يكون هدفها إعادة خط الحدود، على الأقل إلى ما كان عليه في سنة 2006، وتنظيفه من قوات حزب الله، بقدر المستطاع. خلال الحرب، سيكون الدفاع عن المستوطنات المتاخمة للحدود موضع اختبار في مواجهة إطلاق كثيف للصواريخ وعمليات التسلل.