إلحاق الضرر بالميزانيات المخصصة للمجتمع العربي سيزعزع الأمن الداخلي
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال، العدد 1753
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- يبدو أن حكومة إسرائيل تنوي قضم الميزانيات الحكومية التي تمت المصادقة عليها في إطار الخطة الخمسية لدعم المجتمع العربي. وسيكون لهذا أبعاد قانونية إشكالية، وإسقاطات اقتصادية خطِرة، بالإضافة إلى إسقاطات سلبية على علاقات الأغلبية اليهودية مع الأقلية العربية.
- تمت المصادقة على الخطة الخمسية 550 المخصصة للمجتمع العربي للسنوات 2022-2026، والتي أُقرّت في شباط/فبراير 2023، في إطار ميزانية الدولة. وهي تستند بالأساس إلى الرؤية التي أدت إلى بلورة الخطة الخمسية الأولى للمجتمع العربي 922 (كانون الأول/ديسمبر 2015) التي صادقت عليها حكومة بنيامين نتنياهو. مَن صاغوا الخطة الأصلية رأوا أن تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية في إسرائيل هو هدف استراتيجي بعيد المدى، وسيكون بمثابة رافعة لدمج العرب اقتصادياً واجتماعياً في الدولة. الفكرة الأساسية كانت الدفع بتغييرات أساسية ومستمرة في السياسة المتبعة تجاه المجتمع العربي، تتجلى في نموّ السوق الإسرائيلية كلها. ما ميّز الخطة كان التغيير الأساسي والثابت في طريقة توزيع الميزانيات للمجتمع العربي، وتتلاءم مع النمو السكاني للمجتمع. وهذا، عبر تقليص التمييز المستمر في تخصيص الموارد للمجتمع العربي، وتوزيع الميزانيات بشكل متساوٍ أكثر بين الفئات المختلفة.
- نية وزير المالية تجميد الميزانيات للسلطات المحلية العربية (محاولته وقف تمويل الطلاب الجامعيين في القدس الشرقية، والتي تم إحباطها)، وكذلك مطالبة حزب "قوة يهودية" بوقف الخطة الخمسية 550 ومناقشة مكوناتها من جديد، تتعارض مع هذه الاتجاهات العميقة، ويتم تبريرها بادّعاءات لا تتمتع بأي دعم مهني:
- بشأن الميزانيات المخصصة للسلطات المحلية: في إطار القرار الحكومي 550، ادّعى وزير المالية أن هذه الميزانيات تنزلق إلى المنظمات الإجرامية. هذا الادّعاء يشير إلى مشكلة صعبة في مجال استغلال هذه الميزانيات الحكومية بصورة أكثر نجاعة في داخل السلطات المحلية العربية. لكنها تتجاهل العمل المكتبي الواسع الذي تم في إطار خطة "مسار آمن" في الحكومة السابقة، والتي تم تقديمها للحكومة في أيار/مايو 2022، وفي أساسها خلق مسارات تمويل آمنة للسلطات المحلية. كل ما كان يجب القيام به هو تطبيق التغييرات التنظيمية المقترحة وآليات الرقابة لهذه الميزانيات.
- بشأن نية وقف الخطة الخمسية 550 من أجل إعادة مناقشتها: الادّعاء هو أن الحديث يدور حول أموال تم تخصيصها في الحكومة السابقة، في إطار الاتفاقيات الائتلافية، وبذلك هناك "استمرار إشكالي في سياسة التمييز ضد اليهود، وذلك عبر منح جهات غير صهيونية سيطرة غير مسبوقة على إدارة الوزارات الحكومية." وهذا، بعد أن صادقت الحكومة الحالية على الخطة، في إطار ميزانية الدولة.
- بشأن قرار الخطة الخمسية للسنوات 2023-2028 في القدس الشرقية: والتي تمت المصادقة عليها بتاريخ 23/5/2023، جاء أن "تقليص الفجوات... هو تحدٍّ قومي، وهدف حكومي له أهمية قصوى.. إن تطوير القدس وازدهارها... لمصلحة جميع السكان فيها... يقومان على دمج سكان القدس الشرقية في الحياة الحضرية وفي المجتمع الإسرائيلي." وبشأن نية وقف ميزانيات جزء من الخطة، المتعلق بإعداد الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية للدراسة في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، ادّعى وزير المالية أولاً أن هذا يشجع على التحريض ويقوّي التوجهات القومية الخطِرة. لا يوجد أي أساس لهذا الادّعاء. تشير التجربة إلى أن هذا لا يشجع "الإرهاب" فقط، بل يشجع الاندماج الطبيعي للسكان الفلسطينيين. ويبدو تأثير الخطة في شباب القدس الشرقية واندماجهم داخل المجتمع الإسرائيلي واضحاً منذ الآن. فاستناداً إلى معطيات دائرة الإحصاء المركزية، يتضح أنه منذ بداية الخطة 2018-2023، ارتفع عدد الطلاب الجامعيين من القدس الشرقية في السنة الأولى الجامعية في إسرائيل بنسبة 85% (1218 طالباً جامعياً). الشهادات الجامعية من المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية ستسهل اندماج الشباب في سوق العمل الإسرائيلية، وتساعد على تخفيف التوتر القومي. وتشير التقديرات إلى أن إلغاء التمويل هو ما سيعزز الدوافع لـ"العنف" القومي في القدس الشرقية، إحدى أكثر المناطق فقراً في الدولة ومركز الاحتكاك القومي. مؤخراً (في 17 آب/ أغسطس)، نُشر في الإعلام خبر عدم إلغاء تخصيص هذه الأموال للخطة المذكورة في شرقي القدس، وأن الميزانيات ستحوّل إلى "تشجيع التعليم العالي للشباب العرب". من غير الواضح بعد ما هو المغزى العملي لهذه الصيغة الجديدة.
- مبدئياً، إن قضم الميزانيات المخصصة لتطوير المجتمع العربي، حتى لو لم يتم بشكل كامل، يشير إلى اتجاه أيديولوجي، هو في أساسه إقصاء قومي معادٍ للعرب.
الأبعاد القانونية
- في النيات المعلنة لوزير المالية، هناك خرق قانوني صارخ وعدم احترام لقرارات الحكومة السابقة. الاستمرارية الحكومية تشكل أحد المبادئ الأساسية للقانون العام في إسرائيل، ومبدأ أساسياً مهماً في كل نظام ديمقراطي ملتزم بالاستقرار النظامي. مبدأ الالتزام بالوعود الحكومية له أهمية خاصة في نظام حُكم ديمقراطي - برلماني لا توجد فيه ثغرات دستورية واضحة، كما هي الحال في إسرائيل، حيث تجري الانتخابات بوتيرة أقل من 4 أعوام. ثمة بُعد إضافي له علاقة بالالتزام الدستوري الواضح المفروض على الحكومة بالمساواة بين جميع السكان. خرق هذه الوعود الحكومية على أساس الهوية السياسية والقومية والدينية وغيرها، يُلحق الضرر بمبدأ المساواة.
الإسقاطات الاقتصادية والاجتماعية
- الثمن الفوري لهذه القرارات، إذا تم تطبيقها، هو ضرر حقيقي في مجال تقديم الخدمات الضرورية اليومية للمجتمع العربي ووقف كافة مسارات التطوير الضرورية التي بدأت في الأعوام الماضية. سيلحق الضرر بالسلطات المحلية العربية الضعيفة وبتطوير محركات النمو للمجتمع العربي المخصصة لخلق احتمالات استقرار اجتماعي - اقتصادي عبر دمج السكان. الافتراض أنه يمكن السيطرة على الأقلية عبر التمييز الاقتصادي هو خاطئ، ويمكن أن يؤدي إلى اتجاهات عكسية، مثل تعميق مشاعر الإحباط والكراهية، ممزوجة بالنزعة القومية، ويمكن أن يؤدي إلى العنف. وبصورة خاصة في الوقت الذي يعيش المجتمع العربي حالة دامية بسبب ازدياد حالات العنف في أوساطه.
- النية المحددة بشأن تجميد تحويل الميزانيات للسلطات المحلية العربية، التي تعاني أصلاً جرّاء نقص في مصادر التمويل، هي مصيرية بالنسبة إلى هذه السلطات. تشير أرقام دائرة الإحصاء المركزية إلى فجوات في المدخول بين البلدات اليهودية والعربية، وتبرز أهمية تحويل هذه الميزانيات. إن تحصيل الضرائب في البلدات العربية أقل من المعدل بأربعة أضعاف مما هو عليه في البلدات اليهودية، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي - الاجتماعي المتدني وعدم وجود دخل جدي من الضريبة التجارية. على مدار السنوات، أثّر الدخل المنخفض في مستوى تقديم خدمات التعليم والرفاه للسكان من جانب السلطات العربية، الأمر الذي أدى إلى تعميق الفجوات. وأكثر من ذلك، فإن السلطات المحلية وضعت خطط ميزانياتها، استناداً إلى التمويل الحكومي الذي تم إقراره في الخطة الخمسية. من دون تحويل هذه الأموال، يمكن أن تجد السلطات المحلية أنها في عجز كبير، سيدفع بالحكومة المركزية إلى تمويله من ميزانيتها.
- التراجع المتوقع في حصول المواطنين العرب على الخدمات الأساسية سيُلحق الضرر الفوري وفي المدى المتوسط بمستوى حياتهم، ويؤدي إلى تراجُع الإنجازات التي تم تحقيقها حتى الآن: الفجوات العميقة في مجال التعليم بين العرب واليهود يمكن أن تتوسع مرة أُخرى، بعد أن بدأت تتقلص؛ ويمكن أن يلحق الضرر أيضاً بتعزيز المعرفة الرقمية والمهارات في اللغة العبرية والإنكليزية، بهدف مساعدة هؤلاء الشباب على الاندماج في سوق العمل؛ وتقليص الموارد المخصصة للسكن سيقلص توفُّر أراضي الدولة للسكن وإقامة مؤسسات عامة، بالإضافة إلى أنه سيضيف عوائق في مجال التخطيط المُدني، ويُضعف اللجان المحلية ووحدات الهندسة في السلطات المحلية.
- ومن المتوقع أن يؤدي تنفيذ النيات المعلنة إلى إلحاق الضرر بمعالجة تحدّي ظاهرة الشباب العاطل من العمل، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى توسّع إضافي للعنف والإجرام في المجتمع العربي. منذ بداية العام، تتصاعد هذه الظاهرة بشكل غير مسبوق، إذ بات عدد القتلى في المجتمع العربي ضعفيْ الأرقام القاسية التي شهدتها السنوات الماضية. العلاقة بين تدني الوضع الاقتصادي - الاجتماعي وبين العنف والإجرام واضحة ومثبتة، وبصورة خاصة في المجتمع العربي في إسرائيل. ويمكن الافتراض أيضاً أن إلحاق الضرر بالخطط المخصصة للمجتمع العربي سيؤدي إلى إحباط وغضب سيتم توجيهه نحو الجمهور اليهودي والحكومة، وسينعكس في تصاعُد ظاهرة الجريمة والعنف والبلطجة، والتي ستنزلق أيضاً إلى الحيز اليهودي.
خلاصة وتوصيات
- منذ تأليف حكومة إسرائيل الحالية، تصاعد التخوف في أوساط الجمهور العربي من أن تغدو ظروفه أسوأ. الأخبار بشأن تقليص متوقع في الخطة الخمسية جعل هذا التخوف العام حقيقياً، ومباشراً وصارخاً. صحيح أن الحديث يدور في هذه المرحلة حول نيات محدودة ظاهرياً، لكن الاتجاه في المدى البعيد واضح: تعزيز إقصاء العرب في إسرائيل على أساس حسابات قومية. حتى التفسيرات لهذه النيات تشير إلى ذلك. لدى الحكومة الكثير مما يمكن القيام به لزيادة نجاعة الاستثمارات المالية في المجتمع العربي، ومع ذلك، فإذا تحقق التوجه المذكور فإنه يمكن أن يؤدي إلى تغيير استراتيجي سلبي، يرافقه ضرر كبير في العلاقات بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية في الدولة.
- في دولة إسرائيل، حيث تعيش أقلية قومية كبيرة من الشعب الفلسطيني يجري التعامل معها، في نظر الكثيرين، على أنها عدو، سيكون لهكذا تغيير في ميزان العلاقات بين الأغلبية والأقلية إسقاطات سلبية بعيدة المدى. وبالإضافة إلى الأسئلة المبدئية - الأيديولوجية الخاصة بالديمقراطية والمساواة وحقوق المواطن، يدور الحديث هنا عن قضية اجتماعية أمنية حساسة، تنطوي على الكثير من المخاطر. التراجع عن سياسة واضحة تدعم الاندماج، لمصلحة سياسة عنيفة تقوم على الإقصاء والتمييز، وذلك من خلال استعمال قوة الدولة ضد الأقلية القومية الضعيفة، يمكن أن يدفع في اتجاه التطرف القومي لدى الطرفين، وأن يؤدي إلى ضرر في الأمن القومي، وذلك في وقت يوجد فيه أصلاً توتر في البيئة الإقليمية لإسرائيل.
- لذلك، على الحكومة الامتناع من تنفيذ سياساتها الإقصائية تجاه المجتمع العربي والعودة إلى سياسة البناء التي وجّهت الحكومات السابقة منذ سنة 2015. عليها أن تعمل على ترميم ما لحق به الضرر أصلاً: ثقة المجتمع العربي بالحكومة والدولة. إن المسّ بالمبادئ الأساسية للمساواة واحترام الأقلية يمكن أن يؤدي إلى فوضى نظامية وعنف واسع. يجب وقف الخطوات المضرّة أيضاً بسبب تداعياتها السلبية على صورة إسرائيل في المجتمع الدولي، وبصورة خاصة في الولايات المتحدة وأوساط الجمهور اليهودي فيها.