أمن إسرائيل ينهار تحت ضربات الحكومة
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل
مهند مصطفى
أسامة حلبي, موسى أبو رمضان
أنطوان شلحت
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- قبل 17 عاماً انتهت حرب لبنان الثانية. لجنة فينوغراد التي تشكلت في أعقابها أشارت إلى فجوات كبيرة في مسار اتخاذ القرارات الذي أدى إلى الحرب، بالإضافة إلى فجوات كبيرة في كفاءة الجيش، وفهم جزئي فقط داخل الحكومة لإسقاطات قراراتها والخطوات التي قامت بها.
- قبل بضعة أسابيع، حضر رئيس قسم العمليات في الجيش ورئيس قسم الاستخبارات إلى الكنيست، بتوجيه من وزير الدفاع، بهدف عرض صورة المستجدات على أعضاء "الكابينيت"، بعد محاولتهما الوصول إلى أبواب الوزراء، من دون أن يحققا نجاحاً كبيراً. وبحكم مسؤوليتهما، كانت الصورة التي أرادا عرضها تتضمن تقديراتهما لوضع العدو ووضع قواتنا. وبحسب مصادر إعلامية، فإن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية حذّر رئيس الحكومة مؤخراً من تآكل كبير في الردع الأساسي، وأن إيران وحزب الله يريان فرصة تاريخية لتغيير الميزان الاستراتيجي في المنطقة بسبب الأزمة في إسرائيل. أما فيما يتعلق بكل ما يخص وضع الجيش، فإن رئيس هيئة الأركان التزم أن يطرح أمام المستوى السياسي "صورة حقيقية للكفاءة، من دون تغيير أي فاصلة"، بما معناه معطيات محدثة بشأن حجم الذين أوقفوا تطوعهم فعلاً، وتأثير ذلك في الكفاءة. وانطلاقاً من معرفتنا لمدى التزام هيئة الأركان، يمكن الافتراض أن ما تم عرضه لم يكن فقط معطيات استخباراتية وعملانية، إنما أيضاً احتمالات الضرر الذي سيلحق بالجيش بسبب التشريعات القضائية، ضرر واسع أكثر بكثير من عدد الذين أوقفوا تطوعهم حتى الآن. وفي مذكرة تعود إلى تاريخ 23 تموز/يوليو، حذر قائد هيئة الأركان من أنه "إذا لم نكن جيشاً قوياً ومتماسكاً، وإن لم يخدم في الجيش أفضل العناصر، لن نستطيع البقاء كدولة في المنطقة". بكلمات أُخرى، رئيس هيئة الأركان يحذر من احتمال تهديد وجودي. ومؤخراً، نشر الناطق الرسمي باسم الجيش أقوال قائد سلاح الجو بشأن الضرر العميق الذي يلحق بكفاءة السلاح الذي لن يعود إلى ما كان عليه.
- وعلى الرغم من خطورة ما يحدث، فإن رئيس الحكومة لم يقبل سماع عرض رئيس هيئة الأركان إلا بعد التصويت على تقليص "حجة المعقولية"، وحتى أن الحكومة لم تجتمع من أجل ذلك إلا بعد أسبوع من التصويت. حتى أن مطالبة أعضاء الكنيست بعقد جلسة طارئة للجنة الخارجية والأمن رُفضت أيضاً، ولم يحصل هؤلاء على المستجدات سوى في الأسبوع الماضي في مكاتب وزارة الدفاع، من دون طرح أي معطيات. مؤخراً، اجتمع رئيس الحكومة بوزير الدفاع وقيادات الجيش، وقام بتوبيخهم بسبب ما يُنشر في الإعلام، ووجّه أوامره لهم بالحفاظ على كفاءة الجيش. "الكابينيت" وحكومة إسرائيل لم يعقدا أي جلسة حتى الآن لطرح المعطيات بشأن كفاءة الجيش.
- بحسب قانون أساس: الجيش؛ يخضع الجيش لمسؤولية الحكومة، والوزير المسؤول عنه هو وزير الدفاع. عندما تتهرب حكومة إسرائيل من الأخبار وترفض سماع كبار المسؤولين في هيئة الأركان العامة للجيش، فإنها لا تقوم بوظيفتها، ولا تتحمل مسؤوليتها عن أمن إسرائيل. وعندما تحذو لجنة الأمن والخارجية حذو الحكومة وتمتنع من القيام بمسؤوليتها بمراقبة عمل الحكومة وقراراتها، فإنها تتخلى عن مسؤوليتها ولا "تنام خلال الحراسة" فقط، كما اعترف رئيس اللجنة، عضو الكنيست يولي إدلشتاين. وليس اعتباطاً جرى الحديث عن أن قيادات الأجهزة الأمنية توثق جميع تحذيراتها، كما لو كانت تتحضر للجنة تحقيق في المستقبل بشأن الموضوع.
- مداولات الحكومة ولجنة الأمن والخارجية فيما يتعلق بوضع الجيش بسبب التشريعات، جرت فقط بعد أن بات التشريع حقيقة كاملة. هذا شبيه بعقد اجتماع بعد الخروج إلى حرب اتخذ قرار خوضها من دون أن يتم عرض إسقاطاتها. جرى استكمال التشريع، هذا ما قالته الحكومة، وذلك لأنه لا يمكن القبول بأن تفرض مجموعة من الضباط ما تريده على الحكومة بصورة تبدو كأنها انقلاب عسكري. نتنياهو وضعنا أمام اختيار كاذب "من دون بعض أسراب الطيران، أو من دون الحكومة". هذا تأطير كاذب وتعسفي، كباش أيدي ولعبة نتيجتها صفر - وهو يتجاهل البدائل التي كانت أمامه، سواء في ما يتعلق بتوقيت التشريع، أو مضمون التشريعات. هذا الموقف من رئيس الحكومة محصور بالمدى القصير، ويقزّم إسقاطات هذا المسار التشريعي، ويتجاهل التهديد الوجودي الذي ينطوي عليه بالنسبة إلى الجيش وإلى دولة إسرائيل.
- الجيش يعتمد بالأساس على الانضباط، الذي يضمن وجوده وفاعليته. لذلك، من السهل على داعمي المسار التشريعي التعامل مع مَن أوقفوا تطوعهم على أنهم رافضون للخدمة العسكرية، وحتى المطالبة بإلقائهم في السجن ومطالبة الجيش بالتعامل معهم بيد من حديد. إلا إن الأعمق من الانضباط هو الالتزام الداخلي والإرادة الحرة، النابعة بالأساس من الإيمان بعدالة الطريق وخدمة الهدف الأعلى، والقيم الأساسية المشتركة والقيادة اللائقة. المنتقدون للذين يتنازلون بألم عن امتيازهم الكبير بالتطوع، يتجاهلون الأهمية الكبيرة جداً للقرار الحر إزاء كل ما يخص الخدمة العسكرية: التجنيد، والتطوع في الوحدات القتالية، والبقاء في مسار الضباط، وكل توقيع لاستمارة التطوع في الخدمة النظامية، وفي خدمة الاحتياط. وعندما عاش جزء كبير جداً من الجمهور في إسرائيل التشريع كأنه ضحية عملية دهس واسعة النطاق، فإن المسؤولية بالأساس تقع على الحكومة والمشرّع. تجاهُل مقدسات الجمهور الواسع اليوم تفتح الباب على إسقاطات بعيدة المدى في مقابل فئات أُخرى، وهو كارثة على المجتمع والجيش ودولة إسرائيل برمتها.
- ابن رئيس الحكومة هاجم رئيس هيئة الأركان العليا، وكان رد والده ضعيفاً. أعضاء الحكومة يزيدون في حدة الانقسامات في الجيش، ويعززون الفجوات بين المكونات المختلفة في الجيش، بحسب الفئات التي يتضامنون معها. إذ في الوقت الذي تتغير البيئة الاستراتيجية الإسرائيلية بصورة مستمرة، على الجيش أن يحافظ على أفضل أفراده وعلى تماسُكه أكثر من أي وقت مضى، بينما تقوم حكومة إسرائيل بزعزعته وتفكيكه بشكل فعال. حكومة إسرائيل فضلت، بوضوح، الاستمرار في التشريعات القضائية الهدّامة حتى لو كان الثمن ضرراً واضحاً على الجيش وإسقاطات كبيرة على أمن إسرائيل. وهذا كله باسم المسار التشريعي الذي تقول عنه إنه غير مهم، في الوقت الذي تتصرف وكأنه ضروري جداً. عندما يضاف قانون التجنيد إلى هذا المسار التشريعي، فستصل الأزمة أيضاً إلى الجيش الإلزامي. حزام أمن إسرائيل القومي ينهار تحت ضربات الحكومة.
- معارضة التشريع القضائي ليست موجهة ضد الحكومة أو سياساتها، إنما ضد خطتها الواضحة لتغيير نظام الحكم في إسرائيل، مع كل المخاطر الكامنة فيها على أمن إسرائيل وحرية مواطنيها. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هو المسؤول المباشر عن أن المجلس الوزاري المصغر الأمني - السياسي، والهيئة العامة للحكومة لم يجتمعا لسماع عرض الجيش بشأن المخاطر على إسرائيل ووضع الجيش. هو مَن منع اجتماع لجنة الخارجية والأمن قبل التصويت كي يضمن أن المعطيات والتقديرات الخطِرة لا تخرج إلى العلن، ولا تؤثر في مسار التصويت الائتلافي. هو مَن وبخ قيادات الجيش بسبب تحذيراتهم عن الوضع. الحديث لا يدور عن طريقة عمل جديدة لأن نتنياهو يجمع الحكومة والكابينيت بوتيرة قليلة منذ سنوات. هذا ما قام به خلال فترة الكورونا، وأيضاً هذا العام قبل حملة "بزوغ الفجر" في غزة و"بيت وحديقة" في جنين. وللتذكير، في نهاية آذار/مارس، رفض رئيس الحكومة طلب وزير الدفاع عرض صورة الوضع أمام "الكابينيت"، وأقاله بعد أن صرّح علناً بالخطر الموجود أمامنا. حتى ولو كان ممكناً تبرير ذلك بادعاءات بيروقراطية، أو برغبة في منع تسريبات أعضاء الكابينيت غير المسؤولين الذين تم تعيينهم على يد رئيس الحكومة ذاته، فالحديث يدور عن استئصال مسؤولية الحكومة عن الجيش، استناداً إلى قانون أساس، وتحييد مسؤولية الكنيست بمراقبة الحكومة. وبكلمات أُخرى - الحديث يدور عن استمرار التغيير الفعلي في نظام الحكم في إسرائيل، وذلك عبر تركيز كافة السلطات والقوة بيد رئيس السلطة التنفيذية ومجموعة ممن يكنّون الولاء له، وإضعاف السلطات الثلاث سوياً.
- بسبب التهديدات الأمنية الآخذة بالتصاعد من الخارج والأضرار الكبيرة على الجيش والاقتصاد والأمن والعلاقات الخارجية، وبسبب السلوك غير المسؤول للقيادة، يتضح حجم التهديد الحقيقي لإسرائيل المتمثل في نظام نتنياهو الحالي، والنظام الذي يجري التحضير له. مئات آلاف المتظاهرين المصممين منذ بداية العام، وأغلبية الجمهور الذي يمثلونه، لا يعارضون الحكومة، إنهم يعارضون سلطة نتنياهو، وهم مؤمنون بحريتهم وإسرائيل عزيزة على قلوبهم.