معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- نشر معهد دراسات الأمن قبل 4 أشهر تحذيراً استراتيجياً استثنائياً فصّل ما يمكن أن يحدث في حال استمرار الدفع قُدماً بالإصلاحات القضائية، وتعاظمت الاحتجاجات نتيجة لذلك. ومع الأسف، حدث جزء كبير ممّا حذّرنا منه، وتحوّل الضرر في مجال الأمن القومي الإسرائيلي إلى واقع؛ الاضطرابات الكبيرة جداً التي يمر بها الجيش، التي أدّت إلى زعزعة الأسس التي يقوم عليها "جيش الشعب"، وتراجع الردع في مواجهة أعدائنا، وزعزعة العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ضعف الاقتصاد، وبصورة خاصة، التكنولوجيا عالية الدقة، وتعميق الفجوات والانقسامات داخل المجتمع، وبالتالي، وإضعاف حصانتنا القومية عموماً. هذه الأضرار ستتعاظم كثيراً إذا قام أحد الأطراف بحسم الصراع ضد الطرف الآخر، ولذلك، فإن المخرج الوحيد هو وقف فوري وكامل للتغييرات القضائية، وبالتالي، وقف الاحتجاجات، والبدء بمسار سياسي قيادي يعكس إرادة أكثرية الشعب: حوار حقيقي بشأن الأسس الدستورية لدولة إسرائيل، وفي الوقت نفسه تحويل التركيز وأغلبية الجهود والموارد الحكومية لمواجهة الأزمات الحارقة التي يواجهها الأمن القومي والمجتمع والاقتصاد.
- مميزات الأزمة الداخلية
- إن الأزمة الداخلية الإسرائيلية التي اندلعت عقب المبادرة الحكومية للقيام بتغييرات قضائية هي الأزمة الأخطر التي عاشتها الدولة منذ قيامها. ومنذ وقت طويل، لم تعُد الأزمة محصورة فقط في الخلافات القضائية، بل أيضاً امتدت إلى مناطق أوسع وأكثر عمقاً، وذلك بسبب دمج الأزمة السياسية في الأزمة القيادية المستمرة منذ 4 أعوام، والأزمة الاجتماعية العميقة المستمرة بصور متعددة منذ عشرات السنين. شكّلت المبادرة القضائية المحفّز لاندلاع الأزمة متعددة الأبعاد من دون سابق إنذار، والتي تتناول قضايا أساسية لها علاقة بشكل الدولة وهويتها وإدارتها. ويحدث هذا خلال تدهور سريع نحو المواجهة بين نُخب قديمة ضد أُخرى جديدة، بشأن بنية القوى السياسية في إسرائيل وتوازناتها بين القوة الرسمية داخل البرلمان والقوى خارج البرلمان، والتي تستند بصورة خاصة إلى الاحتجاجات الجماهيرية ذات الأبعاد الكثيرة.
- حتى الآن، نجح الصراع بين المعسكرات المتقاتلة في الابتعاد عن العنف الجسدي، على الرغم من العنف الكلامي المتطرّف الذي يُرافق الأزمة ويجعلها أكثر خطورة كلما استمر. كذلك، فإن الشرطة تعالج الأحداث حتى الآن بطريقة معقولة، وهذه نقطة ضوء مهمة. على الرغم من ذلك، فإن إمكان التدهور لا يزال موجوداً. لا يجب أبداً استبعاد إمكان اندلاع حالات عنف محلي أو عنف واسع النطاق. وهناك أيضاً من يطرح إمكان اندلاع حرب أهلية، لا سمح الله، ويجب القيام بكل ما هو ممكن لمنع هذا السيناريو.
- الأزمة المستمرة تفرض تحديات كبيرة على استقرار الدولة والمكوّنات الحيوية لإدارة الأمن القومي وحفظه. نحن نتحدث عن ضرر فعلي صعب قد لحق فعلاً بالحصانة الاجتماعية في إسرائيل. توجد لهذا تداعيات صعبة على قدرة إسرائيل على التعامل مع اضطرابات متعددة، سواء أكانت خارجية أم داخلية، وطبيعية أم من صنع الإنسان. هذه الأضرار تصعّب من أداء المنظومات المتعددة التي تدير الدولة فعلاً، ولها تأثيرها أيضاً في عملية النهوض المطلوبة بعد الاضطرابات المتوقّعة. في الوضع الحالي، إن السؤال المطروح هو: "هل ستستطيع إسرائيل أن تدير نفسها بـصورة "طبيعية" طوال الأزمة؟ (على افتراض أنها يمكن أن تمتد لوقت أطول)"، وأكثر من ذلك: "هل لديها القدرة على إنهاء الأزمة؟"، و"هل ستبقى لديها القوة، بعد نهاية الأزمة، للنهوض منها بصورة معقولة أو حتى النمو؟"
- تتميز إسرائيل منذ عشرات السنين بأنها دولة غير متجانسة، ومنقسمة ومتعددة الأقطاب. دفعت المبادرة القضائية إلى تدمير هذه المكونات، الأمر الذي يشكل تهديداً وجودياً للحصانة القومية، والتضامن الضروري الذي يشكّل أساساً للقيام بالمهمات الوظيفية في حدها الأدنى. تطوّرت الأزمة المستمرة، ولا يمكن السيطرة عليها بالكامل، ووصلت إلى حد باتت فيه كارثة بحد ذاتها، ويجب القيام بكل ما يمكن لوقفها.
- الضرر الذي لحق بكفاءة الجيش ومنظومات الأمن الأُخرى
- لقد تحوّلت الخدمة العسكرية إلى خط المواجهة في الأزمة الداخلية الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية. هذا الاتجاه يمكن أن يستمر ويتفاقم في حال كانت هُناك عملية تشريع لمخطّط التجنيد خلال فترة عمل الكنيست بعد العودة من العطلة، إذ سيكون هُناك للمرة الأولى قانون يعفي "الحريديم" من الخدمة في صفوف أجهزة الأمن. لقد دفع المسار التشريعي حتى الآن آلاف الجنود في جيش الاحتياط، ممن لهم وظائف حيوية، إلى إعلان وقف تطوّعهم في الخدمة، ويمكن لعملية التشريع المقبلة أن تلحق الضرر الشديد بمنظومة الاحتياط (انظر إلى التفصيلات لاحقاً)، وبعملية التجنيد لخدمة طويلة والبقاء في الجيش، كما يمكن أن تدفع إلى خطوات تُهدّد وجود "جيش الشعب".
- يمكن القول إنه، وفي المدى المنظور، هناك ضرر في كفاءة المنظومات الحيوية لسلاح الجو، والاستخبارات، والعمليات الخاصة في وحدات النُخبة. وهذا في الوقت الذي يزداد فيه خطر المواجهة متعدّدة الجبهات على إسرائيل، إذ يرى أعداء إسرائيل في جميع الجبهات أنها ضعيفة داخلياً، وهو ما يعزّز ثقتهم بنفسهم، والحكومة لا تتعامل أبداً مع المشكلات الأساسية، وضِمنها تلك المهمة لتقوية الجيش. وإن حدوث أزمة اقتصادية واجتماعية سيصعّب أكثر على حل هذه المشكلات.
- إن هيئة الأركان في الجيش لا تستطيع التعامل مع هذه المشكلات التي يقع أغلبها في المجال المدني الواضح، كما أنها لا تحصل على الدعم، حتى الآن، من المستوى السياسي أو الإصغاء حتى إلى التحذيرات التي تصدر عن قائد هيئة الأركان والجنرالات. حتى لو التزم جنود الاحتياط في وقت الطوارئ، فإنه لن يكون من الممكن إصلاح الضرر الذي لحق بالكفاءة والتماسك في الوحدات والشرعية الضرورية للعملية.
- لقد ازدادت التهديدات الأمنية على إسرائيل في الآونة الأخيرة؛ فبدايةً، إن التهديد الإيراني هو الأكبر، والتوتر في الشمال كبير، كما أن "حزب الله" يتحدى إسرائيل، حتى إنه يستفزها، وكذلك الأمر في الضفة الغربية و"وسط" إسرائيل؛ فإن العمليات تعود من جهة والحملات العسكرية أيضاً. والجيش غارق حتى رقبته بالعمليات العسكرية، وهو ما يلحق الضرر بالتدريبات في الوحدات البرّية، ومن هنا أيضاً يلحق الضرر بالكفاءة.
- ما يحدث للجيش بسبب الأزمة السياسية - الاجتماعية ينعكس أيضاً في المنظومات الأمنية الأُخرى، بحسب مهامها وطرق إدارتها. يدور الحديث عن "الشاباك" و"الموساد" ولجنة الطاقة الذرية، إذ إن عملهم الحيوي، في أفضل الأحوال، يتأثر بالتشتت وانصراف تركيز الإدارة والوحدات المتعددة عن مهامها العملياتية.
- وفي مقابل هذا كله، فإن الشرطة الإسرائيلية تواجه تحدّيات كبيرة في الأشهر الماضية. أصلاً، تتميز الشرطة بضعفها العملياتي في المهام العادية والطوارئ أيضاً. والمثال الأصعب والخاص يتعلّق بالتعامل مع الجريمة والعنف في المجتمع العربي، اللذَين يتفاقمان، ويبلغ فيهما تعداد القتلى مستويات مرتفعة. إن عمليات الشرطة حتى الآن في مواجهة الاحتجاجات التي تتضمن إخلالاً بالنظام العام تستحق الثناء. وعلى رغم من ذلك، فإن استمرار هذا التحدي وهذه التطورات الداخلية في جهاز الشرطة وفي الغلاف الوزاري لها يدفع إلى القلق، وبدلاً من عملية إعادة التأهيل، تبذل شرطة إسرائيل الآن أقصى قدراتها للمحافظة على النظام.
- منظومة الاحتياط - الحلقة الضعيفة في الجيش
- تؤثر الأزمة السياسية - الاجتماعية مباشرةً في كفاءة المنظومة، وفي مستقبلها وقدرتها على المحافظة على النموذج والبنية القائمة. إن خطوات وقف التطوّع التي يقوم بها ضبّاط ومقاتلون كُثر، أغلبهم من وحدات النخبة، تزعزع شرعية التجنيد للاحتياط. إن الذين يوقفون تطوّعهم يشعرون بأن العقد بينهم وبين الدولة قد انتُهك، وبأنهم تحت تهديد محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
- على المدى القصير، يمكن لإلحاق الضرر بمنظومة الاحتياط أن يؤدي إلى عدم القدرة على القيام بمهام معيّنة، وبصورة أساسية في سلاح الجو. يمكن إصلاح هذا الخلل خلال وقت ليس بالطويل. لكن الخطر الكبير يكمن في المسارات بعيدة المدى التي تهدد وجود المنظومة عموماً وما تبقّى من "جيش الشعب". ترتكز منظومة الاحتياط على التطوّع، والتكاتف، والكفاءة العملياتية، وسيكون من الصعب ترميم روح التطوّع والتكاتف، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تراجع في فاعلية الجيش خلال القتال.
- يجب أن نتوقع أن ما يحدث في احتجاجات الاحتياط سيؤثر عاجلاً أم آجلاً في الجيش النظامي، الإلزامي، وفي المرشّحين لخدمات الأمن.
- يشدد الجيش على أن تفوّقه النسبي ينبع من نوعية مقاتليه، وتكاتفهم، وتماسك أجنحته المتعددة. هذا التفوق يواجه تحديات اليوم عبر تغلغل الخطاب السياسي المنقسم إلى صفوف الجيش، والضرر الذي يلحق بالجيش يزعزع أساساته وقدرته على القيام بمهامه.
- زعزعة الوضع الاقتصادي، الأساس الحيوي للأمن القومي
- هُناك علاقة واضحة بين الأزمة السياسية - الاجتماعية في إسرائيل وحال الاقتصاد الآخذ في التراجع. خلال الأعوام الماضية، كانت لدى الاقتصاد الإسرائيلي مناعة ملفتة، لكن عدم الوضوح بسبب التغييرات القضائية أدّى إلى عملية عكسية. منذ كانون الثاني/يناير، تسجل أَسْهُم بورصة تل أبيب تراجعاً نسبياً، في الوقت الذي تسجّل فيه نظيراتها الأوروبية (stoxx 600) والأميركية (s&p 500)، ارتفاعات ملحوظة. وقد تطرّق حاكم بنك إسرائيل في مطلع حزيران/يونيو إلى موضوع تراجع الشيكل، وربطه بما يحدث داخلياً في سوق العملات الأجنبية. إن ضعف الشيكل يرفع سعر الاستيراد إلى إسرائيل، وهو ما يؤثر في غلاء المعيشة. وهذه قضية إضافية لا تحصل على الاهتمام اللازم بسبب الأزمة.
- من المؤكد أن الموضوعات مرتبطة، وتؤثر الواحدة منها في الأُخرى. عدم الوضوح الذي يسيطر على النظام الداخلي يلحق الضرر بالتخطيط الاقتصادي طويل المدى، وبالتالي بالاستثمارات الأجنبية. وكانت إحدى التفسيرات لتعزيز قوة الشيكل خلال الأعوام الماضية تزايُد الاستثمارات الأجنبية، وبصورة أساسية في قطاع التكنولوجيا عالية الدقة، وهو ما تراجع خلال الفترة الأخيرة بسبب عدم الوضوح السياسي.
- بحسب تقرير ليؤومتيك وIVC عن شهر تموز/يوليو 2023، فإنه في النصف الأول من العام، كانت الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا عالية الدقة هي الأقل منذ سنة 2019. وذكر تقرير أصدرته سلطة الاختراعات في نهاية تموز/يوليو 2023 أنه لا يمكن اتّهام الركود العالمي الآن، إذ في الوقت الذي تزدهر فيه التكنولوجيا عالية الدقة في العالم، يواجه السوق المحلي صعوبات في النهوض. يمكن أن تكون لهذه الظاهرة إسقاطات واسعة على "القاطرة القومية" على المدى البعيد.
- إن الأزمة الداخلية تمنع المعالجة المركّزة لغلاء المعيشة وزيادة العمالة في قطاعات ضعيفة، حتى إنها تفاقم أزماتها، والدليل على ذلك أن الميزانية التي أُقرت خالية من محفّزات النمو، وتشجّع على عدم تدريس العلوم الأساسية، وتقلّص قدرات الخزينة القومية بتحويل ميزانيات إلى أماكن حيوية.
- الضرر في قوة الردع الإسرائيلية - تفاقم التحديات من طرف "حزب الله"
- في التحذير السابق، أشرنا إلى ارتفاع في وتيرة الاستفزازات من طرف "حزب الله" منذ بداية الأزمة الداخلية في إسرائيل، وجاهزيته للمخاطرة أكثر ممّا كان في السابق بصورة يمكن أن تؤدي إلى تصعيد في الحدود الشمالية. وها نحن نشهد خلال الأشهر الأخيرة ارتفاع درجة إضافية في حجم العمليّات التي يقوم بها "حزب الله" على طول الحدود، والتي ترفع التوتّر بين الجيش والتنظيم، بالإضافة إلى التخوّف من الانجرار إلى مواجهة عسكرية. إن الحديث يدور أساساً حول توسيع وجود نشطاء "حزب الله" على الحدود، حيث يشغل جزء منهم أبراج مراقبة تزايدت، ضِمن محاولات واضحة يقومون بها هم ومن يدعمهم لاختراق الخط الأزرق، وفي جهود لتخريب الحاجز الإسرائيلي. في منتصف حزيران/يوليو، تم الكشف عن إقامة خيمتَين في مقابل "مزارع شبعا"، بعد الخط الأزرق في الأراضي "السيادية" لإسرائيل، وفيهما يتواجد نشطاء مسلحون من التنظيم. وفي المقابل، يبدو أن هناك ارتفاعاً في المعركة على الوعي أيضاً التي يقودها "حزب الله"، وتتضمن نشر فيديوهات عن "احتلال" مناطق شمال إسرائيل.
- صحيح أنه توجد أسباب محلية لكل الاستفزازات التي يقوم بها "حزب الله" مؤخراً في موازاة الخط الأزرق، لكن توجد أيضاً شجاعة أكثر لدى التنظيم، نابعة أساساً من تعزيز ثقته بذاته وجاهزيته للمخاطرة أكثر بسبب قراءة إسقاطات الأزمة الداخلية الحادة في إسرائيل والتوتّر مع الولايات المتحدة، وهو ما يمكن أن يعكس ضعفاً وتراجعاً عسكريَيْن في إسرائيل. يجب افتراض أنه، وبنظر "حزب الله"، لا توجد لدى إسرائيل رغبة في اتخاذ خطوة عسكرية استثنائية ضده. هذه التطوّرات يمكن أن تؤثر سلباً في الردع الإسرائيلي، كما أشار نصر الله نفسه في خطابه (12 تموز/يوليو)، وادّعى فيه أن قدرة الردع الإسرائيلية تراجعت، في الوقت الذي تتعزز فيه قدرة الردع لدى "حزب الله" بتقديرنا، فإن "حزب الله" أيضاً لا يرغب في حرب مع إسرائيل، لكن التوتر الحالي يرفع مخاطر الانجرار إلى مواجهة عسكرية.
6- السياق الإيراني
- تشعر إيران منذ فترة طويلة بأنها على قمة إنجازاتها، وهذا ناجم عن سلسلة تطورات تعمل لمصلحتها؛ فالبرنامج النووي يواصل تقدُّمه من دون عرقلة، وإيران تراكم كمّيات كبيرة من اليورانيوم المخصب الذي يدفع بها إلى حافة النووي. ومع أن العلاقات مع روسيا ليست خالية من المشكلات، إلاّ إن اعتماد موسكو على المسيرات الإيرانية مستمر، والعلاقات في الساحة الإقليمية تسير في اتجاه عودة العلاقات الدبلوماسية، سواء مع دول الخليج أو عن طريق حوار أبطأ مع مصر، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع الجزائر، واستئناف الحوار مع السودان. إن الاتصالات الرامية إلى التوصل إلى تسوية ما مع الولايات المتحدة، والتي تؤدي إلى حلول مالية ورفع جزئي للعقوبات، لم تنجح حتى الآن، لكن لا يوجد تهديد حقيقي على إيران من جانب الوكالة الدولية للطاقة النووية.
- تشجع الأحداث في إسرائيل، سواء من ناحية كفاءة الجيش الإسرائيلي أو المس بالعلاقات مع الولايات المتحدة، إيران على مواصلة سياستها وتعزيز ثقتها بعدم وجود تهديد حقيقي على تقدُّمها في برنامجها النووي وعلى أي نشاطات تآمرية أُخرى. إن سردية اضمحلال إسرائيل وصعود إيران يمكن أن تفسَّر كرسالة دينية - تاريخية تشجع على مؤامرات إيرانية أُخرى.
7- السياق الفلسطيني
- في الساحة الفلسطينية يحدث انقلاب في موازاة الانقلاب القضائي، ويركز على تغيير المقاربة والطريقة التي تسيطر فيها دولة إسرائيل على أراضي الضفة الغربية. هدف هذا الانقلاب سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وإحباط أي إمكان لتسوية مستقبلية بين إسرائيل والكيان الفلسطيني. جرى التعبير عن هذه السياسة عن طريق انتهاج استراتيجيا جديدة تسعى للقضاء على التطلعات الوطنية الفلسطينية، وعلى الخيار السياسي للتسوية وتحضير الأوضاع لضم المنطقة "ج" كلها إلى دولة إسرائيل، ولاحقاً، إنشاء وضع "دولة واحدة مع تفوق يهودي". وتتجلى هذه الاستراتيجيا بالتالي:
- استغلال التصعيد في "الإرهاب" من أجل القيام "برد صهيوني شامل"؛ إقامة مستوطنات، وتوسيع المستوطنات الواقعة وراء الحاجز الأمني في قلب المناطق الفلسطينية، وإقامة بؤر غير قانونية، والتساهل مع أعمال عنف المستوطنين وانتقامهم.
- نقل الصلاحيات المدنية في الضفة الغربية إلى الوزير بتسلئيل سموتريتش، وإضعاف صلاحيات القائد العسكري (المسؤول الفعلي على الأرض)؛ تغيير القواعد والإجراءات المتعلقة بتصاريح البناء في المستوطنات، ونقل وحدة المراقبة إلى سيطرة الوزير سموتريتش، الأمر الذي يسمح بتوسيع الرقابة على البناء الفلسطيني غير القانوني، وغض النظر عن البناء الإسرائيلي غير القانوني. والنتيجة تآكل الحاجات والاعتبارات الأمنية وتقدُّم الاعتبارات الاستيطانية.
8- العلاقة مع العالم العربي – تقويض مسار التطبيع
- يتابع العالم العربي الأزمة الداخلية في إسرائيل وتداعياتها. والصورة الناشئة حالياً هي تضرر القوة العسكرية والاقتصادية لإسرائيل، والتأييد الدولي لها، وخصوصاً من جانب الولايات المتحدة. ومن شأن هذه الأمور أن تعزز لدى هذه الدول وجهة النظر التي تتحدث عن تآكل عوامل قوة إسرائيل. ووجهة النظر القائلة إن إسرائيل دولة ضعيفة يمكن أن تؤثر سلباً في علاقات إسرائيل مع الدول العربية. حتى الآن، امتنعت الدول العربية عموماً من التطرق علناً إلى الأزمة الداخلية الإسرائيلية. ولقد برزت ردود فعل عنيفة ضد تصاعد عنف اليهود ضد القرى الفلسطينية. من مصلحة الدول التي لديها اتفاقات سلام مع إسرائيل التمسك بها، وتتوقع أن تبذل إسرائيل كل ما في وسعها من أجل تحقيق الاستقرار في وضعها الداخلي وترميم الوضع الاقتصادي.
- إن التصعيد في "الإرهاب" وفي عمليات الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى السياسة الإسرائيلية إزاء الموضوع الفلسطيني، كلها أمور تضع موضع الاختبار قدرة الدول العربية البراغماتية على الموازنة بين الحاجة إلى المحافظة على صورة حرصهم على وضع الفلسطينيين، وفي الوقت عينه المحافظة على علاقاتهم مع إسرائيل والدفع بها قُدماً.
- نتيجة لذلك، هناك تحرُّك متزايد لتأييد الفلسطينيين من طرف عدد من هذه الدول عبر الإدانات الحادة ضد إسرائيل في المنتديات الدولية. هذه التطورات يمكن أن تعرقل تقدُّم التطبيع مع دول اتفاقات أبراهام، والتقدم في اتجاه ماليزيا، وبالتأكيد مع السعودية. من أجل الدقة، ليست المشكلة الفلسطينية مشكلة مركزية في طريق توسيع التطبيع ما دامت هذه الساحة لا تتصدر العناوين الأولى في الصحف وتحرّض الرأي العام العربي. صورة عنف المستوطنين والاعتداء على الأماكن المقدسة تشكّل عقبة في وجه تسوية العلاقات مع إسرائيل. هناك مصالح خاصة للدول العربية هي التي تفرض أكثر من أي شيء آخر استمرار التطبيع، كما ثبت ذلك في موضوع الصحراء الغربية في السياق المغربي، وكذلك كما يمكن أن يحدث مع السعودية التي تتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن شروطها من أجل تسخين علاقتها مع إسرائيل.
9- تداعيات على العلاقات مع الولايات المتحدة
- من دون قيم مشتركة مع الولايات المتحدة، فإن العلاقات الخاصة ستضرر كثيراً. إن أهمية إسرائيل والولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا والقوة الأمنية تبقى ذات دلالة فقط إذا ظلت إسرائيل ملتزمة القيم المشتركة التي تميز هذه العلاقات الخاصة. إذا غيرت إسرائيل أو ابتعدت عن القيم الديمقراطية للولايات المتحدة، فمن الطبيعي أن يتناقض دعم إسرائيل مع المصلحة الأميركية.
- للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين الدولتَين، تشعر الولايات المتحدة بالقلق على الديمقراطية في دولة إسرائيل. إن التوترات في منظومة "العلاقات الخاصة" بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليست أمراً جديداً، لكن التشكيك في هذه المرساة الأساسية جداً في العلاقات هو عنصر لم نعرف مثله في الماضي. إن العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة هي التي تشكل الفارق بين كون إسرائيل دولة عظمى إقليمية وكونها دولة صغيرة ذات قدرات محدودة. في إمكان إسرائيل الصمود حتى بعد تراجع التأييد الأميركي لها، وستظل موجودة، لكن هذا الأمر سيؤثر بصورة كبيرة في قوتها الأمنية، وفي الرفاه والاقتصاد ونوعية حياة سكانها. لسنا قريبين من زوال التأييد الأميركي الشامل لإسرائيل، لكن التوجه المستمر سلبي وليس بسبب ما يحدث في إسرائيل فقط.
- إن الإدارة الأميركية تعارض بشدة الإصلاحات القضائية، وكذلك سياسة إسرائيل في الضفة الغربية. وهذه المواقف ليست جديدة، وكذلك اللغة القاسية وتمرير الرسائل. تبذل الإدارة الأميركية كل ما في وسعها من أجل التشديد على معارضتها سلوك الحكومة في موضوع الإصلاحات القضائية وسياستها في الضفة الغربية التي تعرّض موقف الإدارة من حل الدولتَين للخطر.
10- الخطوات السياسية المطلوبة
- الوقف الفوري للتشريعات القضائية حتى التوصل إلى اتفاق واسع، وبعد أن تتوقف الأعمال الاحتجاجية. لا يمكن حسم الوضع بين الطرفَين، بل يجب العمل على خفض التوترات بصورة مشتركة.
- يتعين على الحكومة قيادة تحرك واسع النطاق لمعالجة جذرية لكل المجالات التي تضررت نتيجة الأزمة، وكذلك تلك التي أُهملت؛ في الأمن والاقتصاد والمجتمع وفي السياسة الخارجية.